Al Jazirah NewsPaper Wednesday  13/03/2007 G Issue 12584
مقـالات
الاربعاء 23 صفر 1428   العدد  12584
مشاعر التعصب تتكون أثناء الطفولة
سيكولوجية التعصب بين التشخيص والعلاج
د. محمد يوسف حجاج (*)

إن العلم الذي لا يخدم المجتمع يعتبر علماً عقيماً لا فائدة منه، ومهمة العلماء وبصفة خاصة علماء الإنسانيات يجب أن تتبلور في مهمة رصد الواقع وتحليل أبعاده إيذاناً بوضع خطط للاستفادة التطبيقية، وعلم النفس يوصفه أحد تلك العلوم الإنسانية لم يتوانَ لحظة واحدة في المساهمة في الكشف عن الكثير من الظواهر التي تؤرق الفرد على المستوى النفسي الذاتي وكذلك المجتمع على المستوى الجماعي، ومن هذا المنطق أقدمت على توضيح سيكولوجية المتعصب حيث إن تلك الشخصيات المتعصبة من الظواهر الشاذة التي هي في حاجة إلى فهم دينامياتها، فالتعصب أياً كان نوعه ظاهرة ضارة بالمجتمع، ولا نجني منها سوى التدمير والتخريب مما يعود بعواقب وخيمة على الفرد من جهة والمجتمع من جهة أخرى.

انطلاقاً مما سبق نجد أنه من الضروري دراسة ظاهرة التعصب بشقيها الديني والرياضي في قالبٍ واحد، وقد يبدو لأول وهلة أن كاتب هذا المقال يجمع بين ظاهرتين مختلفتين من الناحية الشكلية ولكن العلم في عمومه يسعى لمعرفة ماهو عام متخطياً في ذلك تعدد الظواهر الجزئية لمعرفة الديناميات العامة لظاهرة التطرف والتعصب بغض النظر عن نوعية هذا التعصب.

وهناك العديد من التعريفات التي حاولت تفسير وتعريف التعصب ومن هذه التعريفات.

التعصب هو اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو موضوعاً معيناً إدراكاً إيجابياً محباً أو سلبياً كارهاً دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية ولذا فإن المنطقية والخبرات الواقعية لا ينجحان عادة في إزالة التعصب أو الشفاء منه.

ويرى البعض أن التعصب هو اتجاه سلبي يتبناه أعضاء جماعة معينة مستمد من معاييرها القائمة، ويوجه نحو جماعة أخرى وأعضائها.

ومن خلال عرض تلك التعريفات يمكن لنا أن نضع أيدينا على الملامح العامة لمفهوم التعصب في معناه العام كما يلي:

- التعصب حكم لا أساس له من الصحة، ويحدث من دون توفير الدلائل الموضوعية.

- التعصب اتجاه له مكونات ثلاثة (معرفية وانفعالية وسلوكية) مثله في ذلك مثل الاتجاهات النفسية والاجتماعية.

- يؤدي التعصب وظيفة غير عقلانية لصاحبه، فهو اتجاه غير مبرر.

وبالتالي نجد أن الفرد يتجه إلى التعصب كلما انخفض التزامه بأحد هذه المعايير وهي معيار العقلانية ومعيار المشاعر الإنسانية ومعيار العدالة ويصل الفرد إلى مداه عندما يفقدها جميعاً.

والتعصب بمعنى الانحراف عن (معيار العقلانية) يحدث في شكل حكم متعجل أو حكم مسبق أو تعميم مفرط أو التفكير في إطار القوالب النمطية ورفض تعديل الرأي في ظل ظهور دلائل جديدة.

أما التعصب بمعنى الانحراف عن معيار (العلاقات الإنسانية) يتراوح من (اللامبالاة) من خلال الرفض إلى (العداوة النشطة) ويطلق على هذا الشكل من أشكال التعصب اسم (عدم التحمل).

أما الانحراف عن (معيار العدالة) يحدث ما يسمى بالتمييز نحو جماعة معينة، أو آراء معينة. ويلاحظ المتأمل في هذه المعايير الثلاثة أنها هي نفسها مكونات التعصب، فالانحراف عن (معيار العقلانية) يعبر عن خصائص المكون المعرفي، والانحراف عن معيار (المشاعر الإنسانية) هو نفسه المكون الانفعالي، والانحراف عن (معيار العدالة) يعبر عن المكون السلوكي.

وللتساؤل الذي يطرح نفسه لماذا يتعصب بعض الأفراد لجماعة معينة أو فكر معين؟

وللإجابة عن ذلك التساؤل لا بد أن نعترف بأن للتعصب جذوراً، ترجع إلى مرحلة الطفولة والمراهقة، حيث يكون الثمن النفسي للتعصب لجماعة معينة أو أفكار معينة هو كراهية جماعة أخرى، حيث يعتبر التعصب نوعاً من التعلم الانفعالي يتم في وقتٍ مبكر من العمر مما يجعل من الصعب للغاية التخلص من هذه الاستجابات، ويعلق (توماس بينجرو) عالم النفس الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا أن مشاعر التعصب تتكون أثناء الطفولة، بينما تأتي الاعتقادات التي تدعمها في وقتٍ لاحق، وقد ترغب في سن أكبر أن تغير هذه التعصبات، لكن الأسهل هو أن تغير اعتقاداتك وليس مشاعرك العميقة.

وبناء على ذلك نجد أنه عندما نرغب في تخفيف وتعديل سلوكيات التعصب لدى الأفراد لا بد من تغير وتعديل المعتقدات الراسخة لدى الأفراد.

والتساؤل الثاني هو كيف يمكن مواجهة التعصب بجميع أشكاله السلبية؟

تعد مواجهة التعصب من القضايا التي تولي لها الاهتمام كثير من الدول والمؤسسات، حيث إن التعصب يقف وراء سلوكيات العنف والعدوان في كثيرٍ من المواقف، وبالتالي كان لزاماً علينا أن نطرح هذه القضية حتى يتسنى لنا معرفة الكيفية التي يمكن من خلالها مواجهة التعصب والتغلب على تبعاته التي يمكن أن تؤثر في شكل ومضمون الحياة الاجتماعية.

والجدير بالذكر أن هناك العديد من الطرق والوسائل التي يمكن أن تساهم وتعمل على مقاومة التعصب بجميع أشكاله السلبية وهناك أساليب عدة منها:

أولاً: أساليب المواجهة النفسية وتشتمل على:

أ - التوجيه والإرشاد النفسي للمتعصب:

يستخدم أسلوب التوجيه والإرشاد مع الأفراد المتعصبين بهدف الوصول إلى أفضل ما في نفوس الأشخاص من أجل تنشيط بعض اعتقاداتهم الإيجابية، ومشاعرهم الوجدانية الطيبة، حتى يتقبلوا تغيير سلوكهم التمييزي السلبي، وطرائق استجاباتهم في تفاعلهم مع الجماعات الأخرى التي تمثل أهدافاً لتعصبهم.

ويقوم هذا الأسلوب على أساس نظرية عدم الاتساق أو التناقض بين الأفكار التي توجد لدى الأشخاص المتعصبين والعمل على تقليله إلى أقل حد ممكن، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تقليل القلق والتوتر الناجمين عن ذلك وهما يمثلان جوهر التعصب نحو المجتمع.

ب - العلاج النفسي للمتعصب:

يعتبر العلاج النفسي أحد الأساليب النفسية التي يمكن استخدامها في حالات معينة من الأشخاص المتعصبين، وذلك إذا اتم التعصب بوجود بعض مظاهر عدم الاستقرار الانفعالي أو عدم اتزان أساس في الشخصية وهنا يجب أن يتم استخدام العلاج النفسي المباشر لتلك الاضطرابات الانفعالية التي يعاني منها الشخص المتعصب.

ثانياً: أساليب المواجهة الاجتماعية وهي كالتالي:

أ - البرامج التربوية:

تعد البرامج التربوية من الأساليب الاجتماعية التي تلعب دوراً مهماً ومؤثراً في خفض حدة التعصب لدى الأفراد داخل أي مجتمع، وخصوصاً بالنسبة للشاب الذي يمر في المراحل التعليمية بجميع مستوياتها، حيث إن التعليم أحد الآمال المرجوة للأشخاص الذين يرغبون في سيادة وانتشار التسامح والمحبة بين أفراد المجتمع والشعوب، ان البرامج التربوية المعتمدة للطلاب في المراحل التعليمية المختلفة تسهم إلى حدٍ كبيرٍ في تكوين الاتجاهات التعصبية وتقليلها وبالتالي نجد أنه من الواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الأساتذة في المدارس والجامعات أن يكونوا حريصين على ألا يظهروا من أنماط التعصب تجاه القضايا العامة أو الخاصة حتى لا ينعكس ذلك على الطلاب بالسلب وبالتالي نجد أن المجتمع يصبح أفراده يقعون تحت القرارات السريعة المتعصبة تجاه أي قضية محور الاهتمام.

ب - التنشئة الاجتماعية:

من خلال التنشئة الاجتماعية نستطيع أن نشير إلى أهمية الدور الذي تلعبه التنشئة الاجتماعية في نمو التعصب خلال مراحل العمر، ففهمنا لعملية التنشئة الاجتماعية (بمكنيزماتها) المختلفة تتيح لنا فرصة معرفة الأسباب التي تؤدي إلى التعصب، وأيضاً تجعلنا نضع الوسائل المناسبة لمواجهة كافة أشكال التعصب بصورة سليمة وإيجابية.

ج - الإعلام التربوي:

يعتبر الإعلام والدعاية من أساليب المواجهة الاجتماعية التي تتصدى للتعصب بشكلٍ خاص حيث إن الإعلام يمثل في هذه الفترة الراهنة إحدى الوسائل التي تشكل الوعي الثقافي داخل المجتمعات وبالتالي تمثل أهمية العناصر المرتبطة بالإعلام والدعاية في الحد من التعصب.

(*)أستاذ مساعد في قسم أصول التربية البدنية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد