Al Jazirah NewsPaper Monday  26/03/2007 G Issue 12597
محليــات
الأثنين 07 ربيع الأول 1428   العدد  12597
لما هو آت
للتَّو عدت من جازان ...لم أعدِ (7)
د. خيرية إبراهيم السقاف

وفي جازان اليوم تجوّلنا في متحف فسّرت لنا مقتنياته الكثير عن حضارة المكان وبصمات الزمان...

أدهشني الحوت الكبير الذي تمدد عظاماً نخرة فوق طاولة من الخشب يرتاده الطلاب ليتعرفوا خلقة الله؟؟؟

تشابه كبير بين معطيات فكر الإنسان لصنع الحياة من حوله خلال عبور بمتاحف كثيرة متفرقة في أرض الله الوسيعة..

الحيوانات البحرية والبرية.. معطيات الصحراء والأنواء التي فرضت نمطاً من المساكن وأسلوباً من الاستخدام لهبات الفطرة من خوص النخيل وحجارة الجبال ورمل الأرض...

وفيصل الطميحي مدير المتحف يتحرك كعصا الدليل وحادي العيس في بهجة المضيف يؤم بيته من الأنحاء من يؤم.... علامة من علامات جازان متحفها تخيلت لو اتسع أكثر وبسطت الإمكانات بين يدي فيصل ليغدو أكثر مقتنيات وأحدث متاحات.... بجهد كبير يقف المتحف ليقول ها أنذا بصمة وعي في وجه جازان

ومنه مررنا بأرض فسيحة مسوّرة تقف فيها أطلال الأدارسة حقبة تاريخية مرّت بهذه الأرض تركت شيئاً منها ثم انطوت وصدى الشاعر بصوته يحادي الزائرين:

نزلنا ههنا ثم ارتحلنا

وهكذا الدنيا نزول فارتحال

مشيناها خطى كتبت علينا

ومن كتبت عليه خطى مشاها

ومنها اتجهنا للجبال... لم يكن يوصلنا لجبال فيفا أو الحشر أو الجبل الأسود وغيرها طريق خالٍ، بل هناك الهجر والقرى المنتشرة الآهلة بالناس...

الحناية ربطتنا بجبال فيفا عبر أشجار خضراء وبيوت حديثة ومحطات وقود...

كلما صعدنا قليلاً قِيل لي ليس بعد حتى شارفنا العلو...

طريق مذهل في جماله... مربك للإعجاب في نظامه.. البيوت تذكّرني بطريق الدانوب الأزرق بين النمسا والمجر.. بين فينا وبودابست لكنه قمم شماء أعلى وأشد بهجة وأكثر عماراً وأخضر زرعها وأبهى فتنة

تقاسم الجبال أهلوها تحت طقوس قبائلية عريقة تجمعهم مظلة الوطن ويوحدهم المستشفى والمدارس والعمدة والشؤون الصحية وإدارة التعليم والهوية... متعة في الصعود جللها إيمان بعظمة الله الذي هيأ للإنسان أن يبني من الصخر بيتاً وفوق الصخر حجارة وسقوفاً...

هناك فوق سبعة آلاف قدم بُعداً عن الأرض وفي مكتب الإشراف التربوي كانت لطيفة الفيفي مديرة المكتب تعبيراً عن اسمها وطاقم الإشراف يشرحن لنا ما لم يختلف عما هي عليه مدارس فوق سطح الأرض...

النشاط والإنتاج والتدريس والتعلم واللهفة على المعرفة لم تقص الهمم عنها برودة صقيع جبلي ولا زمهرير حرارة مواجهة عين الشمس...

من هناك وخلال ثلاث ساعات صعوداً ونزولاً كنت أعبئ نفسي بإكسير المتعة وشهيق الفرح مررنا بأودية وختمنا بمزرعة المخافة... تلتف فيها أشجار المانجو والبرتقال والبن والليمون والزيتون التفافاً كأنها الغابة التي استوحشت لهجر أهلها فأتربت وحزنت....

كان السؤال يتوالد على لساني: أين أهل هذا الجمال عنه؟

لم يتركوه نهباً للظلام والريح والغربة؟

فاطمة جابر وعزيزة فقيه ونجاة صالح كن يرافقننا.. فتارة يسقيننا ماءً وأخرى ابتسامات تطمئننا بأمل...

الماء والخضرة والوجه الحسن...

الهبات الإلهية النافذة لعمق المفاجأة تلك التي اعتمرني الإحساس بها حتى عدنا للفندق والصور تتوالى وليس ثمة من صمت لضجيج في الداخل لا يسكته وجه البحر وهو يطل عليَّ في حجرة الفندق.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة «5852» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد