Al Jazirah NewsPaper Monday  02/06/2007 G Issue 12665
أصداء
السبت 16 جمادى الأول 1428   العدد  12665
الطفل الأعسر (1-2)
يتقن الأعسر أحياناً الكتابة العكسية..ودافينشي من المشاهير في هذا المجال

حنان بنت عبد العزيز آل سيف

من الناس مَن يستخدم يده اليسرى في الكتابة وتأدية وظائفه اليومية، وهناك سؤال شغل الكثيرين ممن ينتمون إلى الأوساط العلمية، وهو: هل استخدام اليد اليسرى ظاهرة صحية؟

فهذه الفئة من الناس، خصوصاً الزمرة المتعلِّمة، يواجهون كثيراً من المتاعب في استخدامهم موادّ خُصِّصت لذوي اليد اليمنى، وللأسف فهم مضطرون لاستخدام هذه المواد لأنه لا بديل عندهم، فهم بحق فئة منسية من المجتمع.

وهناك تساؤلات كثيرة بين يدي هذا الموضوع؛ مثل: ماهية ووضعية الدفاع عند ذوي اليد اليسرى، ودراسات علم الوراثة الخاصة بهذه الفئة من المجتمع، وأيُّهما يفوق الآخر في استخدام اليد اليسرى: الإناث أم الذكور؟ ثم ما المصاعب التي تواجهها هذه الفئة من المجتمع أثناء استخدامها يدها اليسرى بالتحديد؟ وثمة سؤال على جانب كبير من الأهمية: ما سبب القدرة العصبية القوية في العين اليمنى عند الطفل الأعسر؟

لا تكتب باليد اليسرى

وقبل الشروع في الإجابة عن بعض هذه الأسئلة نشير إلى لمحة تاريخية نستعيرها من الدكتورة (إيفلين كيلي) في كتابها (التلاميذ الذين يستعملون اليد اليسرى أقلية منسية). تقول إيفلين كيلي: لم يجد الأشخاص الذين يستعملون اليد اليسرى بشكل رئيس ظروفاً مواتية لهم عبر التاريخ؛ فقد ناقش أفلاطون في كتابه المسمى (القوانين) الضغوط لحمل هؤلاء الناس على استعمال اليد اليمنى، ولا تزال توجد في الدول الغربية ضغوط اجتماعية لحمل هذه الفئة على استعمال اليد اليمنى في معظم الحالات.

وفي سنة 1587م وضع التربوي فرانسيس كليمنت أول كراسة بعنوان (The Petie Schole)، وهي تعدّ أول دليل في كتابة الخط بالإنجليزية، وفي هذه الكراسة طلب كليمنت من التلاميذ أن يمسكوا القلم باليد اليمنى، وقد وضع المؤلف في الكراسة رسماً لشخص يمسك القلم بيده اليمنى، وذلك لإزالة أي التباس، ولم يعرف الكتاب اهتماماً يُذكر بالأشخاص الذين يكتبون باليد اليسرى.

ويتتبع روبرت هرتز في كتاب له بعنوان (الموت واليد اليمنى) 1960م الانطباع السائد منذ القدم حول سيطرة الجانب الأيمن من الجسم كما ورد في بعض الاعتقادات والأديان الخرافية حول نشأة الكون، ويقول هرتز: إن الإحساس عبر الحقب التاريخية هو (أن اليد اليسرى الموهوبة والسريعة الحركة ذات طبيعة شريرة مخالفة للنظام السائد في الكون، كما أن الأشخاص الذين لديهم هذه الخاصية من الممكن أن يتحولوا إلى سحرة؛ مما يستوجب علينا ألا نثق بهم).

وفي نوفمبر - تشرين الثاني 1922م نُشر مقال بصحيفة (إليزابيث نيوجرسي) بعنوان (معالجة مشكلة استعمال اليد اليسرى بين التلاميذ في المدارس)، ووصف المقال كيف تم القضاء على (مرض استعمال اليد اليسرى)، وأضاف أن حملة مكثفة (لمعالجة) هذه الظاهرة في المدارس المحلية قد أسهمت في تقليل عدد الذين يستعملون اليد اليسرى من (250) تلميذاً سنة 1919م إلى (66) تلميذاً فقط سنة 1922م.

ثم جاء بعد ذلك باحثون على المنوال نفسه يعززون النظرة السلبية لهذه الظاهرة؛ فقد أشار التربوي هو لينجز ويرث سنة 1933م إلى وجود تقارير تتحدث عن ارتفاع نسبة الذين يستعملون اليد اليسرى بين المجرمين والمضطربين عقلياً والمجانين.

وفي سنة 1927م أوضح التربوي ويست أنه عند تعليم الخط يجب أن يُوضع الذين يكتبون باليد اليسرى والأشخاص الذين لديهم قدرات أقل من أقرانهم والأطفال الذين يعانون من نقص خلقي في مجموعة واحدة.

وقد تواصلت برامج التدريب الخاصة بتغيير استعمال اليد اليسرى بين الأطفال في بعض المناطق في الولايات المتحدة حتى منتصف القرن العشرين. وأوضحت جيرترود هيلدريث أستاذ التربية في كلية بروكلين سنة 1950م أن القاعدة المثلى لمعالجة هذه المسألة هي ألا نسمح للأطفال بشكل مطرد في البداية باستعمال اليد اليسرى في أي مهارة؛ كتناول الطعام، والكتابة، والخياطة، واستعمال الأدوات المنزلية. وأضافت هيلدريث أنه يجب ألا يُسمح للأطفال في مرحلة الحضانة بالاختيار بين اليد اليمنى واليسرى في المهارات الأساسية.

وتعلِّق الدكتورة إيفلين كيلي على ما سبق بقولها: أما اليوم فإنه مما يبشِّر بالخير أن الآراء السلبية حول استعمال اليد اليسرى قد أخذت تتغير بشكل تدريجي، إلا أنه من ناحية أخرى لم يحصل هؤلاء التلاميذ بعدُ على التدريب الكافي لمواكبة الامتيازات كافة التي يتمتع بها أقرانهم الذين يستعملون اليد اليمنى التي بدورها تضع جوانب البيئة المحيطة بهم سواء كان ذلك في دراستهم أم عملهم أم معيشتهم.

وحدَّد العلماء نسبة استعمال الأشخاص يدهم اليمنى بنحو تسعين في المائة، وهذا مما يؤكِّد توجُّه وتفضيل معظم الناس استخدام اليد اليمنى. أما الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى، ويُطلق على الواحد منهم لفظة (أعسر)، فهم يشكلون الأقلية؛ أي 10 في المائة. وهناك فئة نادرة من الناس لديها القدرة على استعمال اليدين معاً اليمنى واليسرى، ويوزِّع ممثِّلو هذه الفئة نشاطاتهم ووظائفهم بين اليدين بالتساوي، وتشترك هذه الفئة من الناس مع بعض الحيوانات كالقطط والقرود التي تستعمل اليد اليمنى واليسرى بشكل متساوٍ.

ويُشار في هذا الجانب إلى أن أحد مشاهير الجرَّاحين بأوروبا قبل أكثر من خمسين عاماً كان يستطيع استخدام كلتا يديه، ولكن هذه الميزة كثيراً ما أربكته وهو يقوم بإجراء عملية خطيرة؛ إذ يحار بأيّ اليدين يعمل. ولعله لا يغيب عنا أن هذا الجراح مهما نجح في استخدام كلتا يديه استخداماً متساوياً فإن ارتباكه في تقديم إحدى اليدين حين ينشغل الانتباه بالعملية مؤكَّد؛ لأن الطبيعة الأصلية تبدو آثارها في غفلة الوعي بالنسبة لليدين وتسبِّب التردُّد بينهما. ومن المهم جداً أن يُذكر في هذا الصدد أن بعض العلماء المهتمين بدراسة هذه المسائل فحصوا كثيرين من المسجونين في جهات مختلفة فلم يجدوا بينهم مَن يستخدم كلتا يديه حتى صدور أحدث التقارير. إن السبب في ذلك لا يحتاج إلى شرح كثير؛ فإن المجرم المصرّ على ارتكاب جريمته إنما يعتمد على تنفيذ عمله في غير تردُّد؛ فهو لذلك يعتمد على استخدام أعضائه، ولاسيما يده، وفق استعداده الفطري، وهذه حال لا تسمح لإحدى اليدين بالاعتداء على الأخرى في استعدادها الطبيعي لضرورة إنفاذ العمل بغير تردُّد.

إن لكل قاعدة شواذّ، فإذا كان قد ثبت أن الناس يستخدمون أيديهم اليمنى من قبل التاريخ بشكل جليّ مُؤْثِرين لها على اليد اليسرى فليس معنى هذا أنك لا تجد من الناس مَن يستخدم يُسراه شذوذاً على هذه القاعدة. ومن حسن الحظ أن هذا الشذوذ لا يؤثِّر في أصحابه في شيء ما، خصوصاً إذا تُركوا لسجيَّتهم، أما إذا صادفتهم ملاحظات على شذوذهم من أصحابهم فإن ذلك يخجلهم وينشأ لهم بسببه مصاعب في نموهم الطبيعي. وقد حاولت إحدى العائلات صرف طفلها عن استعمال يده اليسرى إلى اليمنى فظهرت عليه أعراض جانبية سيئة، منها:

- نسي ما كان قد تعلَّم كتابته بيده اليسرى بسهولة.

- صار ما يكتبه بيمناه عبارة عن سلسلة خطوط متعرجة مشتبك بعضها البعض.

- ظهر التلجلج في كلامه بشكل محزن، حتى خشي أن يفقد النطق بتاتاً.

- أصيب بضعف هائل في الذاكرة.

- كره المنزل والمدرسة والأطفال، وكره اللعب نفسه.

- نحف جسمه وذبلت نضارة وجهه.

ومن المعروف أن الطفل يظهر ميله إلى استخدام إحدى يديه عند بلوغه الشهر الثامن من عمره تقريباً، ويتأكد هذا الاستخدام حينما يبلغ الطفل السنة الخامسة من عمره، حينها يكون دماغ الطفل مكتمل النمو، ويظهر ميله لاستخدام يده على سبيل التقليد، أو على أنه بالفعل يتسم بالعُسرة.

وفي لقاء أجرته مجلة (الأم والطفل) مع إحدى الاختصاصيات في الجهاز النفسي العصبي عند الأطفال جاء فيه: إن الطفل الأعسر هو الذي يملك قدرة جسدية أقوى في القسم الأيسر من جسده، وهذه القوة تكمن في اليد والقدم والعين (غير معروفة الأسباب) والأعصاب، وسبب ذلك أن النصف الشمالي من الدماغ يكون أقوى من النصف الأيمن، وهذه القوة العصبية تتمثل في الجسم والدماغ.

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن نعرف أن الأطفال العُسْر يحبُّون الاختصاصات الفنية؛ مثل الرسم والنحت والكتابة وغيرها من الأمور التي تتطلب الإبداع والتألق، أما أقرانهم ممن يستخدمون اليد اليمنى فيميلون إلى علوم اللغة والرياضيات والمنطق، والسبب عائد إلى أن نصفي الدماغ يعالج كل منهما أنواعاً مختلفة من المعارف؛ فالنصف الأيسر يعتبر مركزاً للغة والعلوم والرياضيات والهندسة والمنطق، في حين يعدُّ النصف الأيمن من الدماغ مصدراً للأحلام والخيال والفن والموسيقى والإحساس.

هذا، وترتبط نظريات سيادة نصف معيَّن من الدماغ بفكرة مضمونها أن استعمال اليد اليسرى هو ظاهرة ناجمة عن غير وضع طبيعي في الدماغ؛ فالأشخاص الذين يستعملون اليد اليسرى يتقنون فن (الكتابة العكسية)؛ أي عكس مواقع الحروف في المفردة، ومن أشهر الأمثلة على هذا الإيطالي (ليناردو دافينشي) الذي كان يستعمل يده اليسرى وكتب ملحوظاته باستعمال الكتابة العكسية؛ مما حيَّر المؤرخين في الأسباب التي دفعته إلى هذه الكتابة.

سبب استخدام اليد اليسرى

ويقترح العلماء الدارسون لهذه الظاهرة أنه يوجد سببان لاستخدام الطفل يده اليسرى، وهما:

الأول: نقص كميات الدم التي تصل إلى النصف الأيسر من الدماغ أثناء فترة نمو الجنين؛ مما يؤدي إلى تطوُّر النصف الأيمن بدرجة أكبر، ومن ثم تفضيل استعمال اليد اليسرى على اليمنى.

الثاني: انضغاط جمجمة الجنين في منطقة ما أثناء الولادة؛ مما يؤدي إلى تدفق الدم بكميات غير متساوية إلى نصفي الدماغ، فيعيق التطوُّر في أحد النصفين ويؤدي إلى سيادة أحدهما على الآخر.

ولا يزال هناك تساؤل حول الأسس الجينية أو الوراثية وراء استعمال ظاهرة اليد اليمنى أو اليسرى، فمثلاً يُلاحظ الزائر لإحدى قلاع عائلة كير في اسكتلندا أن الدرج اللولبي الشكل ينحني بعكس اتجاه عقارب الساعة بشكل مغاير تماماً لمعظم الأدراج المستعملة. ولا بدَّ من الإشارة هنا إلى أن أفراد عائلة كير كانوا معروفين بأنهم مقاتلون متميزون؛ لأنهم كانوا يستعملون اليد اليسرى بفاعلية، وعُرف عنهم استعمال اليد اليسرى في التصميم المعماري في قلاعهم.

ومن خلال ما سبق يتضح أنه إذا كانت ظاهرة استعمال اليد اليسرى لها علاقة بالوراثة فالمفروض أن يكون كل المواليد يستعملون اليد اليسرى إذا كان الأبوان يستعملانها، وبالطريقة نفسها تظهر دراسات حول التوائم المتشابهة عنه في التوائم المتطابقة. وتدلُّ هذه الدراسات على أن هناك عوامل أخرى غير وراثية تعمل على تحديد استعمال اليد اليمنى أو اليسرى. ويتضح لنا أخيراً أن عدد الذكور الذين يستعملون اليد اليسرى يفوق عدد الإناث اللواتي يستعملن اليد نفسها.

عنوان المراسلة: ص. ب 54753 - الرياض 11524

فاكس 4656444


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد