Al Jazirah NewsPaper Monday  21/05/2007 G Issue 12653
الرأي
الأثنين 4 جمادى الأول 1428   العدد  12653
الأخطاء الإملائية تهدد حياة الكتابة
فهد بن علي العبودي / الدلم

يسعى الغيورون العقلاء من أبناء هذه الأمة إلى تفقد حاجاتها، وسدّ ثغراتها، وتصحيح أخطائها في أي جانب قد يعود عليها وعلى أجيالها المتعاقبة بالضرر، سواء كانت تلك الثغرات في دينها وثوابتها، أو قيمها وتراثها، أو لغتها وإرثها العلمي.

وإن من أبرز المقاييس الخالدة في عُرف الناس ولغاتهم عند التفريق بين المتعلم وغيره مقياس (الكتابة والقراءة)، إلا إذا كان المتعلم ذا عاهةٍ في بصره أو يده أو نطقه لا يستطيع حينها أن يكتب أو أن يقرأ.

فهما (الكتابة والقراءة) للمتعلم كالجناحين للطائر لا يقدر على التحليق في أجواء العلم والمعرفة بدونهما إلا إذا قدر الطائر أن يشبع جوعه ويروي ظمأه مستغنياً عن جناحيه في البحث عن طعامه وشرابه.

وأن جودة الكتابة إملاء وأسلوباً، وحسن القراءة نطقاً ونحواً لبرهان جليَّ على نضج معرفة صاحبهما، ورسوخ قواعد بناء تعليمه.

ومما يؤسف له انتشار ظاهرة (الأخطاء الإملائية)، وأشدّ منها التهوين من خطرها، فبعض من ابتلي بها نسأل الله العافية ينطبق عليه معيار الجهل المركب: (لا يدري ولا يدري أنه لا يدري)، فتراه يسطو على همزة القطع فيسلبها ويمنحها كرماً منه وجهلا لهمزة الوصل، ويعتدي على نقطتي التاء المربوطة فيأخذها ويتوّج بها (هامة الهاء)، أو يقضم أحد أسنان (السين أو الشين أو الصاد أو الضاد) فيجعلها هتماء ويشوه بذلك (خلقتها)، أو يأخذ (عصا) الظاء ويضرب بها الضاد ظلماً وعدواناً، كل ذلك وغيره نجده في كراسات الطلاب بل وكتابات المعلمين في المدارس والموظفين في أوراق عملهم ولوحات (الخطاطين) في الشوارع إلا (من عصم ربي).

ويزداد الأمر سوءاً يوماً بعد يوم؛ بازدياد تجاهل الناس معلمهم ومتعلمهم خطر هذه الظاهرة على مستقبل (الحياة الكتابية).

ويكمن انتشار (الأخطاء الإملائية) عند الكثيرين من عدة أسباب يأتي في مقدمتها عدم استشعار أهمية (الإملاء)، والتهاون بالأخطاء فيه حتى نكتت في عين صاحبها نكاتاً سوداء، فأصبح لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، ومن أهمها كذلك تجاهل بعض المعلمين للأخطاء الإملائية، وعدم التنبيه عليها في كراسات الطلاب، أو (جهلهم) بها ووقوعهم فيها عند كتاباتهم، وأذكر في ذلك أننا كنا في دورة تدريبية عن (مهارات تدريس الإملاء)، فطلب المشرف على الدورة من المعلمين تدوين ملاحظاتهم واقتراحاتهم حول تدريس (مادة الإملاء) فتبيّن لي أن بعض أولئك المعلمين يحتاج إلى شرح وتدريس، وإعادة تأسيس في (مادة الإملاء) قبل أن يبحث عن مهارات تدريسها للطلاب، ومن أسباب انتشارها حصر (مادة الإملاء) في حصة واحدة خلال الأسبوع، فلا يكاد ينتهي المعلم من شرح الموضوع حتى ينقضي وقت تلك الحصة، فيؤجل التدريبات والتطبيقات حول الدرس إلى حصة الأسبوع القادم، فتتقادم الأيام وما فيها من أحداث على عقول الطلاب، وتخلخل تلك القواعد التي بناها المعلم في ذلك الوقت الوجيز.

إن جهد المعلم المخلص والغيور وحده لا يكفي للحد من انتشار هذه الظاهرة، ما لم يشاركه الطالب في الاهتمام بتصحيح أخطائه الإملائية، وما لم يسانده الأهل في متابعة الخطوات التي رسمها المعلم لتحسين مستوى ابنهم، وما لم تؤازره (الوزارة) في إعادة النظر في وضع حصة الإملاء (اليتيمة) التي لا تسمن ولا تغني من تعليم وتعليم وتطبيق وتصويب.

ومن هنا أدعو الغيورين والتربويين إلى البحث عن السبل النافعة، واتخاذ الأدوية الناجعة؛ لإنقاذ حياة (الكتابة السليمة) المهدّدة بالانقراض والفناء؛ من جراء أخطاء الإملاء.وفقهم الله وأعانهم على القيام بمسؤولياتهم، وبارك في جهودهم، ونفع بها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد