(أمة لا تعرف الوطنية لا تستحق الحياة) سعد زغلول
|
حب الوطن شعور قديم بقدم الإنسان، والإنسان من دون وطن لا شيء، والوطن من دون إنسان عبارة عن أرض ممتدة جامدة...! الإنسان والوطن كلمتان مترادفتان في المعاني والتفاني والتضحية والنهضة والتنمية...
|
وقديماً قيل: من علامات الرشد أن تكون النفس إلى بلدها تواقة، وإلى مسقط رأسها مشتاقة...!
|
|
بلادي هواها في لساني وفي دمي |
يمجدها قلبي ويدعو لها فمي |
ولا خير فيمن لا يحب بلاده |
ولا في حليف الحب إن لم يتيم |
الإنسان والوطن... كالابن والأم... والزوج وزوجه، والصديق وصديقه، وكل ممتزجان في الوجود وفي الحياة.. حينما يكون من الهواجس الأولى حب الوطن وتنميته، والحرص على شفاء المتخلفين في سلوكهم وفكرهم، فهذا دليل وعي واجب.. والبلد سوف يرى قريباً بأي شكل، بوجود هذه العقول النيرة المباركة سوف تكتمل الرؤية... لقد جاء في الأثر المشهور صحيح المعنى: (حب الوطن من الإيمان). والإنسان الضميري، حبه لوطنه لا يضمر ولا يزول ولو عانى من ظلمها، بل سوف يسعى في تحريرها للرقي الأخلاقي والمعرفي..
|
بلادي وإن جارت علي عزيزة |
وأهلي وإن ظنوا عليّ كرام |
إن الزمن عمق العلاقة بين الإنسان، فجعل العلاقة بينهما متداخلة، وبنى بينهما واجبات لا تنتهي حتى الممات... والإنسان الذي ينكر ماضيه من الصعب عليه أن يصنع مستقبله، ومستقبل وطنه..!
|
إن الديانات السماوية كلها، وعلى وجه الخصوص الديانة الناسخة (الإسلام) تغرس في أعماق الإنسان حب الوطن.. والآثار مليئة بالشواهد والأحداث والقصص.. فمن السنة ما جاء في مسند الإمام أحمد أنه يروى عنه صلى الله عليه وسلم - وهو يخاطب مكة أنه قال: (والله إنك أحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت).
|
والوطن عند أهل اللغة كابن منظور في (لسان العرب) هو (المنزل الذي يمثل موطن ومحله) و(وطن بالمكان) وأوطن (أقام، متخذاً، إياه محلاً وسكناً يقيم فيه). وعرف الجرجاني الوطن في كتابه التعريفات: (الوطن الأصلي هو: مولد الرجل والبلد الذي هو فيه). وعند الشيخ محمد عبده: (الوطن في اللغة محل الإنسان مطلقاً، فهو السكن بمعنى: استوطن القوم هذه الأرض وتوطنوها أي اتخذوها سكناً). ويقول عن الوطنية هي عبارة عن تعاون جميع أهل الوطن الواحد المختلفي الأديان على كل ما فيه عمرانه وإصلاح حكومته لا يعارض الدين الإسلامي في شيء.
|
والوطن عند أهل السياسة هو مكانك الذي تنسب إليه، ويحفظ حقك فيه ويعلم حقه عليك، وتأمن فيه على نفسك وآلك ومالك. وكان حد الوطن عند قدماء الرومانيين: (المكان الذي فيه للمرء حقوق وواجبات سياسية).
|
والوطنية عند محمد عمارة هي: (المشاعر والروابط الفطرية التي تنمو بالاكتساب لتشد الإنسان إلى الوطن الذي استوطنه وتوطن فيه).
|
والوطن عند زين العابدين الركابي: (هو الوعاء الجغرافي للإسلام والمسلمين، والإسلام إنما هو المضمون العقدي والثقافي والفكري والمعياري والاجتهادي والاجتماعي والإنساني والحضاري للوطن).
|
والوطنية في الموسوعة العربية العالمية: (تعبير قومي يعني حب الشخص وإخلاصه لوطنه).
|
إن من ركائز النهوض بإحياء القيم الوطنية التي هي: التكافل والتكامل والتعاطف والتآخي والتعاون والصدق والنزاهة والوحدة والحب والإخلاص والصبر.. التي هي في الحقيقة عين الإيمان، والإهمال في ذلك خسران وضعف وجهل، والاجتماع على ذلك شيء مشروع لحديث قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري.
|
والأبلغ من ذلك النص القرآني: {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} سورة التوبة (71) فهذه الآية تؤكد روح الانتماء.. يقول علال الفاسي: (ويمكننا أن نؤكد أن نجاح الاتحاد بين طبيعة الأرض وطبيعة النموذج النفسي هي في صالح الدين وفي صالح الأرض معاً، وبما أن طبيعة الأرض تتفق مع روح العصر غالباً فإن تجدده النموذج وتكييفه حسب روح العصر يتلاءم للأمة تناسق عناصرها التكوينية).
|
إن هذا الجيل الذي أطلق عليه د.أحمد أبو زيد العالم أنثروبولوجي (أولاد الفضاء المعلوماتي) يحتاج إلى حصانة داخلية، والأهم تصحيح مفاهيم مشوهة للقيم الوطنية، فمن أشهر هذه المفاهيم: جعل الهم الديني والهم الوطني متضاربان متباينان كل التباين..! الذي خلق ضعفاً في شعور الانتماء للوطن، الذي هو المنتج الأول والمحرك للطاقات الشابة الوطنية التي سوف تضيف للبلد رقياً في زمن قياسي.. يقول مصطفى كامل في خطبة له في الاسكندرية 190م: (قد يظن أن الدين ينافي الوطنية أو أن الدعوة إلى الدين ليست من الوطنية في شيء. ولكني أرى أن الدين والوطنية توأمان متلازمان، وأن الرجل الذي يتمكن الدين من فؤاده يحب وطنه حباً صادقاً ويغذيه بروحه وما يملك يداه)..
|
نحن في أشد الحاجة إلى تجديد المفاهيم الوطنية، وغرسها في الأرواح الشابة، بشكل تطبيقي يرسخ (فقه الوطن) الفقه الغائب. إن المراجع الفقهية التراثية والمعاصرة خالية من فقه الوطن، فليس هناك كتاب خاص ضمن الكتب المندرجة، أو باب على الأقل.. يعالج هذا الموضوع، الذي يخلق العدل والكرامة والحرية والوعي وتسهيل سبل العيش.. ويقضي على العوائق الثقيلة كالفقر والمرض والجهل التي أطلق عليها الثالوث الخطير وغيرها من الفيروسات التي تضعف الروح الوطنية. إننا لسنا بحاجة إلى شعارات تردد، أو أناشيد تحفظ.. فلو كانت الأفكار والمشاعر والأحاسيس الوطنية هي الدماء التي تسري في عروق هذا المجتمع لرأينا المجد الذي نتمناه..
|
بالروح الوطنية نغتال الرذيلة، وبعبارة أشمل أي نذيب العصبيات داخل القوم.. داخل المجتمع... نتطلع إلى جيل الذين هم صلب الوطن، تشتعل أرواحهم تضحية ووفاء ونزاهة.. ويكون شعارهم ما قاله أولئك الشرفاء نحو أوطانهم..
|
(بلادي... بلادي.. لك حبي وفؤادي.. لك حياتي ووجودي.. لك دمي ونفسي.. لك عقلي ولساني.. لك لبي وجناني.. أنت الحياة، في سبيل ديني..
|
فمن صدق النية، وسلامة الذوق، وعمق الإحساس، وسمو التفكير حب الوطن، الذي هو منطلق للنهضة والتنمية.. إن الروح الوطنية تساهم في تأسيس قاعدة رصينة للتعامل الأخلاقي الراقي.. إننا بهذه الأشياء نقضي على اختلال الشعور..! الذي يعتري الروح الوطنية..
|
إن بيت (العائلة) صورة مصغرة من الوطن الكبير، والوطن صورة مصغرة من العالم الإنساني.
|
|