أكد معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، على ضرورة أن يراعي الزوجان الضمانات التي حددها الشرع للوقاية من المشكلات الأسرية، وقال: إن النية من الزواج ينبغي أن تكون إرضاء رب العالمين، ويحسن اختيار الزوجة الصالحة لتكوين بيت مسلم، ومن ثم على الزوج أن يحسن معاشرة زوجته، ويعطيها حقوقها، ويصون كرامتها، ويحافظ عليها. وكذلك الزوجة أن تقوم بكافة الواجبات إزاء زوجها. وإذا حدثت مشكلات، فعلى الزوجين أن يتقيا الله عز وجل في حل هذه الخلافات بالمعروف.
جاء ذلك في حوار (الجزيرة) مع الشيخ د. سعد الشثري حول قضايا الزواج، والمشكلات الأسرية، وكيفية حلها.. وفيما يلي نصه:
* ما هي الضمانات الشرعية التي تحول دون حدوث المشكلات الزوجية، وبالتالي وقوع الطلاق وتفكك الأسرة؟
- لقد حدد الشرع العديد من الضمانات التي يجب على الزوج أو الزوجة الالتزام بها، حتى لا تحدث المشكلات الزوجية، وتتفاقم وتصل إلى ما لا تحمد عقباه، وهو الطلاق، وأول هذه الضمانات الشرعية: النية، فمتى نوى الإنسان بعمله الآخرة ورضى رب العالمين يسر الله جلّ وعلا له السعادة ويسر له الخير، فإن الأعمال إنما تكون بالنيات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى)، وحينئذ فنقترب لله جل وعلا بهذا العمل الجليل الجميل وهو الزواج رغبة في الأجر الأخروي، وإذا كانت نية الزوجين كذلك ابتعدت عنهم كثير من المشكلات، فإن بعض الأزواج سواء من الرجال أو من النساء يلاحظ الطرف الآخر من أجل المنافع التي يجنيها منه، فإذا كان الأمر كذلك، فإذا قصر الطرف الآخر أو ظن أنه مقصر ولم يكن الأمر كذلك فإنه لن يقوم بحق الزوج الآخر بل قد يعامله معاملة فيها جفاء، بخلاف ما إذا كان مقصد الإنسان ورغبته في الآخرة وفيما عند الله جل وعلا، فإنه حينئذ يحسن إلى الطرف الآخر رغبة في الثواب الأخروي وليس على جهة الجزاء والمقابلة للطرف الآخر.
أما الضمانة الثانية من الضمانات الشرعية التي جاءت لتقينا المشكلات الأسرية أن الشرع قد رغب في حسن اختيار الزوجين بحيث لا يقدم الإنسان على الزواج بامرأة إلا إذا عرف صفاتها وعرف خصائصها وعرف أن هذه الخصائص مما تناسبه ومما تسعده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين)، وحينئذ إذا حرص الإنسان على الزواج بذات الدين فإنها ستتقي الله فيه وبالتالي فإنها ستقدم على الأعمال الصالحة التي تجعل الحياة الزوجية تستمر بإذن الله جل وعلا، وكذلك فيما يتعلق بالزوجة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
ومن تلك الضمانات التي جاءت الشريعة الإسلامية بها من أجل حماية الأسرة من المشكلات التي قد تجعلها لا تستمر الحياة الزوجية بسببها أن الشريعة قد أمرت بإحسان الخلق وإحسان التعامل مع الآخرين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)، وحينئذ فيتقرب العبد لله عز وجل بإحسان الخلق وخصوصاً إذا كان ذلك من الأزواج وفيما بين الأزواج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خياركم خياركم لأهله وإن من خياركم أحاسنكم أخلاقاً)، وحينئذ فيتقرب المؤمن لله جل وعلا بإحسان الخلق مع أهله ومع زوجته ليكون بذلك من الحائزين على الأجر الأخروي.
كما أن من الضمانات التي جاءت الشريعة بها من أجل وقاية الأسرة من المشكلات التي قد تعصف بها أنها رغبت كلاً من الزوجين أن يتقي الله في إحسان منظره ومظهره عند الزوج الآخر فلا يطلع منه على أمر غير مرغوب فيه، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق المرء أهله ليلاً، فإذا جاء الإنسان من سفر فلا يأت أهله بالليل، وعلل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في قوله (لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة). والشعثة هي التي يكون شعرها ليس على الوجه المرغوب فيه فتمشط شعرها لتكون ذات منظر حسن عند زوجها فيرغب فيها، وكذلك (تستحد) يعني تحلق المغيبة يعني التي طال شعرها الذي يكون عند أعضائها من أجل أن يكون ذلك مرغباً لزوجها فيها.
ومن الضمانات إحسان العشرة بين الزوجين حتى لو كانت هناك نفرة أو كان هناك عدم رغبة من بعضهما لبعضهما الآخر كما قال جل وعلا:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}. ومما جاءت به الشريعة - أيضاً - إحسان المنطق بحيث يختار الإنسان في كلامه مع الطرف الآخر الكلام الطيب الحسن كما قال جل وعلا: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}، وكما قال سبحنه وتعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}. ومما جاءت به الشريعة في ذلك أن يحرص الإنسان أن يكون طلق المحيا وأن يقابل زوجه الآخر بوجه مبتسم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً ولو أن يلقى أخاه بوجه طليق).
* ومتى يتجاوز الزوج أو الزوجة عن أخطاء الآخر؟
- رغبت الشريعة في العفو عن تجاوز أخطاء الآخر، فإذا حصل تقصير من الطرف الآخر فعفى مقابله فإنه يحوز بذلك على الأجور العظيمة، فإن الله جل وعلا قال: {خُذِ الْعَفْوَ} وقال سبحانه: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فإذا عفا الإنسان عن أخطاء غيره حاز بذلك على الأجور العظيمة. ومما جاءت به الشريعة أيضاً فيما يتعلق بالحياة الأسرية أن جعلت عقد الزواج عقداً محترماً مقدراً ورغبت كلاً من الزوجين بتقوى رب العالمين في هذا العقد بحيث يقدره ويحترمه ويجتنب كل شيء قد يدعو إلى التأثير على هذا العقد المهم، كما قال جل وعلا: { وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}، وكما قال جل وعلا: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}، من أجل تقدير هذا العقد والنظر فيه واحترامه ومما جاءت به الشريعة أيضاً فيما يتعلق بهذا أن يجتنب الإنسان كل كلمة لا يرغب بها الطرف الآخر رغبة في الأجر الأخروي وحذراً من أن يؤثر ذلك على الحياة الأسرية، فإن أقوال الإنسان مسجلة عليه وحينئذ يجتنب الإنسان التلفظ بالألفاظ السيئة، كما قال الله جل وعلا: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
* وماذا إذا حدث تقصير من الزوج تجاه زوجته أو العكس كيف يمكن معالجة الأمر شرعياً؟
- إذا حصل تقصير من الطرف الآخر أو زلل أو نحو ذلك، فعلى الطرف الآخر الصبر فإن الصبر من الأخلاق الإسلامية التي رغبت فيها الشريعة الإسلامية وبينت أن الأجور العظيمة مرتبة عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أعطي أحد عطاءً خيراً له وأوسع من الصبر)، وكما قال جل وعلا: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}. ومما جاءت به الشريعة في هذا ترغيب كل من الزوجين أن يتعاون مع الطرف الآخر فيما تحصل به سعادتهما كما قال جل وعلا: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}. وبذلك يحقق الإنسان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، وحينئذ يحصل الإنسان على الأجور العظيمة. كذلك جاءت الشريعة بالتحذير من الظلم ومن أعظم أنواع الظلم أن يظلم أحد الزوجين الزوج الآخر، فالظلم من عظائم الذنوب ومن الأمور المحرمة في شريعة الإسلام، ولذلك جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عزّ وجلّ قال: إني قد حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا). وحينئذ فيجتنب الإنسان هذا الذنب العظيم وهو ذنب الظلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)، وخصوصاً إذا كان متعلقاً بشخص قد يستضعفه الإنسان، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة).
* بعض الأزواج يتفنن في إيذاء الزوجة بدعوة أنها قصرت أو ارتكبت خطأً، فما حكم هذا الإيذاء؟
- نهت الشريعة عن إيذاء الآخرين فإن إيذاء الآخرين من المحرمات في الشريعة، يقول الله جل وعلا: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، ومن أعظم أنواع ذلك السب بأن يسب أحد الزوجين الزوج الآخر فإن السباب من المحرمات في شريعة الإسلام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق)، فالزوج الصالح يجتنب التلفظ بألفاظ السباب.
* من الرجال من يستخدم الطلاق وسيلة لتهديد الزوجة، فما حكم ذلك؟
- على الرجال الحذر من استخدام لفظ الطلاق وسيلة لتهديد الزوجة فإن هذا أيضاً من المحرمات التي لا يجوز الإقدام عليها لأنه يدخل في قول الله جل وعلا: { وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً}، فكون الإنسان كلما جاءه شيء استخدم هذا اللفظ، وكلما أراد من زوجته فعل أمر من الأمور استخدم لفظ الطلاق، هذا من المحرمات في شريعة الإسلام، لأنه حينئذ يكون ممن جعل الطلاق يميناً، والأيمان إنما تكون بالله جل وعلا، ومن ثم فاستعمال الطلاق لفظاً من ألفاظ الأيمان يُعدُّ من المحرمات ومن الذنوب، فعلى العبد أن يتقي الله جل وعلا باجتناب استعمال هذا اللفظ في كل ما يأتي على الإنسان.
* وماذا عن من يتكبر على زوجته أو العكس؟
- الشريعة الإسلامية نهت عن تكبر أحد الزوجين على الآخر لأنه إذا تكبر أحدهما على الآخر فإنه لن يحصل تفاهم بينهما، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، وحينئذ فيتقي العبد ربه باجتناب هذا الخلق الذميم، وإذا حصل تلفظ سيء من الطرف الآخر فإن مقابله ينبغي به أن يتقي الله عز وجل بحيث لا يتكلم بكلمة إلا وقد عرف مدلولها وعرف أنها تؤدي إلى الخير والنصح بحيث إذا وجد لفظاً سيئاً من الزوج استحب للطرف الآخر أن يجتنب ذلك اللفظ لأنه حينئذ يدخل في قوله جل وعلا: { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ }، وفي قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ }. ومما جاءت به الشريعة أن يحرص كل من الزوجين على القيام بحقه تجاه الطرف الآخر فتحرص المرأة على زوجها فتخاطبه المخاطبة اللائقة وتقوم بحقه وتمتثل لأمره، نعم تمتثل لأمره وتتقي الله جل وعلا في ذلك، وإذا طلبها للفراش استجابت لذلك فلا تمتنع ولا تعتذر إذا لم يكن ثمة مانع شرعي فإن الشريعة قد أمرت المرأة بمثل ذلك قال جل وعلا: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}، مما يدل على أنه إذا لم يوجد طاعة منهن فإنه يكون عليهن السبيل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا أحداكهن زوجها فلتجب ولو كانت على قتب)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته ثم لم تجب باتت والله غضبان عليها حتى تصبح)، وحينئذ تجتنب المرأة مثل ذلك، هكذا فيما يتعلق بالزوج فعليه أن يتقي الله عز وجل في القيام بحق زوجته من خلال الكلمة الطيبة معها ومن خلال النفقة الواجبة بحيث يدفعها طيبة بها نفسه كما قال جل وعلا: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِْ }، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)، ثم بعد ذلك إذا حصل شيء من المشكلات أو حصلت هناك أخلاق سيئة من أحد الطرفين، فعلى الطرف الآخر أن يتقي الله عز وجل بحيث لا يجعله هذا الأمر يتسرع في فعل أمر يندم عليه.
* التسرع قد يكون عادة وسيلة الزوج أو الزوجة في حل أي خلافات أسرية وهو ما يؤدي إلى تفاقم المسألة، فماذا تنصحون هؤلاء المتسرعين؟
- على الطرفين وجوب التأني في معالجة الخلافات الزوجية لأن التسرع من الأمور غير المرغوب فيها شرعاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه)، ويقول: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)، وكذلك حذر من الغضب، (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب فكررها ثلاثاً)، وذلك أن الغضب يجر الإنسان إلى أفعال لا يعلم عواقبها، يجعله يفعل أموراً تكون عاقبتها سيئة عليه في الدنيا والآخرة وحينئذ يجتنب الإنسان مثل ذلك، هكذا أيضاً يجتنب الإنسان التقصير في حق زوجته سواء في النفقة أو في غيرها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت).
* هناك من يقصر في النفقة على أهل بيته، ويتعلل بأسباب واهية ما حكم ذلك؟
- على العبد إذا أنفق على أهل بيته أن يحسن النية في ذلك فإن الله قد أمره بالنفقة على أهل بيته، فإذا نوى بذلك التقرب لله كان مأجوراً على ذلك الأجر العظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تضع في فيِّ امرأتك)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن ينفق أحد نفقة يحتسبها إلا كانت له عند الله يوم القيامة)، كما في صحيح مسلم، وحيئنذ يحسن العبد نيته، وينوي بهذه النفقة التقرب إلى ربه جل وعلا في ذلك، كذلك إذا حصل شيء من التقصير من المرأة على الزوج أن يتقي الله عز وجل في زوجته وأن لا يبادر في التعامل بمعاملة سيئة نظراً لما بدر منها فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفرك - يعني لا يبغض - رجل امرأة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (استوصوا في النساء خيراً فإن المرأة قد خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وكسره طلاقه، وإن تركته استمتعت به على ما فيه من عوج) أو قال لم يزل أعوج.
* يدعي البعض أن زوجته ليس بها المواصفات التي يطلبها وكذلك بعض الزوجات مما يؤدي إلى التنافر بين الطرفين؟
- على المسلم أن يتقي ربه جل وعلا في مثل ذلك وليعلم كل من الزوجين أنه لا يوجد أحد في الدنيا على أتم الصفات بل لابد لكل إنسان من عيوب ولابد في كل إنسان سواء كان رجلاً أو كان امرأة من أخلاق قد لا تكون مرغوبة وحينئذ يجتهد كل من الزوجين في سياسة الزوج الآخر بما يصلح أحواله ويقربه لله جل وعلا، قالوا يا رسول الله ما حق زوج أحدنا عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أن تطعمها إذا أكلت وأن تكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)، وحينئذ فليتق العبد ربه في زوجه ولو حصل شيء من التقصير أو من الأخلاق غير المرغوب فيها، إذا تقرر هذا فعلى العبد أيضاً أن يتقي الله عز وجل فيما يتعلق بقرابة الزوجة بحيث لا يسيء إلى الزوجة من خلال الإساءة إلى أحد من قرابتها، وهكذا فيما يتعلق بالمرأة لا تسيء إلى أحد من قرابة الزوج لأن الإساءة إليه إساءة للزوج.
* وما حكم الشرع فيمن يتفننون في إيذاء الزوجات؟
- الشريعة نهت عن إيذاء الآخرين ونهت عن السباب وأمرت بالإحسان إلى الجميع، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ }، وحينئذ فيتقي الله كل من الزوجين وخوصوصاً فيما يتعلق بوالدي الزوجة ووالدي الزوج، فتتقي الله المرأة في زوجها من خلال إحسان العشرة مع والديه فإن الشريعة قد جاءت ورغبت في القيام بحق الوالدين قال تعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وإذا أرادت المرأة أن تقوم زوجات أبنائها بواجبها وبتقديرها وبالقيام بحقها فعليها أن تتقي الله جل وعلا بحقوق والدة زوجها فإن هذه الأخلاق بمثابة الدَين فإن من أكرم شيخاً لسنه قدر الله له إذا كان مثل سنه من يكرمه، كما ورد الحديث بمعنى ذلك.
* وساوس الشيطان أليست من أسباب المشكلات الزوجية؟
- من الضمانات الشرعية التي جاءت لحماية الأسرة مما قد يورث المشكلات فيها عدم الاستجابة لوساوس الشيطان، فإن الشيطان يلقي في نفوس بني آدم كثيراً من الوساوس، فإذا استجاب لها الإنسان فإنه حينئذ يقع في شيء من المشكلات الكثيرة والله جل وعلا يقول: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}، وبين أن الشيطان عدو فاتخذوه عدواً، وحينئذ فلا يستجيب الإنسان للوساوس الشيطانية التي تلقى في روعة سواء كانت من الشيطان أو كانت من أوليائه من أهل المعاصي الذين يخببون المرأة على زوجها ويفسدون علاقة الرجل مع زوجته، يقول الله جل وعلا: { شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}، وحينئذ فيحذر الإنسان من مثل ذلك، ولذلك كان من أعظم أعمال السحرة أنهم يحاولون التفريق بين الرجل وزوجه وذلك طاعة للشياطين ولكنهم لا يستطيعون فعل مثل ذلك إلا بتقدير الله سبحانه وتعالى وإذنه، وحيئنذ فنعلم أن محاولة التفريق بين أهل البيت الواحد تكون كثيراً بسبب وساوس الشياطين ومن ثم فلا ينبغي بالعبد أن يستجيب لمثل هذه الوساوس الصادرة من الشياطين وكذلك لا يجعل الظن والشك يرد على نفسه، فإن تصديق الظنون التي لا دليل عليها ليس من شأن أهل الإيمان، قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث). وحينئذ فلا يستجيب الإنسان لهذه الوساوس الشيطانية، وكذلك ليحرص كل من الزوجين على الإكثار من ذكر الله عز وجل والإكثار من الأوراد فإنها وقاية للأسرة من شرور كثيرة وذلك أن السحرة وأعوانهم لا يتمكنون ممن يكثر من ذكر الله جل وعلا، وهكذا أهل العيون الحارة الذين قد يفرقون بين الرجل وأهله إذا كان أهل البيت يكثرون من ذلك الله عز وجل لم يرد عليهم شيء من هذه الشرور.
* الاختلاط بغير المحارم وزينة المرأة أمام الأجانب ألا تعتبر هذه أدوات ووسائل لتأجيج الخلافات الزوجية؟
- نعم، من الأمور التي تسبب المشكلات الزوجية تطلع الرجل لغير زوجته، وتطلع المرأة لغير زوجها، وهذا فيه ضرر عظيم، فإن الوسائل الحديثة التي وردت على الناس ورد فيها أمور محرمة ومنها: عرض مفاتن النساء اللاتي يعرضن أنفسهن على أكمل أوجه الزينة، فمثل هذا قد يجعل الرجل يزهد في أهل بيته وهكذا العكس، وحينئذ فعلى العبد أن يتقي الله جل وعلا، باجتناب النظر في مثل هذه الصور وليعلم بأن الله مطلع على حاله وقد سجلت جميع أعماله عليه فإنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ومن فوائد الزواج أنه يحصل به غض البصر وحينئذ فيغض الإنسان بصره عن النظر في مثل هذه الوسائل سواء كانت قنوات تلفزيونية أو كانت جرائد ومجلات ونحو ذلك، وهذا كله من المحرمات التي جاءت الشريعة بتحريمها، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بين من غض بصره أورثه الله في قلبه حلاوة يجدها إلى قيام الساعة. ومن هنا وبهذا السبب جاءت الشريعة بتحريم وصف المرأة امرأة أخرى عند زوجها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها), وعلى أصحاب القنوات التلفزيونية الحذر من عرض النساء بأجمل الصفات، لأن ذلك يخالف قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}. ولأن ذلك يسبب هدم الأسر، وتقويض البنيان الأسري الذي جاءت الشريعة بالأمر ببذل جميع الأسباب للمحافظة عليه، وكل شقاق زوجي يحصل بين الزوجين بسبب ذلك فإن على اصحاب هذه القنوات إثم بسببه.
* إذا وقعت الخصومة بين الزوجين فتح كل طرف النار على الآخر وحدث الشقاق والخصام فكيف نحقق الإصلاح إذا وجدت مشكلة؟
- من الضمانات الشرعية التي جاءت للإصلاح بين الزوجين حال حدوث المشكلات بينهما أن يتقي الله عز وجل في هذه العلاقة من خلال الابتعاد عن كل ما يكدرها ومن خلال محاولة الإصلاح عند وجود الخصومة بين الزوجين والإصلاح من أفضل الأعمال التي ينال الإنسان عليها الأجور العظيمة يقول الله جل وعلا: {دلاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً}، فإذا حصلت خصومة وشقاق ومشكلات بين الزوجين استحب لكل من الزوجين أن يبعث حكماً للإصلاح بين الزوجين لمحاولة رأب صدع الأسرة فإن الزوجين إذا بلغا مرتبة من الشقاق والنزاع قد لا يحصل بينهما تفاهم ولا يحصل بينهما هداءة نفس بحيث يقبل كل واحد منهم من الآخر، وحينئذ شرع الله جل وعلا إرسال حكمين بحيث يصلحان ما بين الزوجين، قال جل وعلا: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}. وحينما يجد الرجل من امرأته إعراضاً أو نشوزاً استحب له أن ينصحها وأن يبين لها حقائق الأمور وأن يذكرها بالله عز وجل وأن يحذرها من الإثم والعقوبة الأخروية حتى تكون على بينة من أمرها ومن ثم تتذكر الله جل وعلا وتعرف العقوبات المرتبة على مثل ذلك الفعل، قال جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}, ومما يتعلق بذلك تحريم ميل الإنسان عن زوجته وعدم إعطائها حقوقها وخصوصاً إذا كان عندها أكثر من زوجة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان عنده زوجتان فمال مع إحداهما أتى يوم القيامة وشقه مائل)، من ثم فليحذر الإنسان من الجور بين زوجاته فإن ذلك من الذنوب التي نهت الشريعة عنها، والإنسان إذا لم يكن في قلبه مودة ومحبة للزوجة فلا يسوغ له ذلك أن يظلمها بل عليه أن يتقي الله عز وجل فيها وأن يقوم بحقوقها، فإما أن يمسكها بمعروف أو أن يسرحها بإحسان ولا يظلمها بإمساكها مع ظلمها إلا إن تنازلت عن شيء من حقوقها. ومن هنا قد جاءت الشريعة بالأمر بإحسان العشرة وقيام كل من الزوجين بحق الآخر ونهت عن كل أمر يخالف مثل ذلك، ومن هنا جاءت الشريعة مثلاً بالنهي عن إتيان النساء في أدبارهن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأة في دبرها)، فليحذر الإنسان من مثل هذا الذنب العظيم لأن ذلك يؤدي إلى عدم استمتاع الزوجة من زوجها ومن ثم فعلى العبد أن يتقي الله جل وعلا بإتيان زوجته وقربانها رغبة في الأجر الأخروي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيه أجر، قال: أرأيتم إذا وضعها في حرام أيكون عليه وزر قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في حلال فله أجر)، وكذلك يحرص الإنسان أيضاً على أن لا يميل عن الزوجة قال جل وعلا: { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}.
* وإذا لم يحدث الوئام وحدثت مشكلات كبيرة؟
- إذا لم يكن هناك طريق لاستقامة الأحوال، وحصلت المشكلات الزوجية، وتعددت وتكررت ولم يمكن تدارك للوضع فإنه حينئذ يشرع الطلاق لكن هذا الطلاق لابد أن يكون على وفق الشرع بحيث لا يطلق الإنسان حال الحيض فإن هذا من المحرمات ولا يطلق الإنسان المرأة في طهر قد جامعها فيه وإنما يطلقها في طهرها الذي لم يجامعها فيه، ولا يطلقها إلا طلقة واحدة، فإنه يحرم عليه أن يطلق أكثر من طلقة في وقت واحدة، فإذا طلقها طلقة واحدة فإنه يجب عليها أن تبقى في بيت الزوجية ولا يجوز له أن يبعدها من بيت الزوجية بل يجب أن تبقى في بيت الزوج حتى تنتهي العدة لمدة ثلاث حيض بحيث يكون لها حقوق الزوجات في النفقة والكسوة والمأكل والمشرب وغير ذلك من الحقوق إلا فيما يتعلق بالقسم الليلي فلا يجب عليه مبيت عندها حتى تنتهي العدة لعلهم بهذه الترتيبات يتذكرون حالة الوداد السابقة بينهم، ولعله أن تستقيم أحوالهم، ولعلهم بذلك أن يشتاق بعضهم لبعض، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} ثم قال سبحانه: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًاوَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، فإذا انتهت العدة فإنها حينئذ تكون أجنبية ولا يجوز لها أن تتكشف أمامه بل يجب عليها أن تحتجب بعد العدة، أما ما دامت في العدة فإنها حينئذ زوجة لها ما للزوجات وتكشف له وتتزين أمامه حتى تنتهي العدة، أما إذا انتهت العدة فقد أصبحت الزوجة أجنبية فلا تحل له بعد ذلك إلا بعقد جديد ومهر جديد ورضا منه ومنها، ولا يجوز للولي حينئذ أن يرفض تزويج الزوج مرة أخرى بل عليه أن يتقي الله جل وعلا في ذلك كما قال جل وعلا: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
وعلى الولي أن يتقي الله جل وعلا في ذلك فينظر مصلحة موليته، ولا ينظر إلى مصلحة نفسه ولا تجره الرغبة في الانتقام أو نحو ذلك إلى عدم النظر فيما يصلح الأحوال إذا راجعه مرة أخرى فإن الطلاق إنما يكون ثلاث مرات، فإذا حصل طلقة ثانية جازت الرجعة ثم إذا جاءت الطلقة الثالثة فإن الطلقة الثالثة محرمة وحينئذ تنفصم أواصر العلاقة بينهما ولا تحل له بعد ذلك حتى تنكح زوجاً غيره كما قال جل وعلا: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، إلى أن قال جل وعلا: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. وحدود الله المعاشرة بالمعروف، واحترام هذه الحياة الزوجية، والقيام بحقوقها، هذا من حدود الله، قال جل وعلا: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. وبعد الطلاق لا يجوز لأحد من الزوجين أن يصف الزوج الآخر بأي شيء من الصفات المذمومة، سواء على جهة الكذب، لأن الكذب من المحرمات، أو على جهة الصدق، لأن ذلك من الغيبة، والغيبة محرمة، قال تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً}.