تعد اللحمية من المشكلات الصحية التي قد تصيب الإنسان، حيث نجد أن الزكام المستمر والإحساس بالضيق لدى الكثيرين وتغير الصوت أو الشخير الذي لا ينقطع، أو الشعور بالصداع، قد تكون أعراضاً لوجود اللحمية، وقد تتعدد صور الشكوى من اللحمية لدى الكبار والصغار، وقد تزداد حدة هذه الأعراض وتمتد الشكوى إلى الجيوب الأنفية، والأذنين، والحنجرة، بل والصدر أيضاً, وعند الكشف يتفاجأ المريض أن السبب وراء كل هذه المتاعب هو اللحمية، ولعل أفضل علاج لها يكون من خلال الطرق الحديثة التي من أهمها المنظار، حيث يمكن المنظار الجراح من رؤية وتحديد موقع مكان اللحمية وسحبها بدقة بالغة وإتقان والمنظار يمكن الجراح من عمل دقيق ومتقن وكذلك في الوقت نفسه يتم من خلاله تنظيف الجيوب الأنفية واستخراج اللحميات من الداخل ولتسليط الضوء على هذا الموضوع أجرينا الحوار التالي مع الدكتور أحمد العرفج استشاري أمراض الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الرأس والعنق:
* د.أحمد.. ما هو تعريف اللحمية الأنفية وما هي مسبباتها وهل للوراثة علاقة بها؟
- اللحميات الأنفية هي عبارة عن تمدد للغشاء المخاطي للأنف محدثاً نتوء مثل الكيس الصغير يتعلق في ممرات الأنف وذلك بسبب زيادة في إنتاج السائل داخل الخلايا في الغشاء المخاطي لهذا قد تحدث عند الأشخاص المصابين بحساسية الأنف والتهاب الأنف التحسسي Vasomotor Rhinitis أو التهابات الجهاز التنفسي المتكررة، وهنالك عدد من الجيوب ما بين العين والأنف وهي عادة ما تصاب أولاً، والزوائد اللحمية تشغل التجويف في هذه الجيوب وإذا كانت كبيرة تسد المجاري التنفسية وعادة ما تكون متعددة ويكون هذا واضحاً عند الأطفال حيث يتنفسون من الفم طوال الوقت، أما مسبباتها فإن اللحميات الأنفية عادة تصاحب حالات الربو وحساسية الأنف الموسمية والتهابات الأنف البكتيرية والفيروسية ومرض تليف الأنسجة التنفسية، وبالنسبة للأشخاص المصابين بحساسية الجيوب الأنفية معرضين بمعدل 6 أضعاف لنمو اللحميات بالأنف، والأطفال المصابون بالحساسية أكثر عرضه لنمو اللحميات الأنفية وهذا لا يشمل فقط التحسس للبيئة بل حتى الحساسية من الأطعمة, والمحسسات كثيرة مثل حبوب اللقاح، الحشائش، الزهور، العث وعث الفراش، غبار المنازل، شعر وفراء الحيوانات، الأدوية، الدخان والتدخين، البهارات، والعطور، وشدة الحساسية قد تكون وراثية إذا أحد أو كلا الأبوين أو أحد الأهل المقربين جداً يعني منها احتمال ظهور الأعراض عند الأطفال كبير.
* ما هي أعراض اللحمية الأنفية وما هي علاماتها والفحوص التي يمكن من خلالها اكتشافها؟
- من أعراضها انسداد الأنف مع أو بدون إفرازات مخاطية أو مائية، التنفس من الفم، وفي الحالات الشديدة صعوبة التنفس أو توقف التنفس بالليل، احتقان وتغيير بالصوت، وكذلك الشخير، ونقص حاسة الشم والتذوق، قد تكون الزوائد اللحمية كبيرة وظاهرة من خلال فتحة الأنف، قد تصاحبه أعراض الحساسية العامة، أما العلامات والفحوصات: فهي: فحص دقيق للأنف من قبل الطبيب المختص يظهر وجود اللحميات داخل التجويف الأنفي، منظار الأنف Endoscope وC-T scan الأشعة المقطعية، وأحيانا تجرى فحص الحساسية لمعرفة المحسسات البيئية والغذائية أو الأطعمة لأن هذا قد يساعد على الحد من تكرار الزوائد اللحمية Nasal Polyps وتعد لحميات الأنف والجيوب الأنفية من الحالات المرضية المستفحلة في منطقة الخليج العربي بالخصوص لأسباب بيئة وجينية والتهابية ونادرا خلقية ولكن السبب الأساسي لتكوينها غير معروف بالضبط ويعتقد أن العنصر الجيني سيكون له أثر كبير في التسبب في اللحميات وسوف تثبت البحوث مستقبلاً وخصوصاً بعد اكتمال برامج الجينات البشري.
إن اللحميات قد أهملت كثيراً من الجانب الطبي، والعلاجات القديمة لم تكن سوى إزالة أوراق الشجرة ويبقى جذورها لتنبت لحميات جديدة، وهذا ما يفسر رجوع اللحميات بنسبة 30-35% بعد استئصالها بالطرق التقليدية.
* هل اللحمية الأنفية تتكون لدى الكبار أم الأطفال أيضاً وما أسبابها عند الأطفال؟
- قد توجد اللحميات في الأنف لدى جميع الأعمار من عمر يوم وحتى كبار السن ولدى الصغار وخصوصاً دون الخمس سنوات والمكتشفة لأول مرة قد تكون بسيطة ولكن في حالات نادرة تكون متصلة بالدماغ أو جزء من أغلفة الدماغ أو الدماغ نفسه وقد تدلى جزء منها للأنف وفي هذه الحالة يجب عمل أشعة الرنين المغناطيسي MRI لاكتشاف هذا الارتباط، وقد تكون اللحمية عند الأطفال ناتجة عن التهابات أو بدأت من الجيب الأنفي وتتدلى إلى خلف الأنف Antrochoanal Polyp أو تكون اللحميات متعددة وخصوصاً في حالة حساسية الأنف وفي هذه الحالة تكون شبيهة بلحميات الكبار sinonasal polyp وقد تكون اللحميات ناتجة عن الحساسية Nasal Allergy أو الالتهابات ودون سبب, ويجب الانتباه أن هناك حالة نادرة وهي وجود ورم في خلف الأنف مشابه للحمية وهو ليس بلحمية ولكن ورم حميد Angiofibroma ويعرف الأطباء أن استئصاله ليست بالسهولة حيث تعمل أشعة MRI Scan,C-T Scan أي الأشعة المقطعية وأشعة الرنين المغناطيسي وكذلك أشعة ملونة للأوعية المزودة للمنطقة Angiography لمعرفة درجة وكمية واتساع الأوعية الدموية للورم قبل إزالته أما بالنسبة للكبار فاللحميات تكون عادة متعددة وتصيب الأنف وكذلك الجيوب الأنفية، وما هو شائع عند العامة باللحمية وخاصة عن الأطفال يقصد به الناميات الأنفية Adenoids وهي عبارة عن نسيج مشابه للوزتين، ويوجد خلف اللهاة في جهة مجرى الأنف، وهذا النسيج موجود عند كل الناس، وقد يتضخم عند بعض الأطفال في السنوات الأولى من العمر، وتتمثل أعراضه بالشخير الشديد ونغمة الكلام الأنفية وفتح الفم بشكل دائم لعدم قدرة الطفل على التنفس من الأنف، وقد يستوجب علاج هذا التضخم بإزالته.
* بعض المرضى يجرون عملية اللحمية وبعد فترة تعود مرة أخرى ما هي أسباب ذلك؟
- هناك حالات تسمى sinonasal Polyposis وهي تصيب الأنف والجيوب الأنفية متصاحبة بلحميات شديدة جدا وتصيب معظم الجيوب الأنفية وتتميز بأنها تتكرر برغم إجراء العمليات الجراحية المتكررة.
وأحياناً للأسف الشديد هذه الحالة لا تعالج بصورة صحيحة من قبل البعض حيث يعطى المريض بخاخات Nasal Spray ومضادات حيوية Antibiotics ولكن دون جدوى، ففي غضون السنوات الأخيرة أجريت مئات العمليات من هذه الحالات بالذات وهي عادة تصيب الشباب من عمر 20-35 سنة وللأسف أيضا تكون هذه الحالة مشخصة مؤخرا وقد استفحلت بشكل حتى يصعب معها العلاج.
أما اللحميات المتعارف عليها التي تصيب المرضى في منتصف العمر أو الكبار وتكون اللحميات والمتعارف الناس عليها عادة تصاحب حساسية الأنف وعلاجها أسهل بكثير مما تقدم أعلاه فيجب أولا القضاء على مسببات اللحميات مثل الحساسية وكذلك الالتهابات وما شابه ذلك، ولكن إذا كانت الحالة شديدة اللحميات فيجب القضاء على اللحميات ثم اللجوء إلى علاج الحساسية بعد العملية.
* هل العلاج بالأدوية مفيد في إزالة اللحمية أم أن الأدوية جزء من العلاج؟
- البخاخات المستعملة من الكورتزون قد تؤدي إلى انكماش وتصغير اللحمية في بعض الحالات خاصة إذا كانت صغيرة وتم تشخيصها مبكراً، كذلك حبوب الكورتزون لها نفس المفعول لكن لا ننسى المضاعفات الجانبية للكورتزون لذا يكون استعماله لفترة وجيزة وبجرعات محدودة، وأحيانا نلجأ للأدوية قبل العملية لتصغيرها قبل إزالتها جراحيا، وفي الحالات الحادة إذا كانت اللحميات متصاحبة بالتهاب شديد في الجيوب الأنفية سواء كان هذا الالتهاب ناتجاً عن بكتيريا أو فطريات فيجب البدء بالأدوية أولا لعلاج الحالة الحادة، وعند استقرار الحالة تعطى أيضاً أدوية أخرى بعد أسبوعين تقريبا وهذه الأدوية هي لتصغير اللحميات مما يسهل إجراء العملية.
* هل التشخيص المبكر مهم وما هي الوسائل الحديثة لعلاجها؟
- التشخيص المبكر لمثل هذه الحالات مهم جداً، ففي السنوات الأخيرة برزت عدة وسائل لتشخيص حالات الجيوب الأنفية وقد كان في اكتشاف مناظير الأنف وعملياتها functional Endoscopic sinus surgery التي أسهمت بشكل كبير في تطوير هذه الجراحة حيث في السابق كانت جراحة الجيوب الأنفية واللحميات الأنفية مقتصرة على الجراحة المعتاد عليها بدون استعمال المناظير ومقتصرة على ما يراه الجراح بالعين المجردة ولكون الأنف والجيوب الأنفية مناطق ضيقة ومظلمة وصعب الوصول إليها، كانت نسبة النجاح لهذه العمليات تتراوح ما بين (40-60%) ناهيك عن التشخيص لهذه الحالات قبل ظهور المناظير والأشعة المقطعية CT Scan وأشعة الرنين المغناطيسي MRI لم يكن دقيقاً وشاملاً ومشخصاً بصورة جيدة ولكن بعد ظهور CT وMRI والمناظير استطاع الجراح أن يشخص بدقة وجود المرض ودرجته وحتى تشخيص بعض اللحميات المتحولة إلى أورام عن طريق المنظار ودقة تمييز الأنسجة في أشعة الرنين المغناطيسي، وهكذا لم يكن ممكناً في السابق لصعوبة الوصول إلى المناطق المصابة.
* ما هي فائدة المناظير في علاج اللحمية الأنفية خصوصاً لدى النساء؟
- الجراحات السابقة كانت تشتمل على إزالة اللحمية حسب ما يراه الجراح ممكناً بالعين المجردة، وإن لم يكن ذلك ممكناً، يعمل جرح طويل إلى جانب الأنف Lateral Rhinotomy أو عمل جرح على جانب العين قرب الأنف من أجل الوصول إلى الجيوب الأنفية العميقة، حتى مع هذه العمليات الكبرى لا يستطيع الجراح الوصول إلى المرض أو إزالته بشكل كبير وكذلك الجرح الطويل بجانب الأنف يترك أثر وهذا قد يشوه شكل الوجه وخصوصاً بالنسبة للسيدات، أما بعمليات المناظير فليس هناك أي جروح خارجية ويتم إدخال المنظار Endoscope بدرجاته المختلفة عن طريق فتحة الأنف الطبيعية وإزالة المرض بشكل كامل أو شبه كامل باستعمال مناظير ذات درجة انحراف مختلفة ويتم مراقبة العملية عن جهاز التلفاز Monitor ونسبة نجاح عمليات المناظير ما بين 70% إلى 90% كان المرض في منطقة محدودة وإن تكن عميقة جداً.
نسبة عودة المرض مرة ثانية لا يتجاوز (5 1- 20%) وباستطاعة الجراح تقليل هذه النسبة باستعمال بعض الأدوية التي تمنع ظهور المرض مرة ثانية، وجراحة مناظير الأنف والجيوب الأنفية قطعت شوطاً طويلاً في علاج الأورام الحميدة والخبيثة Benign AND Malignant Tumor وله أثر كبير في دقة التشخيص المبكر ودقة العملية وكذلك التشخيص المبكر في حالة عودة هذه الأورام الذي لم يكن ممكناً في السابق تحديد مكانها أو درجة انتشارها.. وخصوصاً في المراحل الأولية للعلاج.
* هل تستخدم جراحة المناظير في عمليات اللحميات والجيوب الأنفية؟
- علاج مرض الجيوب الأنفية واللحمية الأنفية بواسطة المناظير هو من أدق العمليات الجراحية في الوقت الحاضر لدقة التشخيص ودقة العملية وقلة الضرر بالأنسجة خلال العملية وسرعة شفاء المريض والنسبة العالية في نجاحها.
* هناك حالات مزمنة للحميات بالرغم من إجراء عدة عمليات سابقة ما السبب في ذلك؟
اللحميات المزمنة تتميز بتكرار عودتها وتعد من الحالات الصعبة وخصوصاً إذا بدأت في عمر مبكر قد تكون هناك علاقة مباشرة ما بين تكرار اللحميات وعلاقتها في نقص أو عطل أحد الجينات المسؤولة عن المجاري التنفسية العليا فلا يخفى على الأطباء المتخصصين أن أحد الأمراض الصدرية المعروف Cystic Fibrosis وهي تليف الرئة القيحي الذي يبدأ من سن مبكرة فهذا المرض اكتشف أنه له علاقة مباشرة وأثبتت في البحوث الطبية عن وجود نقص في الجينات.
إن حساسية الأنف والتلوث البيئي يحفز ويكثر من ظهور لحميات الأنف وإن أدت إلى لحميات فهي تكون البداية لحميات صغيرة، وللعلم فالحساسية قد تؤدي إلى لحميات كثيرة ومستفحلة إذا لم تعالج ففي المرضى الذين عندهم أصلا نقص جيني تكون كثيرة مستفحلة وتعاود الرجوع بعد العملية، ويجب أحياناً إعطاء أدوية بالوريد ضد الفطريات لمدة عدة أسابيع حتى نحاول منع رجوع اللحميات.
* كيف يتم تشخيص اللحمية وما هي نصائحكم للمرضى؟
التشخيص الدقيق للحميات يتم بواسطة المناظير الأنفية والأشعة المقطعية C-T Scan وكذلك الأشعة المغناطيسية MRI Scan إذا كان هناك حاجة ضرورية لها، كما أن عدم وعي المريض بضرورة مراجعة الطبيب بخصوص اللحميات وتركها دون علاج له عواقب وخيمة حيث إن بعض اللحميات قد تكون في الأصل ورماً وليست لحميات، وللعلم فإن ترك اللحميات لعدة سنوات أمر غير محمود ويجب علاجها حال ظهورها حتى لا تستفحل ويتعقد إجراء العملية.