Al Jazirah NewsPaper Friday  13/04/2007 G Issue 12615
مقـالات
الجمعة 25 ربيع الأول 1428   العدد  12615
أيديولوجيا الصورة الإعلامية
د. محمد بن سعود البشر *

أضحت الصورة الإعلامية الساكنة static photo، والصورة الإعلامية المتحركة Motion picture عنصراً رئيساً في صناعة الرسالة الإعلامية وصياغتها لتكون مكملة للنص الإعلامي أو مستقلة عنه في عملية إقناع الجمهور والتأثير فيه. وإذا كان الإعلام في أبسط مفاهيمه وتعريفاته هو (محاولة إحداث الأثر)، فإن عنصر الصورة أصبح أهم عناصر التأثير في الجمهور بقصد زيادة وعيهم بدلالات الرسالة الإعلامية، أو تغيير مواقفهم واتجاهاتهم تجاه القضية التي تتناولها الرسالة الإعلامية.

ومنذ حرب الخليج الثانية 1990- 1991م أصبح التلفزيون ومعه الصورة أداة حرب فاعلة ومؤثرة، وشكلت مرحلة زمنية رئيسة في قياس أثر الصورة على الرأي العام وقدرة الساسة والإعلاميين على صياغته وفق الأيديولوجيا التي يريدونها، ثم انتقلت الصورة إلى موقع الهيمنة في العملية الإعلامية إثر التطور الكبير في تكنولوجيا الصناعة الإعلامية التي منحتها فرصة الانتشار والصدارة.

وإضافة إلى هذا العامل التكنولوجي، فإن الصورة الإعلامية تستطيع أن تصل بدلالاتها الأيديولوجية المعلنة أو المضمرة إلى وعي الجمهور بطريقة أيسر وأسهل من أيديولوجيا النص المكتوب؛ ذلك أن الصورة الإعلامية تخاطب شرائح المجتمع المختلفة بكل مستوياتها التعليمية.. وبهذه الشمولية في الخطاب فإنها الأقدر على الإقناع بالحقيقة الموضوعية أو بالمعاني المزيفة التي تحملها، والسبب في ذلك أن النص المكتوب يحتاج إلى فهم القارئ لرموز النص ومصطلحاته، وقدرته على وضعه في سياقه الزماني والموضوعي المناسب، أما الصورة فإنها لا تحتاج إلا إلى التأمل بالطريقة التي قصدها صانع الصورة ومنتجها.

لقد أصبحت الصورة الإعلامية تستهوي القارئ للصحيفة، والمشاهد للتلفزيون أكثر من النص المكتوب أو المسموع، بل إن شريحة كبيرة من الجمهور تشاهد الصورة ولا تسمع الخبر، وتشاهد الصور أكثر من استهلاكها للنص المسموع أو المكتوب؛ لأنها تختصر الفكرة والأيديولوجية التي تقف وراءها، كما أصبحت وسائل الإعلام - من جهتها - تتسابق إلى الانفراد بنشر الصور التي تسترعي انتباه الجمهور وتشده للرسالة الإعلامية لتسهل عليها عملية إقناعه والتأثير فيه.

أيديولوجيا الصورة الإعلامية أثارت اهتمام الحكومات والأحزاب السياسية والمؤسسات الإعلامية على حد سواء؛ إدراكا منهم لقدرة الصورة الإعلامية على الجمع بين تفاصيل الحقيقة وإبداع الخيال. فالإنجازات التي ترسمها الدول والحكومات - على سبيل المثال - إنما هي تراكم من الصورة الساكنة أو المتحركة التي تؤرخ لتفاصيل الصورة الذهنية التي تترسب في وعي الرأي العام المحلي أو العالمي. والتسويق الإعلامي للرموز السياسية في مواسم الانتخابات إنما يعتمد على الصورة بدلالاتها المختلفة: السياسية والاقتصادية والإنسانية والشعبية لإقناع الناخب بتفضيله على غيره من المرشحين ومن ثم التصويت له. والمؤسسات الإعلامية جعلت من الصورة إحدى أدوات المعرفة والترويج للأيديولوجيا (المهيمنة أو النخبوية)، ومنحها فرصة التحول من الهامش إلى المحور في الرسالة الإعلامية، ومن الحضور الجزئي إلى موقع الهيمنة والتأثير.

إن هيمنة الصورة على الرسالة الإعلامية وتأثيرها في الجمهور تنبع من الأيديولوجيا التي تتضمنها والأفكار والمعاني التي تحملها. ومما استقر من أيديولوجيا الصورة في وعي الرأي العام وأثّر في مواقفه وسلوكه مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة برصاص جنود الجيش الصهيوني في فلسطين، وهي الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام العربية والعالمية وحركت مشاعر العرب والمسلمين على مستوى الحكومات والشعوب، وصور الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001م الذي فاقت فيه الصورة الإعلامية الواقعية خيالات منتجي الصور في هوليوود، وكانت سببا في أيديولوجيا (الحرب ضد الإرهاب) التي قادتها الولايات المتحدة، وصور تدمير النصب التذكاري للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين التي أنتجتها قوات الاحتلال الأمريكي للعراق بكل براعة ومهنية، ثم تعذيب السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، ثم صور ومشاهد محاكمة صدام حسين في حادثة الدجيل التي كانت قضية ذات اختيار أيديولوجي طائفي مرتبط بشيعة العراق، وهي المحاكمة التي أدت إلى إعدامه شنقا وسط هتاف أيديولوجي طائفي تزامن مع أول أيام عيد الأضحى من عام 1427هـ، 2006م، وهو توقيت زماني له دلالته الأيديولوجية أيضاً.

ومن الصور التي لا تزال عالقة في وعي الرأي العام الإسلامي صور الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، التي نشرتها الصحف الدنمركية وتعاطفت معها بعض الصحف الأوروبية، وهي الصور التي أثارت مشاعر المسلمين لما حملته من أيديولوجيا كارهة للمقدس الإسلامي، وبخاصة في السعودية، وهي الصور التي وصلت تداعياتها إلى المستويات السياسية والاقتصادية الحكومية والخاصة، ولم يكن لهذه الصور أن تثير الرأي العام الإسلامي وتؤثر في مواقفه وسلوكه لو لم تكن تحمل أيديولوجيا مضادة للإسلام ورموزه المقدسة.

لقد استطاعت تقنية الاتصال أن تروج للصورة الإعلامية، واستطاع صانعو الصورة إنتاجها بكل احترافية ومهنية لإقناع الجماهير والتأثير فيهم.. لكن الصور الإعلامية تبقى فارغة المضمون، ناقصة الدلالة، إذا كانت خالية من الأيديولوجيا التي تمنحها الرسالة والمعنى.

* أستاذ الإعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد