Al Jazirah NewsPaper Monday  23/04/2007 G Issue 12625
الرأي
الأثنين 06 ربيع الثاني 1428   العدد  12625
الصراع الداخلي بين الثقة بالنفس والشعور بالإحباط
داليا سعيد

يعيش الإنسان المعاصر أنواعا عديدة من الصراعات الداخلية التي باتت عنصرا ملحوظا على كل الفئات البشرية والتي تحدد طبيعة تعامله مع نفسه ومع الآخرين. ومن أشد هذه الصراعات الصراع الداخلي بين الثقة بالنفس والشعور بالإحباط، أو بمعنى أكثر شمولية الصراع بين اليأس القاتل والأمل الباقي في النفس التي عانت الكثير من المعضلات وربما حتى المآسي الفظيعة. أيهما سينتصر في هذا الصراع؟ إن ذلك يعتمد على طبيعة النفس البشرية، وعلى نوعية الظروف القاسية التي خلقت في داخلها هذا الصراع.

الثقة بالنفس قد تكون هائلة بشكل لا يمكن أن نميز له حدودا واضحة، وقد تملأ كل ذرة من كيان إنسان ما، ولكن الإحباط المرعب قد يكون قاتلا ولا يقتل الثقة بالنفس فقط بل قد يغرس مكانها قناعة مأساوية بأنه كان يثق بلا شيء، وأنه كان يعيش طوال عمره الماضي في كوكب ليس له وجود ولن يكون له وجود في يوم من الأيام.. كوكب كان مع كل إشراقة يوم جديد يتنفس به الأمل العظيم بالحياة ويقابل به أناساً يبعثون بنفسه إحساساً بأن الدنيا لا زالت بخير.

الثقة بالنفس ليست شعورا فطريا بل هي إحساس نشعر به حين نصل إلى مرحلة لا يستهان بها من حب الذات والثقة بأننا نملك الكثير من الإمكانيات والصفات التي تؤهلنا لتحقيق أحلامنا التي قد لا تكون بنظر الآخرين مثيرة للاهتمام أو ذات قيمة كبيرة، ولكن ثقتنا بأنفسنا تجعلنا نثق بأنها كذلك، وقد تجعلنا ثقتنا بأنفسنا - إن كانت ثقة زائدة عن المعتاد - نشعر بأننا مميزون كثيرا عن الآخرين، وأن ما لدينا من مواهب وقدرات عقلية وصفات جسدية بل وحتى ما نشعر به من مشاعر وعواطف هي متميزة كثيرا ولا يحظى بمثيل لها الآخرون. حينها قد نكون شارفنا على حافة هاوية الغرور، وكل حسب استعداده للوقوع في هذه الهاوية التي حافتها ستكون هي الخط الفاصل بين الثقة بالنفس في مراحلها المتقدمة جدا وبين الغرور والكبرياء الذي هو صفة مدمرة بمعنى الكلمة لصاحبها.

المشكلة بل المأساة الحقيقية هي حين يصطدم الإنسان الواثق جدا بنفسه ومن ملكاته وقدراته بالواقع القاسي، أو حين يتعرض لصدمات عنيفة متوالية سواء كانت صدمات نفسية أو عاطفية أو غيرها، وبغض النظر عن المسبب لهذه الصدمات سواء كان هو من أقرب الناس إليه أو من أبعدهم عنه، ولكن حين يحدث ذلك فإنه تخلق بداخله حينها ثورة هائلة من الانفعالات العاطفية الحزينة والكئيبة، وحينها يبدأ الصراع بداخله بين شعوره الجديد بالإحباط وبين ثقته بنفسه. وقد يصل إلى مرحلة مرعبة من اهتزاز الشخصية والضياع النفسي. وقد يكون هذا الشعور المؤلم مدمرا لأحلامه ومحطماً لطموحه، وقد يفكر بعمل أي شيء للخلاص من هذا الصراع القاسي.

حين يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من ذروة الأحداث الداخلية العنيفة يبدأ العد التنازلي لنهاية ذلك الصراع سواء بالموت وهو على قيد الحياة أو بخلق أمل جديد له بالحياة. والسؤال هنا هو: كيف في حالة هذه النفس المدمرة نفسيا التي كانت من قبل تملأ الدنيا زهوا بنفسها وابتهاجا بذاتها وفخرا بما وهبها الله سبحانه وتعالى من مزايا وصفات، كانت تظن في يوم من الأيام أنها قادرة أن تحقق لها ما تتمناه.. في حالة هذه النفس كيف يمكننا أن نحول الصراع الداخلي الذي تعاني منه بشدة إلى حالة سلام وأمن نفسي؟ أو كيف ننهي هذا الصراع لصالح الثقة بالنفس؟ أو بشكل أكثر وضوحا كيف نعيد لهذه النفس ثقتها الكاملة بنفسها؟.. ستكون تلك مهمة صعبة خاصة أن النفس التي وصلت إلى هذه المرحلة من الصراع النفسي هي غالبا وصلت لقناعة تامة بأن كل ما كانت تؤمن به من قبل من قدراتها على مواجهة كل الظروف القاسية لم يكن إلا وهما، وهي كما قلت سابقا ستشعر بأنها كانت تعيش بكوكب خيالي ومثالي، كوكب الأحلام الزائفة والطموحات المستحيلة، وهبطت الآن إلى كوكب الأرض والواقع الأليم، وهجرت إلى الأبد هذا الكوكب الذي عاشت به مخدوعة وموهومة بذاتها وبكل من حولها.

من الحديث السابق نستنتج حقيقة مهمة قد يغفل عنها الكثير: إن الثقة الكبيرة بالنفس بالرغم من أنها إحساس عظيم قد يحسد صاحبه عليه، ولكنها في الوقت نفسه سلاح ذو حدين. فمتى كانت هذه الثقة الكبيرة بالنفس مبنية على قاعدة راسخة ومتينة، أو بمعنى أوضح متى ما كان الإنسان الواثق كثيراً من نفسه قادرا على تحمل مختلف الصعاب وقادرا على التعامل الذكي مع مختلف المشاكل التي يتعرض لها، ومتى ما كان قادراً على العمل والعطاء والصبر في سبيل الحصول على ما يحلم به وما يتمناه، ومتى ما كان الإنسان مفعما بالإيمان حتى في أصعب الأوقات الحرجة التي يتعرض لها وبالتالي يكون دوما قادرا على البدء من جديد.. حينها ستكون ثقته بنفسه في محلها وتكون عاملاً عظيماً ومؤثراً ومساعداً مهما له لتحقيق النجاح في حياته. ومتى ما كانت هذه الثقة الكبيرة بالنفس مبنية على قاعدة ضعيفة ومهتزة، أو بمعنى آخر متى ما كانت هذه الثقة الكبيرة بالنفس مهيمنة على إنسان ضعيف لا يملك قدرة على احتمال مختلف الظروف القاسية، وغير قادر على مواجهة العقبات التي تقف في طريق نجاحه، ومتى ما كان هذا الإنسان متخاذلاً وغير قادر على العمل والعطاء وغير مستعد أن يتحمل المزيد من المتاعب والآلام في سبيل الحصول على أهدافه، ومتى ما كان عاجزا عن التعامل الذكي مع مختلف الصعاب ومع من يحاول أن يضع في طريقه هذه الصعاب، وبالتالي يكون غير قادر على الوقوف والبدء من جديد.. فإنه حينها قد يصل إلى مرحلة شديدة القسوة من المعاناة، وحينها قد تتحول ثقته بنفسه إلى انعدام ثقة بها، وحينها بالتأكيد سينجح الإحباط بالصراع الداخلي الذي يشعر به.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد