Al Jazirah NewsPaper Monday  23/04/2007 G Issue 12625
الاقتصادية
الأثنين 06 ربيع الثاني 1428   العدد  12625
تحليل لأداء مراجعي حسابات بيشة وأنعام
حتى لا يعود آرثر أندرسون للسوق السعودية بوجه آخر
عبدالرحمن محمد السهلي*

ديفيد دنكان الشريك في مكتب آرثر أندرسون للمحاسبة والمراجعة القانونية (شركة مهنية) والمسؤول عن عملية مراجعة حسابات شركة أنرون (عملاق الطاقة المفلس) يأمر مساعديه بإتلاف عدد كبير من وثائق عملية المراجعة بالرغم من إصدار هيئة مراقبة التداول الأمريكية SEC طلب معلومات حول مراجعة حسابات شركة أنرون.

وفي منتصف مارس من عام 2002م وجهت المحكمة الفدرالية الأمريكية تهمة الإهمال المهني وإعاقة العدالة لمكتب آرثر أندرسون بعد اعتراف المكتب بوجود أخطاء جوهرية في عملية مراجعة حسابات شركة أنرون وقيام الشريك المسؤول بإتلاف أوراق المراجعة.

وفور إدانة مكتب آرثر أندرسون بالفعل الإجرامي قام مساهمو شركة أنرون المفلسة برفع دعاوى تعويض على مكتب آرثر أندرسون الذي يملك وثيقة تأمين ضد الأخطاء المهنية لتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم جراء إفلاس شركة أنرون بين عشية وضحاها.

وبذلك انهار أحد أكبر مكاتب المحاسبة والمراجعة على مستوى العالم وكان لمكتب أندرسون فرع في المملكة يقوم بمراجعة حسابات مجموعة من البنوك والشركات المدرجة في السوق المالية.

إنذار مبكر

كان أكبر تهديد لأسواق المال الأمريكية يتمثل في إفلاس شركة أنرون للطاقة ومن دون سابق إنذار من مراجع الحسابات بالرغم من وجود تجاوزات محاسبية تمت من قبل الشركة المذكورة. وفي السوق المالية السعودية تم مؤخراً تعليق تداول شركتي بيشة الزراعية وأنعام القابضة (المواشي سابقاً)، فهل كان هذا التعليق (نتيجة الإفلاس) مفاجئ ومن دون سابق إنذار من مراجعي حسابات الشركتين؟ وهل كان أداء مراجعي الحسابات بالمستوى المهني المطلوب؟ وهل كانت الأسباب التي أدت إلى تعليق بيشة الزراعية هي نفس الأسباب التي علقت تداول شركة أنعام، إذا استبعدنا السبب المشترك، وهو تجاوز الخسائر لثلاث أرباع رأس المال؟

في اعتقادي أنه يجب النظر إلى تطور تقارير مراجعي الحسابات للشركتين خلال السنوات الثلاث السابقة لسنة التعليق حتى نتمكن من تقييم الأداء المهني بشكل موضوعي.

فعندما يتم تعليق تداول أسهم شركة مدرجة في السوق بشكل مفاجئ فإن هذا الحدث يعطي رسالة واضحة على وجود خلل لدى إدارة الشركة أو مراجع حساباتها أو كليهما، وعادة ما ترتبط مرحلة الإفلاس بخطط هيكلة ومحاولة البحث عن تمويل من خارج النظام البنكي أو اللجوء إلى عمليات اندماج. وفي الأسواق العالمية يندر أن ترجع شركة علق تداول أسهمها لهذه الأسباب داخل السوق مرة أخرى.

المراجعة خط الدفاع الأول

المساهم صاحب أعلى سلطة في الشركة المساهمة حيث إنه يقوم من خلال الجمعية العمومية بانتخاب مجلس الإدارة ويقوم أيضاً بتعيين مراجع الحسابات، وللأسف فإن كثير من المساهمين يعتقدون أن مجلس الإدارة هو من يعين مراجع الحسابات، وأن مراجع الحسابات هو من يقوم بإعداد القوائم المالية وهذا غير صحيح إطلاقاً.

وتعرف مراجعة الحسابات بأنها عملية فحص للقوائم المالية التي تعدها المنشأة من قبل شخص أو أشخاص مؤهلين تأهيلاً مهنياً كافياً لتقرير ما إذا كانت هذه القوائم المالية عادلة أم لا.

وبالتالي فإن المراجع شخص مستقل عن الشركة يعينه المساهمون وليس مجلس الإدارة أو إدارة الشركة ويقوم بإبداء رأيه ولا يشارك في إعداد القوائم المالية ويقرر عدالة القوائم وليس صحتها ويصل إلى رأيه بعد فحص السجلات المحاسبية وجمع الأدلة والقرائن وفحص الوثائق ومعاينة الأصول.

فإذا أبدى مراجع الحسابات رأيه في القوائم المالية يصبح مسؤولاً عن رأيه وإذا لم يوفق في إبداء الرأي المناسب فإنه سيكون مسؤولا مسؤولية مدينة عن الإهمال المهني البسيط تجاه العميل (الملاك - المساهمون) منشأها العلاقة التعاقدية بينهما وتجاه الطرف الثالث المستفيد بشكل مباشر، فيما يكون المراجع مسؤولا عن الإهمال المهني الجسيم تجاه الأطراف غير المستفيدة من تقديره، حيث تناولت المادة (15) من نظام المحاسبين القانونيين المسؤولية المدنية للمراجع في المملكة فيما تناولت المادة 229 المسؤولية الجنائية.

وبناءً على ذلك يضع المراجعون مخاطر عملية المراجعة أمام أعينهم دائماً حيث تكمن هذه المخاطر في مدى إمكانية وجود أخطاء جوهرية في الحسابات والتقديرات المتصلة بها (مخاطر ذاتية - مخاطر الرقابة الداخلية) وخطر عدم اكتشاف هذه الأخطاء.

معيار بيشة

خلال عام 2006م قامت شركة بيشة للتنمية الزراعية بالتصرف في أرصدة مالية دائنة ناتجة من فائض بيع أسهم الملاك المتخلفين عن سداد قسط في رأس المال. وقامت باستثمارها في سوق الأسهم ونتج عن ذلك خسائر كبيرة منيت بها هذه الاستثمارات. ومحاولة من الشركة لإخفاء الأثر المالي لهذه الخسائر قامت إدارة بيشة الزراعية بمخالفة معيار المحاسبة عن الاستثمار في الأوراق المالية وتسجيل استثماراتها في سوق الأسهم بالتكلفة التاريخية بدلاً من القيمة السوقية.

ونتيجة لقيام الشركة بهذا التصرف قام مراجع الحسابات بإصدار رأي معارض للقوائم المالية للشركة وأنها لا تعبر بصدق وعدالة عن المركز المالي ونتائج الأعمال. وخلال ذلك العام قام المراجع بالإشارة إلى هذا التجاوز في صلب تقرير الفحص الأولي للربع الأول والثاني والثالث مما استدعي الأجهزة الرقابية في هيئة السوق المالية للتدخل والطلب من الشركة إعادة إصدار قوائمها لبيان الأثر المالي للخسائر المخفية نتيجة مخالفة المعيار.

وبالنظر تاريخيا لتطور رأي مراجع حسابات شركة بيشة الزراعية نلاحظ أن الشركة حصلت في عامي 2003م و2004م على رأي مطلق بعدالة قوائمها المالية. وخلال عام 2005م حصلت على رأي مطلق مع لفت انتباه إلى أن الأرباح المحققة تعود إلى أرباح استثمارات مضمنة أرباح حسبت وفقاً لمبدأ الاستحقاق رغم تحققها في فترات مقبلة.

ومن هذا السياق نرى أن تطور رأي وأداء مراجع حسابات بيشة اتسم بالمنطقية المهنية وخصوصاً في السنة السابقة لسنة التعليق.

مفاجأة أنعام

قامت شركة أنعام القابضة (المواشي سابقاً) بالإعلان وبشكل مفاجئ عن وجود خسائر كبيرة في الربع الأخير من عام 2006م مما دعى السلطات الرقابية في السوق المالية لتعليق تداول أسهم الشركة.

ولا يكاد يختلف اثنان على أن أنعام كانت تندرج تحت شركة المضاربة الخاسرة وبالتالي لم يكن من المستبعد حصول تعليق لتداول أسهمها ولكن الإعلان بشكل مفاجئ وخلال الربع الأخير عن خسائر كبيرة وغير ظاهرة في القوائم المالية يشابه سيناريو انهيار شركة أنرون.

وخلال الفترة من عام 2003م وحتى عام 2006م حصلت شركة أنعام على رأي متحفظ من مراجع حساباتها عن قوائمها المالية عدا السنة السابقة لسنة التعليق حيث حصلت أنعام خلال عام 2005م على رأي مطلق بعدالة قوائمها المالية مع فقرة لفت انتباه غير جوهرية حول صدور أحكام قضائية في نزاع قانوني لصالح الشركة.

ونلاحظ وجود تطور غير منطقي لرأي مراجع حسابات شركة أنعام وخصوصاً في السنة السابقة لسنة التعليق بالرغم من وجود قرائن تدل على وجود خسائر مخفية في حسابات الشركة وقد يكون ذلك راجعاً لتحقيق أغلب الشركات المدرجة في السوق لأرباح خلال عام 2005م نتيجة استثماراتها في سوق الأسهم قبل انهيارها.

فجوة مهنية

بعد صدور قانون ساربينز - أوكسلي في عام 2002م والذي يعد أهم تشريع أمريكي حول الأوراق المالية منذ إنشاء هيئة مراقبة التداول SEC عام 1934م تم إنشاء هيئة حكومية بمسمى مجلس الرقابة المحاسبية على الشركات لتتولى إحكام الرقابة على أداء المراجعين والتزام الشركات. وفي السوق السعودية تتولى هيئة السوق المالية الرقابة على إفصاح الشركات المدرجة وعلى التزامها بالقوانين وبمعايير المحاسبة والإفصاح. وتتولى الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين مراقبة جودة الأداء المهني لمكاتب المحاسبة والمراجعة القانونية. وللحقيقة فإن الهيئتين تبذلان جهوداً مشكورة في ذلك. ولكن حداثة إنشاء هيئة السوق المالية وعدم اكتمال أطقمها الفنية أدى إلى التأخر في بيان الأثر المالي لخسائر بيشة الزراعية المخفية نتيجة خرقها لمعيار محاسبي أكثر من تسعة أشهر، حيث قام مراجع حساباتها بتعليق الجرس منذ الربع الأول في 2006م. وكان تدخل هيئة السوق المالية في نهاية العام. في حين أن هيئة المحاسبين لا تزال تعاني من نقص كبير في مواردها المالية رغم أهمية الدور الذي تقوم به، الأمر الذي قد يؤدي مع زيادة عدد الشركات المدرجة في السوق المالية إلى حدوث فجوة في المتابعة المهنية لأداء المحاسبين المرخصين والشركات المدرجة. فهل سيتم قريباً ردم هذه الفجوة حتى لا ينفذ منها آرثر أندرسون جديد للسوق السعودية؟!.

* عضو الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين وعضو الجمعية السعودية للمحاسبة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد