تُعَرَّفُ البيئة اصطلاحاً بأنها: (الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان فيتأثر ويؤثر فيه)، وفي اللغة يُقال: تبوأت منزلاً؛ أي نزلته، وبوّأ له منزلاً: هيأه له ومكَّن له فيه، قال تعالى:{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} (الأعراف: 74)، وقال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} )الحج: 26). وتفيد لفظة (بوّأ) في هذه الآيات تهيئة المكان الصالح والمناسب، إلا أن كلمة الأرض هي اللفظة الدالة على المحيط أو المكان الذي يعيش فيه الإنسان، وهي أكثر تحديداً للمعنى الاصطلاحي للبيئة بدليل قوله تعالى: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ}(الحجر: 19، 20). والبيئة كما عرفها ابن خلدون في مقدمته: (مكان تتوفر فيه إمكانات معينة، والإنسان هو وحده المهيأ للاستفادة من هذه الإمكانات وإحداث التغيرات فيها حسبما تقتضيه ظروفه في المعاش والعمران البشري). وقد عرَّف المؤتمر الدولي للبيئة المنعقد في استوكهولم عام 1972م البيئة بأنها: (كل ما يحيط بالإنسان وتخبرنا به حواسنا سواء كان من صنع الإنسان أو من عمل الطبيعة). ويُتحفَّظ على الجملة الأخيرة من منظور إسلامي (أو من عمل الطبيعة)؛ لأن الطبيعة لا تعمل شيئاً بذاتها، وإنما بتسخير الله وإرادته. ويقسم علماء البيئةِ البيئةَ إلى قسمين:
1- البيئة الطبيعية: وتشمل كلّ ما يحيط بالإنسان من ظواهر وأشياء حية وغير حية ولا يكون له دخل في وجودها؛ كالمناخ، والتضاريس، والضوء، والتربة، والمعادن في باطن الأرض، والنباتات، والحيوانات.
2- البيئة البشرية: وتشمل الإنسان وإنجازاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي أوجدها داخل بيئته الطبيعية.
ويرى علماء آخرون خطأ هذا التقسيم؛ لأنها وإن كانت تبدو وكأنها مستقلة بعضها عن بعض إلا أن التناسق بينها قائم؛ مما يجعل البيئة الطبيعية وحدة متكاملة، وعلى هذا تتبادل المواد والطاقة في إطار يطلق عليه النظام البيئي، وهو (نظام ترتبط مكوناته الفيزيائية والنباتية والحيوانية بعلاقات عضوية على النحو الذي يجعله قادراً على أداء مهمته التسخيرية بتوفير مقومات الحياة وعوامل البقاء للكائنات الحيَّة التي تعيش فيه دون أي تدخُّل غير رشيد من جانب الإنسان في هذه العلاقات يمكن أن يفضي إلى التلوث أو إلى غير ذلك من المشكلات البيئية؛ كنضوب الموارد الطبيعية واستنزافها أو تعطيلها عن أداء وظيفتها التي أناطها الله به).
ومن هذا يتضح توازن النظام الكوني، وتوازن الأنظمة البيئية الفرعية، وأن الله جعل لكل شيء في هذا الكون قدراً مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر: 49)، كما يتضح مدى أثر التصرفات السلبية للإنسان في النظام البيئي؛ إذ إن أيّ تصرُّف لا يتماشى مع سنة الله في الأرض والبيئة المحيطة بالإنسان سيؤدي حتماً إلى خلل في النظام البيئي، ولولا عناية الله لتعدى أثر تصرفات الإنسان الجائرة إلى ما حوله من أجرام سماوية مصداقاً لقوله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ}(المؤمنون: 71)، وقد استنتج بعض المفسرين من ذلك أن السماوات والأرض كانت في الأصل كتلة واحدة، ومما يؤكد ذلك قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}(الأنبياء: 30)، وفُسِّرت الآية عند بعض المفسرين بأن السماوات والأرض كانتا شيئاً واحداً وحقيقة متَّحدة ففتقها الله بالتنويع والتحريك، كما يذهب آخرون إلى أن تفسير الآية أن السماوات كانت واحدة ففتقت حتى صارت أفلاكاً، وكانت الأرض واحدة فجعلت طبقات وأقاليم، وفسّرها ابن عباس رضي الله عنهما بأن السموات كانت رتقاً؛ أي لا تمطر، والأرض رتقاً؛ أي لا تنبت، فلما خلق الله للأرض أهلاً فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالإنبات.
وفي علم الكونيات المعاصر نظرية تقول بوحدة الكون منذ بدء الخلق، وهي نظرية الانفجار العظيم، وهذه النظرية تفترض أن كل المادة في الكون كانت منذ ما يتراوح بين عشرة وعشرين مليار عام معبأة في كتلة متناهية الكثافة، وقد انفجرت فيما بعد انفجاراً عنيفاً قذف بالمادة في جميع الاتجاهات وبسرعات هائلة، على أنها مجرد فرض لم تثبت صحته بأدلة قطعية، ولذلك لا ينبغي التسليم بصحته. ويتوافق مع هذه النظرية اتجاه في علم الفيزياء المعاصرة يُطلق عليه اسم (المبدأ الإنساني)، مؤدّاه أن الكون بظروفه الأولية وبنيته العامة وبتوحُّد نواميسه وخواصّه وبأبعاده الشاسعة وسرعة تمدُّده كان مهيأ منذ البداية لنشأة الحياة والوعي واستقبال الإنسان في مرحلة من مراحل تكوينه، هذا ما تتجه إليه النظرية العلمية الحديثة التي قوّضت الفلسفة المادية القديمة، تلك الفلسفة التي تتصادم وبشكل صارخ مع عقيدة الإسلام وموقفه من الكون والإنسان؛ إذ تزعم الفلسفة المادية القديمة أن المادة أزلية، وأن الكون خلق هكذا بلا خالق، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ويتألف النظام البيئي من المكونات الآتية:
أولاً: مكونات غير حية، وهي التي تشكل البيئة الفيزيائية التي تمارس فيها الكائنات الحية نشاطها، وتتكون البيئة الفيزيائية من جميع العناصر والمركبات الموجودة في الطبيعة؛ مثل الهواء الجوي بما فيه من أوكسجين وهيدروجين وغير ذلك من غازات، ومثل الحديد والنحاس والكبريت وغير ذلك من عناصر، وكذلك العوامل الفيزيائية كالرطوبة والضوء والحرارة والضغط الجوي.
ثانياً: مكونات حية منتجة، وهي النباتات الخضراء التي تصنع غذاءها بنفسها باستخدام المكونات غير الحية، فتنتج المواد الكربوهيدراتية من ثاني أوكسيد الكربون والماء والطاقة الشمسية، وتؤدي النباتات الخضراء وظيفة حيوية في توازن النظام البيئي؛ إذ تعتبر حلقة الوصل بين المكونات غير الحية والمكونات الحية الأخرى للنظام، ذلك أن الطاقة التي تثبتها النباتات الخضراء في صورة دهون وكربوهيدرات وبروتينات وفيتامينات تنتقل إلى الكائنات الحية التي تعيش عليها؛ أي على النباتات الخضراء.
ثالثاً: كائنات مستهلكة، وهي التي تعيش على النباتات الخضراء؛ أي تستمد غذاءها منها مباشرة، أو تتغذى على حساب الكائنات الأخرى، وهي الإنسان والحيوان وغيرهما.
رابعاً: كائنات محلِّلة أو مفكِّكة، ومنها الفطريات والبكتريا، وهي التي تقوم بتحليل أو تفكيك جثث النباتات والحيوانات بعد موتها لتستفيد هي من هذا التفكُّك، وفي نفس الوقت تحرِّر مواد بسيطة تصنع منها النباتات الخضراء غذاءها من خلال عملية التمثيل الضوئي.
وهكذا تتحقَّق الدورة أو السلسلة الغذائية التي تكفل استمرار الحياة؛ فالطاقة تنتقل من النباتات الخضراء إلى الحيوانات اللاحمة آكلة النباتات التي تحوِّلها إلى مواد حيوانية تتغذى عليها الحيوانات اللاحمة، وبعد موت النباتات والحيوانات تقوم الكائنات المفككة، وأغلبها من الفطريات والطحالب والبكتريا، بتحويل بقاياها إلى مواد غير حية؛ أي مواد بسيطة، لتبدأ النباتات الخضراء في تحويلها إلى مواد حية، وتتتابع السلسلة الغذائية ليستمر النظام البيئي في أداء وظيفته التسخيرية. ويشكِّل ظهور الإنسان على الكرة الأرضية نقطة انعطاف خطيرة في مجال التاريخ البيئي والآثار التي يحدثها البشر، ومنذ ظهور الإنسان على كوكب الأرض وخلال تطور حياته حتى الآن مرّ من حيث علاقته بالبيئة بعدة مراحل يمكن تمييزها وتحديد معالمها على النحو التالي:
1- مرحلة الجمع والصيد والقنص: تعدُّ هذه المرحلة بداية قصة الإنسان مع البيئة، حيث ظلّ وقتاً طويلاً من الزمن يجمع طعامه من ثمار وأوراق النبات ويجمع ألياف النباتات والأشجار لملبسه ومسكنه. وأهم سمة تميز هذه المرحلة من ناحية تأثير الإنسان في البيئة هي الأثر الطفيف الذي لا يتجاوز أثر غيره من الحيوانات التي تأكل العشب. واستمرت مرحلة الجمع والصيد والقنص إلى أن عرف الإنسان الزراعة وتربية الحيوان، وامتدّ نشاط الإنسان في هذه المرحلة إلى مساحات واسعة من الكرة الأرضية امتدت إلى ما بين خطي عرض 75ْ شمالاً 65ْ جنوبياً، وتحقق ذلك دون الاستعانة بالتكنولوجيا، وكان يكمن سر البقاء عادةً في التنقلات الموسمية. وتعدّ حرفة الجمع والقنص والصيد من أكثر الحرف انسجاماً وتوافقاً بين الإنسان والبيئة، وتحوّل الإنسان إلى مرحلة الصيد والقنص وأصبح أثره في البيئة يفوق أثر آكلات الأعشاب إلى أثر آكلات اللحوم. وقد تعلَّم الإنسان في هذه المرحلة التخطيط للقنص والصيد، وتعاون أفراد الجماعة؛ لأن القنص والصيد في حاجة إلى جهد مشترك، وطوّر أدواته من رماح ومصائد وفخاخ، وقدرته على نقل الخبرات والمعرفة المكتسبة باستخدام اللغة، فأصبح أكثر تكيُّفاً للعيش في البيئة من الحيوانات التي يعيش معها، وهكذا بدأ الإنسان في تلك المرحلة يؤثِّر في بيئته مع زيادة معارفه. وأهم حدث في هذه المرحلة هو اكتشاف النار، والأهم من ذلك هي قدرته على إشعالها واستمرارها وإخمادها واستغلالها، وقد استخدمها الإنسان في تحسين نوعية طعامه وفي الإضاءة، ولاحظ أثرها في بعض المواد فاستخدمها في صهر المعادن وتطوير وسائل الصيد، واستخدم النار أيضاً في إبعاد الحيوانات المفترسة، وبخاصة في الليل، كما استعملها لمطاردة الحيوانات تمهيداً لصيدها في هذه المرحلة. ويمكن القول: إن تأثير الإنسان في البيئة خلال هذه المرحلة كان طفيفاً، لكنه تعاظم بعد معرفة النار وقدرته على إضرامها، وتطور أدوات القنص والصيد، وكان دور العوامل الطبيعية في التغيرات البيئية كالمناخ والزلازل والبراكين أعظم من دور الإنسان.
2- مرحلة الزراعة والرعي: لقد عاش الإنسان معظم حياته جامعاً للطعام وصياداً إلى أن استأنس النبات والحيوان منذ نحو 12 ألف سنة مضت، ولم تتم عملية استئناس النبات والحيوان بين يوم وليلة، بل تطورت عبر تلك السنوات الطويلة، وما كان للحضارة الإنسانية أن تصل إلى ما وصلت إليه الآن دون الزراعة، وقدّر بعض العلماء عدد سكان العالم عام 400 (ق. م.) بنحو 87 مليون نسمة تركز معظمهم في القرى الزراعية، وتحول عدد كبير من السكان العاملين في الصيد والجمع إلى الزراعة، وتركزت الجماعات البشرية في الأقاليم الممتدة في غرب أوروبا والبحر المتوسط عبر الشرق الأوسط إلى غربي الهند وشمالي الصين وإندونيسيا وأمريكا الوسطى.
3- مرحلة الثورة الصناعة: ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى فترتين زمنيتين كالتالي:
الفترة الأولى: تمتد من بداية الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر حتى الحرب العالمية الثانية، وكما هو معلوم فإن الثورة الصناعية انطلقت من بريطانيا خلال الفترة الزمنية الواقعة ما بين 1750-1790م، وبعدها ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
الفترة الثانية: وتمتد إلى ما بعد الحرب الثانية حتى الآن، وتتميز بتسارع التغيرات التي أحدثتها وتحدثها الثورة العلمية والتكنولوجية في البيئة، وضخامة وشمولية آثارها، فقد حدث نمو انفجاري في عدد السكان، وبرزت مشكلات التلوث واستنزاف موارد البيئة.
ويعد الانفجار السكاني أعظم حدث تعرضت له الأرض، وتفوق درجة تهديده الأحداث الجيولوجية الضخمة التي مرت على الكرة الأرضية، ففي عام 1650م كان عدد سكان العالم نحو 500 مليون نسمة، تضاعف عدد السكان حتى عام 1850م ليصبح نحو مليار نسمة، وفي عام 1930م وصل إلى 2 مليار إنسان وإلى 5 مليارات في عام 1975م، ووصل في عام 2000م إلى أكثر من 6 مليارات نسمة، ويزيد سكان العالم نحو 90 - 100 مليون نسمة سنوياً. وتحدث أفلاطون عن مواضيع تعد من صلب البيئة، فقد لاحظ أن مقاطعة أتيكا التي كانت أثينا عاصمة لها توجد فيها تربة جيدة وكانت تعطي محصولاً جيداً، حيث كانت في المناطق الجبلية غابات تساعد على حفظ مياه الأمطار وتمنع ضياعها في البحر، وبعد قطع الغابات انجرفت التربة وبقيت الصخور عارية، وقد شبهها بالهيكل العظمي للرجل المريض.
واهتم المسلمون بالمعلومات الجغرافية الزراعية المتنوعة حيث تحدث المسعودي عن المقاييس التي أقيمت على نهر النيل ومن مقياس الروضة الذي بني سنة 96 هجرية، فإذا وصلت المياه إلى أربعة عشر ذراعاً فإنها تروي الأرض كحد أدنى، وفي حال ارتفاع منسوبها إلى ستة عشر ذراعاً فإنها تمثل الحد الأوسط، وفي حال وصولها إلى ثمانية عشر ذراعاً فإنها تنذر بالخطر والفيضان. وكتب ابن حوقل عن خطورة زحف الرمال على الأراضي الزراعية في أفغانستان، وكيف كان عندهم طرق لمنع زحف الرمال، وتعد مشكلة التصحر من أخطر المشاكل التي تهدد الزراعة في المناطق الجافة وشبه الجافة. ولقد تصاعد في السنوات القليلة الماضية اهتمام العلماء والباحثين بدراسة مشكلات البيئة ومعالجتها، حيث عقدت الندوات والمؤتمرات في شتى أنحاء العالم، واستحدثت علوم وتخصصات جديدة في مجال البيئة، كما اهتمت الأمم المتحدة بدراسات وأبحاث البيئة ومشكلاتها، وذلك كبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. ومن العوامل التي أدت إلى تطور علوم البيئة:
1- مشكلة التزايد السكاني في العالم، وبخاصة في دول العالم الثالث التي تعاني من المشكلات الاقتصادية والصحية والغذائية والاجتماعية.
2- انتشار الفقر والمجاعات والأمراض وتفاقم المشكلات الاجتماعية في العديد من دول العالم، وبخاصة دول العالم الثالث، مع تخلف هذه الدول عن مواكبة التقدم العلمي والتقني.
3- تناقص الغابات بسبب اقتلاع الأشجار واستخدام أخشابها مصدرا للطاقة وفي عمليات البناء وأغراض أخرى، وتقلص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وتعرض الكثير من الأراضي الزراعية لظاهرة التصحر التي تهدد الثروة الزراعية.
4- التقدم المذهل في الصناعات وما نجم عنه من أضرار للإنسان بسبب تلوث الهواء ومياه الأنهار والبحار والنباتات وغذاء الإنسان والحيوان، بالإضافة إلى التلوث الناجم عن عمليات أخرى مثل مكافحة الآفات الزراعية بالمبيدات الحشرية التي أدت إلى تلوث المحاصيل الزراعية والمياه والتربة وإصابة الإنسان والحيوان بالأمراض، وهناك تلوث للبيئة ناجم عن استخدام المواد الكيميائية والأسلحة النووية في الحروب وأسلحة الدمار الشامل، ويضاف إليه تلوث الهواء والماء الناتج عن عمليات التخريب في الحروب.
5- أدى التقدم الكبير في وسائل النقل والاتصالات على الصعيدين المحلي والدولي إلى تفاقم مشكلات تلوث البيئة وإصابة الإنسان بالأمراض، بالرغم من أن هذا التقدم قد حقق إنجازات هائلة فيما يتعلق بتبادل الفكر والمعرفة والعلوم والأبحاث والخبرات والثقافات بين مختلف الدول.
6- زيادة احتياجات الإنسان الأساسية والضرورية في ظل التقدم العلمي والتقني؛ مما أدى إلى نشوء مشكلات اجتماعية واقتصادية وأخلاقية خطيرة.
البيئة والتلوث: ولقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى التلوث وضرورة حماية البيئة حيث قال: (إن الهواء إذا كان راكداً خبيثاً أو مجاوراً للمياه الفاسدة أو لمنافع متعفنة أو لمروج خبيثة أسرع إليها العفن من مجاورتها، فأسرع المرض للحيوان الكائن فيه لا محالة، وهذه مشاهدة في المدن التي لم يراع فيها طيب الهواء، وهي كثيرة الأمراض في الغالب). وقد حدد مؤتمر استكهولم الذي عقد عام 1972م المقصود بالتلوث على أنه (تدخل الأنشطة الإنسانية في موارد وطاقات البيئة بحيث تعرض تلك الموارد والطاقات صحة الإنسان أو رفاهيته أو المصادر الطبيعية للخطر أو تجعلها في وضع يحتمل معه تعرضها للخطر بشكل مباشر أو غير مباشر).
ويعرف التلوث من منظور إسلامي كما جاء في كتاب (لسان العرب): لوّث وتلوث النبات بعضه على بعض، وكل ما خلطته ومرسته فقد لثته ولوثته، كما تلوث الطين بالتبن.
وجاء في (محيط المحيط): تلوث ثوبه بالطين تلوثاً: تلطخ به. والتاث الأمر التياثاً: اختلط والتبس. وقول الفقهاء: باطن الخف لا يخلو عن لوث أي دنس ونجاسة.
أما كتاب (الصحاح في اللغة والعلوم) فقد قصر معنى التلوث على التلوث الإشعاعي: (فيقال تلوث المادة إذا تسربت إليها مادة مشعة ولم يكن ذلك مقصوداً أو مرغوباً فيه. وكلمة تلوث ترجمة لكلمة contamination ويطلق التلوث أيضاً على انتشار المواد المشعة في الأماكن التي يخشى فيها من الإضرار بالإنسان أو بالمواد المخزونة أو يترتب على انتشارها الإخلال بالتجارب أو الأجهزة أو ما أشبه).
أما المعنى الاصطلاحي للتلوث فهو أوسع من المعنى السابق الذي قصره على نوع واحد فقط من التلوث وهو التلوث الإشعاعي، فالهواء والماء والتربة والكائنات الحية يمكن أن يصيبها التلوث دون أن يكون ذلك بالضرورة بسبب وجود مواد مشعة، ويحدث ذلك عندما تفقد خاصيتها في تحقيق عملها التسخيري للإنسان. ولم تحدد أقدم الاتفاقات الدولية التي تناولت مشكلة التلوث المقصود بالتلوث، فكانت تتحدث عن التلوث دون تعريفه، وعلى سبيل المثال فإن المادة الرابعة والعشرين من اتفاقية أعالي البحار (جنيف 1958م) أوضحت أن (على الدول أن تضع الأنظمة التي تمنع تلوث مياه البحار بسبب تدفق الزيت من السفن أو الأنابيب)، وفي عام 1961م وضعت منظمة الصحة العالمية التعريف التالي لتلوث المياه العذبة: (يعتبر المجرى المائي ملوثاً عندما يتغير تركيب عناصره أو تتغير حالته بطريق مباشر أو غير مباشر بسبب نشاط الإنسان، بحيث تصبح هذه المياه أقل صلاحية للاستعمال الطبيعي المخصص لها أو لبعضها)، وعرفت بعض الاتفاقيات الدولية التلوث البحري بأنه (قيام الإنسان سواء بطريق مباشر أو غير مباشر بإدخال أية مواد أو مصادر للطاقة إلى البيئة البحرية، يترتب عليه - أو يحتمل أن يترتب عليه - آثار ضارة كالإضرار بالموارد الحية، وتهديد صحة الإنسان وتعويق الأنشطة البحرية بما في ذلك صيد الأسماك وإفساد صلاحية مياه البحر للاستحمام والحد من قيام المرافق الترفيهية).
ويعتبر تلوث البيئة من أبرز قضايا العصر الحديث، ومن أهم المشكلات التي أولتها دول كثيرة اهتماماً بالغاً، كما عقد من أجلها العديد من المؤتمرات والندوات على الصعيدين الدولي والمحلي، ولقد كثفت الأمم المتحدة كل الطاقات المتاحة لدراسة تلوث البيئة، وهي المنظمة التي أطلق عليها اسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وانطلاقاً من خطورة هذه المشكلة أدرج علم تلوث البيئة ضمن برامج التعليم التي تدرس في المدارس والكليات والمعاهد كمادة مستقلة بذاتها وضمن برامج علم السموم، ويسبب التلوث البيئي نشوء مشكلات تتعلق بصحة الإنسان وسلامته حيث تزداد نسبة الإصابة بالأمراض التي يطلق عليها اسم أمراض التلوث البيئي، مثل أمراض الجهاز التنفسي وأمراض العين والأمراض الجلدية وأمراض القلب والشرايين وأمراض الأعصاب. ومن أخطار التلوث البيئي أنه يعتبر من أهم العوامل التي تؤدي إلى حدوث تشوهات الأجنة وزيادة نسبة الأمراض الوراثية، وإذا كان التقدم العلمي والتقني والصناعي قد حقق الرخاء والرفاهية لبعض شعوب دول العالم، إلا أن هذا التقدم لم يترك الإنسان لينعم بما حققته الحضارة والمدنية دون أن يسبب المشكلات التي ينوء بها العصر الحديث، كما يعجز عن مواجهتها والتغلب عليها. ولقد دفع الإنسان في العصر الحديث كماً من المشاكل يعجز عن مواجهتها والتغلب عليها، ولقد دفع الإنسان ثمن هذا التقدم من راحته وصحته وحياته، فبعد أن كان الإنسان يتنفس هواء نقياً ويشرب ماءً خالياً من الملوثات الكيميائية ويتغذى على طعام ذي قيمة غذائية عالية غير ملوث بالمواد الكيميائية التي تسربت إليه بقصد أو بدون قصد، جاء عصر التقنية والصناعة المتطورة ليلقي بمخلفاته، ونواتج أنشطته المختلفة في الهواء والماء والغذاء، ليتنفس الإنسان السموم مع الهواء، ويشرب ماء يحتوي على عناصر ضارة تسري في جسده وتسبب له العلل والأمراض، ويتغذى على طعام امتدت إليه يد البشر لتجعله مصدراً للأمراض بعد أن كان البنيان الأساسي لصحة الإنسان. ولم يقتصر أثر التقدم العلمي والتقني السلبي على النواحي السلمية فحسب، بل امتد ليشمل الحروب التي قامت بين بني البشر وخلفت من ورائها مشكلات وأمراضاً بيئية لا حصر لها، وذلك بما سببته من تلوث البيئة بمواد كيميائية خطيرة وإشعاعات ذرية تقضي على الأخضر واليابس، ولعل القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما ونجازاكي، وانفجار مفاعل تشرنوبل مثالان يوضحان الدمار الذي لحق بالبشرية على أثر تلوث البيئة بالإشعاعات الذرية، حيث نجم عن انفجار قنبلة هيروشيما ونجازاكي هلاك 150 ألف ياباني وإصابة الآلاف بالأمراض السرطانية وأمراض الدم والتشوهات البدنية.
ولعل أبرز مشاكل التلوث البيئي ما يلي:
1- الماء: من أبرز مشكلات البيئة التي تؤدي إلى تناقص المصادر الطبيعية قلة المياه الصالحة للشرب والزراعة ولأغراض الصناعة، وذلك بسبب الزيادة المطردة في تلوث المياه السطحية والجوفية.
2- الهواء: يعتبر الهواء مصدراً طبيعياً أساسياً لنمو وحياة النبات والحيوان والإنسان، ولقد أدى تلوث الهواء بالغبار والغازات والأبخرة السامة إلى رداءة الهواء الضروري لحياة النباتات والحيوانات؛ ما ترتب عليه نقصان في المحاصيل الزراعية والحيوانات.
3- مخلفات الصناعة: تعتبر مخلفات الصناعة من مواد كيميائية ضارة من أهم العوامل التي تؤدي إلى نقص الموارد الطبيعية، حيث تعتبر مصدراً لتلوث مياه الشرب والزراعة والتربة.
4- نقصان طبقة الأوزون: يؤثر نقصان سمك طبقة الأوزون تأثيراً سلبياً في إنتاجية المحاصيل الزراعية والكائنات البحرية بسبب نفاذ الأشعة فوق البنفسجية الضارة إلى سطح الأرض وبسبب ارتفاع درجة حرارة الجو.
وإذا كان التلوث الكيميائي، يمثل خطورة بالغة على صحة وحياة الإنسان والحيوان والنبات، فإن هناك نوعا آخر من التلوث لا يقل خطورة عن التلوث الكيميائي، بل قد يفوقه من حيث سرعة انتشاره، ومن حيث حجم ونوعية الأمراض الناجمة عنه، ألا وهو التلوث الإشعاعي، ولقد ازداد حجم التلوث الإشعاعي خلال الخمسين عاما الماضية، فبعد أن كانت مصادر الإشعاع مقصورة على الأشعة الكونية والمصادر الطبيعية الأخرى، مثل الأشعة المنبعثة عن الصخور والأشعة المنبعثة من العناصر الطبيعية، مثل البوتاسيوم، تدخلت يد الإنسان لتضيف كمَّاً من الإشعاعات التي لوثت الهواء والماء والغذاء، ويعتبر الانشطار النووي وإنشاء أول مفاعل نووي في عام 1942م، هما البداية الحقيقية لتلوث البيئة بالإشعاعات النووية، ولقد ازداد حجم هذا الإشعاع حيث شهد العالم في الفترة ما بين 1945م إلى عام 1963م نطاقا واسعا من تجارب الانفجارات الذرية، ولعل انفجار قنبلة هيروشيما ونجازاكي وما خلفه من غبار ذري قد أدى إلى تلوث البيئة بالإشعاع وسبب الكثير من الأمراض والتشوهات والكوارث، وللتنمية والتلوث الذي يصيب البيئة علاقة مترابطة مما أوجد لدى علماء الفكر الاقتصادي المعاصر اتجاها تشاؤميا يدعو إلى وقف عملية التنمية الاقتصادية من أجل الحفاظ على البيئة، ويقابل هذا الاتجاه اتجاه فكري تفاؤلي يرى أن الحاجة ملحة إلى تحقيق التنمية والعمل في الوقت نفسه على حماية البيئة من التلوث، ففي عام 1972م أصدر نادي روما دراسة بعنوان (حدود النمو يغلب عليها الطابع التشاؤمي) إذ تتوقع حلول كارثة ضخمة بالعالم بسبب تدهور البيئة واستفحال مشكلات التلوث.
وفي عام 1972م - أيضاً - أصدرت مجموعة من العلماء البريطانيين تقريراً بعنوان (خطة أولية من أجل البقاء) يدعو أيضاً إلى وقف التنمية، وجاء في كتاب بعنوان (الانفجار السكاني) يتوقع فيه مؤلفه أن العالم سيواجه مصائب قاسية تسفر عن هلاك الملايين من البشر مع نهاية القرن الميلادي الحالي.
كما ظهر تيار فكري يعرف باسم (مدرسة يوم القيامة) يذهب إلى الجنس البشري سوف ينقرض في المستقبل القريب بسبب تدخلاته اللا عقلانية في البيئة وما أسفرت عنه من مشكلات التلوث المدمر الذي أصاب الهواء والماء وأحال الأراضي الزراعية الخضراء إلى صحراء قاحلة ولعل السبب الحقيقي في هذا التدهور إنما يكمن في الأسلوب غير الرشيد الذي انتهجه الإنسان في عملية النمو، والأسس الخاطئة التي قام عليها استغلاله لما أودعه الله في الأرض من ثروات أدت حدوث مشكلة التلوث البيئي في عالمنا المعاصر والمتمثلة بما يلي:
1 - التقدم العلمي والتقني الذي أحرزه الإنسان المعاصر الذي جعل تأثيره على البيئة وقدرته على تغييرها أكبر وأشمل مما كان يستطيع أن يمارسه بوسائله وأدواته التقليدية المحدودة.
2 - تزايد ضغوط الإنسان على موارد الطبيعية بسبب تطوره الحضاري والمادي واتساع نطاق رغباته.
3 - ضعف الوعي الاجتماعي والبيئي لدى كثير من الأفراد والمجتمعات.
4 - التسرع في استخدام التقنيات غير الملائمة للبيئة لتلبية رغبات الإنسان من أجل تحيق المتعة واللذة ولزيادة أرباح المشروعات الخاصة.
5 - قصور التنظيمات والتشريعات الوضعية وعدم كفاءتها في توفير الحماية الضرورية للبيئة البيئة والأمن: أصبح موضوع الأمن البيئي من أولويات واهتمامات الحكومات والدول والمنظمات في أنحاء العالم، وأصبح يعادل اهتمامها بالأمن السياسي، إذ إن الأمن يشكل منظومة متكاملة تضم جميع العلاقات الدولية دون استثناء، وفقدان أي عنصر من عناصر الأمن يعني أن منظومة الأمن ليست مستقرة، إذ يجب أن يكون شاملاً، ويمكن تعريف الأمن البيئي بأنه (إجمالي التأثيرات والعمليات المباشرة أو غير المباشرة التي يقوم بها الإنسان، والمجتمع البشري، ولا تؤدي إلى احداث اضرار بالبيئة، أو تهديدات بحدوث مثل هذه الأضرار في المستقبل وتعريض البيئة وتوازنها للخلل والتشويش).
ويمكن تقسيم الأمن البيئي إلى أقسام هي:
1 - الأمن البيئي القومي: يجب التركيز على الأمن البيئي الوطني لكل دولة عربية على حدة مع التأكيد على تكامل الأمن البيئي الوطني مع الأمن البيئي لمجمل الوطن العربي ومع الأمن البيئي العالمي، لأنه لا يمكن فصل الأمن البيئي لأي دولة عربية عن الأمن البيئي القومي والأمن البيئي القومي عن الأمن العالمي لأسباب كثيرة منها:
- لأن الأمن البيئي يشكل منظومة متكاملة.
- تشابه الظروف الطبيعية وتماثل المشكلات البيئية التي تعاني منها معظم الدول العربية كتضخم المدن على حساب الريف، والعجز المائي والرعي الجائر والتصحر، وزيادة تلوث الماء والهواء وزادة حدة الضوضاء.
2 - الأمن البيئي الصحي: فالصحة أهم ما يملكه الإنسان وهي تتعلق بأمور كثيرة كنظافة الماء وسلامة الدواء، ويتعرض الأمن البيئي الصحي لأخطار مختلفة في حال اختلال أي من هذه العوامل، وهذا الأمر لا يرتبط بمدى واحتمال انتشار الأمراض الوبائية أو الأمراض البيئية التي يعد التلوث البيئي سببا لها حيث تنتقل هذه الأمراض بطرق مختلفة، عن طريق الماء والهواء والغذاء، أو عن طريق استخدام أدوية أو معدات طبية ملوثة، أو ذات آثار سلبية أو غير صالحة للاستخدام ونحو ذلك.
3 - الأمن البيئي المائي: في القرآن الكريم زهاء ستون آية تتحدث عن أهمية الماء للإنسان والنباتات والحيوان لأنه أساس الحياة ولاستمرار الحياة لابد من المحافظة عليه، وفي فقد الماء هلاك كل المخلوقات الحية ودمار الأرض قال تعالى { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ }(30) سورة الأنبياء. وعلى الرغم من أن الماء يغطي 71% من سطح الأرض، لكن المياه العذبة تشكل نحو أقل من 3% من جملة المياه في الكرة الأرضية. وتتراوح نسبة الماء نحو 50 - 97% من وزن النباتات والحيوانات، ونسبة 70% من وزن أجسامنا، وتعد مشكلة نقص المياه العذبة الصالحة للزراعة والاستخدامات البشرية من أصعب المشكلات التي يعاني منها سكان المناطق الجافة وشبه الجافة وبالطابع معظم مساحة الوطن العربي تقع ضمنها.
4 - الأمن البيئي النووي: إذ إن التلوث الإشعاعي ذو مصادر مختلفة طبيعية وصناعية، فمصادره الطبيعية تتمثل في:
أ - الأشعة الشمسية: (أشعة غاما والأشعة السينية)، إضافة إلى أشعة جسيمية هي (أشعة ألفا وبيتا) ولكن تختلف الكمية الواصلة من هذه الأشعة إلى سطح الأرض حسب درجة العرض والارتفاع عن سطح البحر.
ب - القشرة الأرضية: حيث توجد في القشرة الأرضية العديد من العناصر المشعة (كاليورانيوم، والثوريوم، الراديوم، والبوتاسيوم، والكربون.... الخ) التي قد تعطي جرعة إشعاعية للجنس البشري تزيد أحياناً على الجرعة الناتجة عن الأشعة الكونية.
ت - الطعام والماء: حيث توجد العناصر المشعة في ماء الشرب الذي يتسرب ضمن التربة، وفي المواد الغذائية التي تستمد من الأرض.
وتتمثل المصادر الصناعية في الآتي:
1 - الاستخدامات الطبية: حيث يتم استخدام الأشعة السينية في التصوير الشعاعي، كما تستخدم الأشعة في معالجة الأورام الخبيثة.
2 - تجارب التفجيرات النووية: وتعد هذه أحد المصادر المهمة للتلوث الإشعاعي، وتجري التجارب النووية عادةً في الجو أو تحت الأرض أو على سطحها أو في أعماق البحار. إلا أن التجارب التي تجرى تحت الأرض أقل ضرراً من غيرها. وتتوزع المادة النشطة إشعاعا في الجو حسب حجم الانفجار النووي.
ولتحقيق الأمن البيئي بشكل سليم لابد من تنظيم جميع مجالات التعامل الدولي، وسيادة علاقات حسن جوار صادقة بين الدول، والابتعاد عن الحلول العسكرية والسيطرة والتسلط والتمييز، وإقامة تعاون بيئي بين دول العالم والاهتمام بالإنسان وابعاد شبح المرض والفقر والقهر والجوع عنه. كما أن صياغة أنظمة قانونية محددة وملزمة لكل الدول دون استثناء هي الكفيلة بمساعدة حل المشكلات البيئية.
وأخيراً أورد بعض الندوات والمؤتمرات الدولية المهتمة بالبيئة.
1 - مؤتمر الأمم المتحدة الأول للبيئة الإنسانية: تم الإعداد لهذا المؤتمر تنفيذاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اتخذته عام 1968م في ضوء الدراسة التي أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة وعقد المؤتمر في مدينة استكهولم في السويد من 5 - 16 يونيو عام 1972م وقد اشترك فيه 114 دولة. إضافة إلى ممثلي عدد كبير من المنظمات الدولية والحكومية. وفيما يلي أهم التوصيات التي جاءت في هذا المؤتمر:
- دعوة الحكومات إلى بذل الجهود لحماية البيئة من التلوث
- رصد التلوث من خلال إنشاء شبكة عالمية من محطات الرصد
- حماية البيئة من الاستغلال غير الرشيد للمحافظة على الثروات الطبيعية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تحقيق ذلك مع تحميل الدول المتقدمة مسؤولية ما أصاب البيئة في الدول النامية من تدهور.
- المعارضة الشديدة لإجراء التجارب على الأسلحة النووية
- التوعية بمشكلات البيئة لكل أفراد شعوب العالم بمختلف مستويات العمر والثقافة.
- المعاونة في دعم مراكز البحوث المختلفة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في مجالات البيئة الإنسانية والتمويل الدولي للبحوث البيئية ذات الصفة الدولية والإقليمية.
- ضرورة تدريب الأفراد اللازمين للعمل في مجالات البيئة الإنسانية.
- دعوة الدول إلى توقيع اتفاقية للمحافظة على التراث الطبيعي والقومي.
- الاهتمام بالدراسات الخاصة بالكوارث الطبيعية ومحاولة التنبؤ بها قبل وقوعها، ووسائل آثارها بعد حدوثها.
- إنشاء صندوق خاص لتمويل مشروعات البيئة
- تحديد أهم المشكلات التي يلزم التعرض لها بالدراسة والبحوث العلمية
- دعوة منظمات الأمم المتحدة وخاصة - منظمة اليونسكو - لاتخاذ الخطوات اللازمة لإنشاء برنامج دولي للتربية البيئية، ويغطي كل المراحل الدراسية والجمهور خارج المدرسة للتعريف بما يمكن عمله من جهود لإدارة شؤون البيئة وحمايتها.
وتعد هذه التوصية بمثابة اعتراف عالمي بأهمية التربية البيئية والحاجة إليها لحماية البيئة وتحسينها، واستنادا إلى هذه التوصية تم إنشاء برنامج دولي للتربية البيئية في عام 1975م بالتعاون بين اليونسكو واليونيب.
2 - ندوة بلغراد العالمية للتربية البيئية: نظم هذه الندوة منظمة اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (اليونيب) بهد وضع إطار عالمي للتربية البيئية، وانعقدت هذه الندوة في بلغراد من 13 - 22 أكتوبر عام 1975م ، وشارك فيها نحو مائة عالم وخبير من 64 دولة. وكان من نتائج الندوة وضع إطار للتربية البيئية يحدد غاياتها وأهدافها وخصائصها والمنتفعين بها.
3 - المؤتمر الدولي الحكومي للتربية: عقد هذا المؤتمر في مدينة تبليسي عاصمة جورجيا في الفترة الزمنية الواقعة بين 14 - 26 أكتوبر 1977م، قام بتنظيم المؤتمر منظمة اليونسكو بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وقد اشترك في هذا المؤتمر 340 وفداً مراقباً يمثلون نحو 70 دولة.
وقبل ختام هذه المقالة أحب أن أسلط الضوء على دراسة أعدها الأستاذ تركي بن إبراهيم بن عبد الله القهيدان، وهي عبارة عن ورقة عمل قدمها إلى المؤتمر الدولي الذي نظمته وزارة الشؤون البلدية القروية عام 1418ه، بعنوان (التنمية وتأثيرها في البيئة) وتم طباعتها على شكل كتاب بعنوان (ملوثات البيئة في مدينة بريدة المشكلة والعلاج) وتصل صفحات هذا الكتاب إلى ما يقارب الثلاثين صفحة ذكر فيها الباحث الملوثات البيئية في مدينة بريدة والتوصيات والحلول التي يرى اتخاذها، وقد استعرضت هذا الكتاب فوجدته بحثاً متميزاً يستحق الإشادة كما يستحق من جامعة القصيم بصفتها الراعي ل(المؤتمر الوطني للبيئة بين الحماية والتلوث) والمنعقد بين جنباتها أن تتبنى هذه الدراسة وتعالج مشكلاتها البيئية، حتى يتم الجمع بين النظرية والتطبيق لهذا المؤتمر.
* باحث متخصص في مجال حقوق الإنسان والعدالة الجنائية
dr-a-shagha@hotmail.com