تعد الزيارة الملكية الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود من أبزر الزيارات في تاريخ منطقة تبوك، التي ينتظرها بشوق أهل تبوك وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز أمير منطقة تبوك، نظراً لما تكتسبه هذه الزيارة من أهمية تؤكد حرص القيادة السعودية على التواصل مع أبناء الوطن الغالي في مختلف مناطق المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود - طيب الله ثراه.
ومنطقة تبوك تعد من المناطق المهمة في المملكة العربية السعودية نظراً لموقعها الاستراتيجي حيث تقع في شمال غرب المملكة وتمتلك أطول ساحل مطل على البحر الأحمر في مواجهة جمهورية مصر العربية غرباً، وفي شمالها أطول منطقة حدود برية مع المملكة الأردنية الهاشمية، ومن ناحية الجنوب منطقة المدينة المنورة ومن الشرق منطقتي حائل والجوف.
وهي بهذا الموقع تكاد تكون ثالثة مناطق المملكة من حيث المساحة بعد المنطقة الشرقية، ومنطقة الرياض، حيث تبلغ مساحتها حوالي 116400كم2، ومما أضفى عليها هذه الأهمية الاستراتيجية أنها تمثل المدخل الشمالي الغربي للمملكة، حيث لا بد من المرور بمنطقة تبوك سواء كان قديماً في ترحال القبائل العربية من وإلى شبه الجزيرة العربية باتجاه بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا، وحديثاً عبر وسائل المواصلات عن طريق الطرق الممهدة وخطوط الطيران.
وتتميز منطقة تبوك بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي بالمناخ الذي يميل إلى الاعتدال في معظم أيام السنة وإن كانت تتخلله موجات من البرودة في فصل الشتاء، وتكثر بمنطقة تبوك الأودية ومن أمثلتها وادي المعظم الذي يقع جنوب مدينة تبوك بحوالي 130كم ووادي الأثيلي شمال تبوك ووادي البقار غرب تبوك، وهناك وادي الأخضر في جنوبها الذي نزل به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى تبوك عام 9هـ.
بالإضافة إلى عدد من الأودية والشعاب على ساحل البحر الأحمر تمر من خلال المدن والقرى الواقعة على الساحل بطول 500كم ومنها وادي أملج ووادي المياه بالقرب من الوجه، ووادي السر جنوب مدينة ضباء ووادي شرما وغيرها من الأودية التي جعلت من منطقة تبوك إحدى أهم مناطق المملكة الغنية بالمياه التي أدت بدورها إلى قيام الزراعة بأنواعها المختلفة في المنطقة.
ولقد شهدت هذه المنطقة من المملكة الكثير من الأحداث التاريخية حيث تعد من مواطن الحضارات على مر العصور، ففي العصور القديمة وعلى سبيل المثال توجد بمنطقة تبوك عدة مواقع أثرية منها مدينة (مدين) التي بها آثار ترجع إلى العصر النبطي وهناك (قرية) التي تقع جنوب غرب مدينة تبوك التي اكتشفت فيها أدوات حجرية ترجع إلى العصر الحجري ومطلع الألف الأول قبل الميلاد مما جعلها من المناطق الأثرية المهمة بالمملكة، وكذلك (عينونة) التي تقع شمال مدينة ضباء وبساحلها الميناء الرئيس لدولة الأنباط (لوكي كومي) أو المدينة البيضاء التي لا تزال آثارها باقية إلى اليوم.
وفي العصور الإسلامية فمن المعروف أنه منذ الغزوة التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم وسميت بغزوة تبوك في العام التاسع للهجرة، والتي كانت نقطة تحول في تاريخ الدولة العربية الإسلامية إذ أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم من خلالها قدرة المسلمين على مواجهة أكبر القوى في العالم وهم الرومان في ذلك الوقت.
ومنذ ذلك التاريخ دخلت تبوك ضمن الدولة العربية الإسلامية التي تركت الكثير من الآثار شاهدة على الحضارة الإسلامية، ومن أبرزها عدد من القلاع والقصور من بينها.
ما هو في مدينة (تيماء) منذ العصر العباسي، وقلعة (الأزنم) التي بنيت خلال العصر المملوكي، وقلعة (الزريب) بالوجه من العصر العثماني، أما قلعة تبوك فهي من القلاع المهمة التي يعود تاريخ إنشائها إلى السلطان العثماني سليمان القانوني عام 967هـ - 1559م لتكون قاعدة من أبرز المحطات في طريق الحج الشامي، والتي نالت الاهتمام من سلاطين الدولة العثمانية فيما بعد حيث جددت في عهد السلطان محمد الرابع عام 1064هـ - 1653م والسلطان عبدالمجيد عام 1260هـ - 1844م.
أما النهضة المعاصرة لمنطقة تبوك فقد بدأت مع العصر السعودي وبصفة خاصة عندما قام الملك عبدالعزيز آل سعود بضم هذه المنطقة عند قيامه بضم الحجاز عام 1344هـ - 1925م، حيث اهتمت الحكومة السعودية بمنطقة تبوك لموقعها المهم ولتأمين طريق الحج القادم من بلاد الشام وتركيا من ناحية ومن مصر وشمال إفريقية من ناحية أخرى، وكان من أبرز اهتمام الملك عبدالعزيز هو توفير الأمن والأمان لهذه المنطقة حتى تؤدي دورها في سهولة ويسر بعدما كانت الفوضى سائدة في هذا الطريق، ولهذا أمر بتجديد قلعة تبوك وأضاف لها أعمال ظلت تقام بها حتى عام 1370هـ - 1950م، وقام بإنشاء قلعة جديدة في ضباء على ساحل البحر الأحمر عام 1352هـ وعمل من ناحية أخرى على توفير البنية الأساسية لسكان منطقة تبوك حيث كان يعلم أن هؤلاء السكان هم عنوان للقادم من هذه الناحية بالطريق البري إلى المملكة العربية السعودية، حيث إنها منطقة التقاء القبائل حتى ان قبائلها من بنو عطية وبلى والحويطات وغيرهم لهم تواصل أسري في البلاد المجاورة خصوصاً مصر والأردن، وإذا لم تكن تربطهم صلة القرابة والمصاهرة فإنهم كانوا في استقبال القادم إلى بلادهم، ويحضرنا هنا أن شيوخ بنو عطية استضافوا شيوخ قبيلة الطحاوية - أحد فروع قبيلة بني سليم بمنطقة مكة المكرمة - أثناء رحلاتهم لشراء وتبادل الخيول العربية بين مصر وشبه الجزيرة العربية والتي بدأت منذ حكم الخديوي عباس لمصر والأمير فيصل بن تركي آل سعود - جد الملك عبدالعزيز ومؤسس الدولة السعودية الثانية التي هي امتداد للدولة السعودية الأولى التي أسسها الأمير محمد بن سعود عام 1158هـ - 1745م.
ولذلك كانت البذرة التي وضعها الملك عبدالعزيز لتوفير احتياجات هذه المنطقة واضحة المعالم على سكان منطقة تبوك والتي بدأت معها النهضة السعودية الشاملة واتضحت معالمها بشكلٍ كبير في عهد أبناء الملك عبدالعزيز.
حيث تم تقسيم منطقة تبوك وفقاً لنظام المناطق إلى خمس محافظات هي محافظة ضبا التي تبعد عن مدينة تبوك بحوالي 200كم وتتمتع بموقع مهم جعل منها ميناء المملكة الشمالي على ساحل البحر الأحمر، حيث تستقبل السفن القادمة من مصر وشمال إفريقيا وأوروبا، ثم محافظة الوجه التي تقع جنوب ضبا بحوالي 145كم على ساحل البحر الأحمر، ومحافظة أملج التي تبعد عن مدينة تبوك بحوالي خمسمائة كيلو متر جنوباً، أيضاً محافظة حقل شمال مدينة تبوك بحوالي مائتي كيلو وتحتل الضفة الشرقية لخليج العقبة والتي بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية فهي مصيف يتميز بجمال الطبيعة التي تجذب السائحين من داخل وخارج منطقة تبوك، وهناك أيضاً محافظة تيماء ذات الجذور التاريخية جنوب تبوك حيث يقال إن اسمها مشتقة من أحد أبناء إسماعيل عليه السلام، وهي مليئة بالآثار التي تعود إلى قبل الميلاد، ومنها ما هو موجود بمتحف اللوفر بباريس ويسمى (حجر تيماء) الذي يرجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد ومكتوب باللغة الآرامية، والذي نقله إلى باريس المستشرق شارل هدير عام 884م، وبها أيضاً بئر هداج الغزير بالمياه العذبة التي تعد من أشهر مياه المنطقة.
وفي ظل النهضة السعودية الشاملة أخذت هذه المحافظات التي تمثل منطقة تبوك تنعم بمسيرة التطور والبناء والحضارة التي توفرها الحكومة السعودية، حيث شمل الإصلاح كل جوانب الحياة بداية بالتعليم حيث انتشرت المدارس بشتى مراحلها في منطقة تبوك بعدما كان لا يوجد بها أي مدرسة عندما قام الملك عبدالعزيز بضمها.. ها هي الآن تنعم بالتعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي بمختلف أنواعه للبنين والبنات، حيث أصبح في متناول الطفل أن يلتحق بالمدرسة ويتخرج - رجلاً أو امرأة ليلتحق بالعمل في منطقة تبوك، وما نحن هنا إلا نتيجة لما وفرته حكومة المملكة العربية السعودية من رعاية واهتمام بالإنسان السعودي في مجال التعليم الذي هو مثال للنهضة الشاملة في مختلف المجالات ومن بينها الرعاية الصحية والاجتماعية والخدمات الزراعية والعقارية والصناعية والتعليمية (جامعة تبوك) وشبكة الطرق بأنواعها البرية والجوية، والتي نتمني أن يضاف إليها (جسر الملك عبدالله) ليربط بين المشرق والمغرب العربي عبر مصر والمملكة العربية السعودية مثلما هو (جسر الملك فهد) بين البحرين والمملكة.
ولا يسعنا إلا أن نؤكد حقيقة واقعة للأجيال القادمة إنه في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود أصبحت منطقة تبوك قلعة من قلاع التطور ومثال واضح للنهضة الشاملة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، وما زيارته الكريمة إلا للتأكيد على استمرار هذه النهضة وهذا العطاء بافتتاح الكثير من المشروعات في مختلف المجالات التي يلمسها المواطن والمقيم من سكان منطقة تبوك تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان، حيث سيكون الجميع في استقبال الزيارة الملكية بكل شوق ومحبة وترحاب بملك الإنسانية، وقائد مسيرة التطور والبناء والإصلاح والسلام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه - وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود وأدام عليهم وعلى شعب المملكة العربية السعودية نعمة الأمن والأمان والعروبة والإسلام.
(*) أستاذ م. التاريخ الحديث والمعاصر
المتخصص في تاريخ المملكة
بكلية التربية للبنات - تبوك