كتاب صغير في حجمه، عظيم في موضوعه، بذل فيه مؤلفه جهداً كبيراً للم أطرافه وإثرائه من خلال الآيات والأحاديث وما فتح الله به على بعض العلماء القدامى وغيرهم. ذلكم هو كتاب: سر دوام النعم.. لمؤلفه صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، ويقع الكتاب في 188 صفحة من القطع الصغير. وقد صدّر المؤلف كتابه بآيات كريمات عن الشكر، ثم بإهداء مفتوح إلى كل قارئ ثم بحمد الله والثناء عليه. أعقب ذلك بتقديم بيّن فيه أن نعم الله كثيرة لا تُحصى وأجلها نعمة الهداية إلى الإسلام وأن الإنسان ينبغي أن يحرص على دوام هذه النعم وأن دوامها لا يكون إلا بنعمة أخرى وهي نعمة (الشكر). ثم قال المؤلف: (أحببت الحديث عن هذا الموضوع القيم في مسائل مهمة - في نظري - حتى تزكو النفوس وتطهر).
وأبان المؤلف أن بعض الناس يشكر الله بالقول ويناقض ذلك بالفعل، وأوضح أنه سيسعى في مبحثه لتصحيح هذا المفهوم الخاطئ عند بعض الناس.
ثم بدأ بتعريف الشكر وبيان حقيقته؛ فذكر تعريفه لغةً واصطلاحاً.. مورداً أكثر من تعريف للشكر، وجمع بينها أخيراً بقوله: (إن الشكر هو الثناء على المنعم بمعروف يوليه، والاعتراف بتقصير الشاكر للمنعم).
أما حقيقة الشكر فمن خلال أقوال أهل العلم خلص المؤلف إلى أنها: الاعتراف بالنعمة باطناً، والتحدث بها ظاهراً، وصرفها في مرضاة وليها ومسديها.
ثم انتقل إلى بيان فضيلة الشكر، مستشهداً لذلك بأدلة من الكتاب والسنة، فذكر من فضائل الشكر؛ أنه نصف الإيمان، وأنه طريق الرضا وأنه قرين العبادة، وأنه صفة الأنبياء كما أنه صفة أهل الجنة، وأنه سر دوام النعم وزيادتها.
ثم انتقل المؤلف للحديث عن جزاء الشاكرين مبيناً أن الشكر من أكثر الطاعات ثواباً، وهو أعلى المنازل.
هل تحصى النعم؟ الجواب في قوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (34) سورة إبراهيم. وقوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}(18)) سورة النحل.
فأوضح في الآية الأولى طبيعة المنعم عليه وهي الظلم والكفران، وفي الآية الثانية طبيعة المنعم وهي المغفرة والرحمة.
ثم شرع المؤلف في بيان كيفية شكر الله على نعمه موضحاً أن الشكر لا يكون شكراً إلا باجتماع أسس ثلاثة وهي: الشكر باللسان، والشكر بالقلب، والشكر بالجوارح. ثم إن الشكر بالجوارح نوعان: شكر وجودي وهو استخدامها في طاعة الله، وشكر عدمي وهو عدم استخدامها في معصية الله.
ثم أورد المؤلف جملة من العوامل التي تجلب الشكر وذكر منها الرضا بالمكتوب، والتأمل في نعم الله على العبد، والتأمل في أحوال الناس مع النعم، والزهد في الدنيا؛ كما ذكر أنواع الشكر وهي شكر الله عز وجل، وشكر الناس.
وذكر بعد ذلك أقسام الناس في الشكر؛ فمنهم الشاكرون، ومنهم المقلون، ومنهم مَنْ لا يشكرون.
ثم تحدث المؤلف عن عقوبة ترك الشكر ومنها: نقص الإيمان، ورفع النعمة ونزول العقوبة، وبقاء النعمة مع زوال بركتها.
بعد ذلك فصّل الحديث في بعض وسائل شكر الله على نعمه ومنها: تجديد شكر الله على نعمه، الإيمان بأن الله هو المنعم المتفضل، قول (الحمد لله)، التسلح بالعلم الشرعي، الإحسان إلى الخلق، إظهار النعمة، التناصح في الله، التعاون على البر والتقوى، والإكثار من العمل الصالح.
ثم تطرق المؤلف لمسائل منها الغني الشاكر والفقير الصابر والتفضيل بينهما، والنعيم الذي يُسأل عنه العبد يوم القيامة في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}
بعد ذلك عدَّد المؤلف أنواع النعم وهي ثلاث: نعم عامة تشمل جميع الخلق، ونعم شبه عامة وتشمل بعض الخلق، ونعم خاصة بالنفس. بعد ذلك أورد المؤلف بعض النعم الدقيقة التي لا يتفطن إليها.
بعد ذلك ختم المؤلف كتابه بخاتمة جاء فيها: تلك أخي المسلم كانت تطوافة عاجلة ولجنا فيها أبواب بعض النعم فاطلعنا على أهلها بإطلالة سريعة، فرأينا العجائب، ووقفنا على الغرائب ثم رأينا أصناف الشاكرين وقلتهم في العالمين، وعرفنا كيف ينبغي للمسلم أن يقف مع نفسه وقفةً تخفف عنه شدة وقفة يوم القيامة فبسطنا بتوفيق الله طرائق شكر النعم لمن أراد أن يشكر لنفسه وأوضحنا حقيقة الشكر وكيفيته ومبادئه وقواعده.
ثم أورد الحوقلة مبيناً فضائلها، ثم الاستغفار.. ختاماً مسكاً لهذا الكتاب القيم.
وفي الواقع أن الكتاب يعد إضافة جميلة إلى المكتبة الإسلامية، كونه جمع بين تقديم المعلومة بشكل علمي ومؤصل، وبأسلوب بسيط، مع ضرب الأمثلة كلما اقتضى الحال ذلك.
لذلك أنصح إخواني بقراءته والاستفادة من مضمونه وجعله دليلاً يُهتدى به في التعامل مع نعم الله وآلائه الكثيرة.
أسأل الله أن يوفق الجميع وأن يجزي المؤلف خير الجزاء على هذا الكتاب الرائع وأن ينفع به ويجعله في ميزان حسناته.
قراءة: عبدالرحمن الجبرين