Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/05/2007 G Issue 12656
الرأي
الخميس 7 جمادى الأول 1428   العدد  12656
محن في طياتها منح
د. سعد بن محمد الفياض

إن شر ما منيت به النفوس يأس يميت القلوب وقنوط تظلم به الدنيا وتتحطم معه الآمال وهذا بسبب ما يعتري الإنسان في هذه الدنيا من مصائب وابتلاءات، وهموم وأحزان. فهذه الدنيا لا تصفو لأحد، فهي دنيا عجيبة متقلبة المراس مختلفة الأحوال. دنيا تضحك وتبكي، وتجمع وتشتت، شدة ورخاء، وسراء وضراء، يوم لك ويوم عليك يوم تعزي فيه ويوم تعزى فيه.. أخي الحبيب إن المصائب كثيرة والابتلاءات متنوعة ولكن من أعظم المصائب التي قد يصاب بها المرء في هذه الحياة، مصيبة موت الأعزة والأحبة وفقد فلذة الأكباد، أو أن يبتلى المرء في جسده ونفسه وذلك بزوال الصحة عنه أو تعطل عضو من أعضائه.. عندها يشعر بأنه لا ملجأ ولا ملتجأ إلا لله الرحيم بعباده الذي هو أرحم بهم من أنفسهم والذي بشرهم بقوله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} فما أعظم هذه المنح صلاة ورحمة وهداية كل واحدة خير من الدنيا وما فيها.

أخي الحبيب تأمل معي هذا الموقف - رجل فجع في ثمرة فؤاده وفلذة كبده والذي هو قطعة منه يقول لقد اهتز الجنان وحزن الفؤاد وفقدت الآمال بل وضاقت علي الأرض بما رحبت ولكن وأثناء العزاء سمعت أحد المعزين يهمس لي بكلمات للوهلة الأولى أسمعها كلمات أبدلت حزني فرحاً، ويأسي أملاً، وضيقي انشراحاً، أتدرون ماذا قال لي وبصوت منخفض: هنيئاً لك - بيت الحمد - بيت وقصر يقال له الحمد وأين إنه في الجنة ففي الحديث الشريف (إذا مات ولد العبد قال: قال الله لملائكته: قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجعك. فيقول: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد).

فانظر - رعاك الله - إلى هذه المنحة العظيمة التي لا تعادلها أية منحة من منح الدنيا.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل الأمر أوسع وأشمل فكل منا ربما تعتريه أمور وتواجهه مشاكل في بيته وفي عمله وفي بيعه وشرائه ما يسبب له شيئاً من الأحزان أو الهموم والغموم فيشعر بالضيق والحرج، وهذا أمر طبيعي بسبب الحياة ومشاكلها، ولكن ما رأيكم لو قيل لهذا الشخص إن هناك أمراً إذا فعلته تغيرت حالك مما أنت فيه إلى حال أكثر أمناً وراحة وسعادة وانشراحاً وعندها تكون منحاً لا محنا وهذه المنح هي التي ذكرها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه) عندها يعلم أن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وعندها يرضى ويسلم بما قسمه الله له وما كتبه عليه، وأنه لا راد لقضائه، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطٍ لما منع، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.

أخي المصاب اعلم أنك لست وحدك المصاب أو المبتلى فكل فيه ما يكفيه من الآلام والمزعجات والخواطر والأفكار والأمراض التي تجلب الهم والغم كم نرى من شاكٍ وكم نسمع من لوامٍ هذا يشكو حاجة وفقراً وذاك يتلوى علة وسقما وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم. والصبر من معالم العظمة وإشارات الكمال ومن دلائل هيمنة النفس على ما حولها، والصبر من عناصر الرجولة الناضجة والبطولة الفارعة.

Saad.alfayyadh@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد