Al Jazirah NewsPaper Sunday  03/06/2007 G Issue 12666
أصداء
الأحد 17 جمادى الأول 1428   العدد  12666

أسماء زعزوع.. رائدة الأثير السعودية
بقلم: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف

في تاريخ بلادنا نساء قمن بأدوار مرموقة في ميادين علمية واجتماعية واقتصادية وإعلامية، وفوق هذا قمن بشتى أعمالهن المنزلية والتربوية والاجتماعية على أتم وجه، وعلى المنصف أن يقدِّر هذه الأعمال ويضعها في موضعها اللائق بها، تعبيراً عن الاحترام والتقدير، وفي هذه الشخصيات قدوة لبنات بلدنا وغيره من الأقطار العربية ..

ولا تعني هذه الكلمة ترجمة بمعنى الكلمة إنّما هي اعتراف بفضل، وإيمان بجهد، لامرأة عصامية ناضلت ليصل صوتها عبر الأثير من الهند إلى بلادها، ثم منه إلى جميع أقطار العالم المتباينة، ونواحيه المترامية الأطراف، ولا أترنّم إلاّ بقول شاعرنا العربي القديم حين قال:

نفس عصام سوّدت عصاما

وعلّمته الكر والإقداما

وصيّرته بطلاً هماماً

حتى علا وجاوز الأقواما

في هذا التاريخ النسوي السعودي نساء لهن صفحات مشرقة وضّاءة، كتبتها بنور القلب، وبصيرة العقل، ومرارة الصبر والمصابرة، أقمن دوراً للتربية والتعليم والاقتصاد والاجتماع والصحافة والإذاعة، فإذا بهذه الدور مأوى لكلِّ متعلِّم، ومطلب لكلِّ متأدب، قلوب نبضت بالأدب والشعر والقصيد، وأقلام خطت الفكر والعلم والفن والذوق .. إلى المرأة السعودية المثقفة أسوق أسوة حسنة لامرأة تألّقت وبرزت في مجال الإذاعة فأبدعت، وعلِّي أجعل من ترجمة هذه المرأة قدوة لجيل ناشئ.

هذه المرأة كانت لها اليد البيضاء في تمهيد الطريق للكثيرات اللواتي بدأن يجنين حصاد ما زرعتْه النساء المكِّيات الأوائل.

للمرأة ولهذه بالذات أعني المرأة المكِّية مشاركة فعّالة في الإنجازات التنموية السعودية إنّها الشريفة أسماء بنت محمد يوسف زعزوع، وُلدت في مكة المكرمة في حلة الشامية من أُسرة هاشمية قرشية، وذلك في عام 1348هـ الموافق لعام 1928م.

تعلّمت مبادئ القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم وحفظه في كُتّاب السيدة خديجة جانبية حلة الشامية، وبعد انتهائها من ختم القرآن الكريم انتقلت إلى كُتّاب الخوجة فخرية لتدرس مبادئ الحساب والتطريز وأشغال الإبرة كقريناتها في ذلك الزمان السالف، حيث لم تكن تتوفر بعد مدارس نظامية للبنات، ثم تعلّمت التفصيل والخياطة، وبعد ذلك أخذت تعلِّم بنات حيِّها ما تعلّمته وأتقنته من فنون التطريز وأشغال الإبرة وغيرها.

وبعد أن بلغت سن الصبى قدِّر لها أن تتزوج من الأديب والكاتب الأستاذ عزيز ضياء عام 1946م، وأنجبت منه ابنها الفنان التشكيلي ضياء عزيز ضياء، والإذاعية دلال عزيز ضياء، وفي زمنها لم يكن متاحاً للمرأة العمل خارج المنزل، وفي عام 1948م اضطر زوجها إلى السفر خارج المملكة بحثاً عن الرزق، حيث تعاقد مذيعاً مترجماً من اللغة الإنجليزية وإليها، وقارئاً معداً لنشرة الأخبار في إذاعة عموم الهند القسم العربي بنيودلهي التي عرضت عليها التدُّرب والعمل مذيعة ربط بالقسم العربي، وقد وافقت بناءً على تشجيع زوجها ومؤازرته لها، وبعد انقضاء فترة التدريب ظهر صوتها على الأثير لتصبح أول سيدة سعودية يظهر صوتها على الهواء ويصل إلى المملكة العربية السعودية التي انقسم المستمعون إلى فريقين أحدهما: يستنكر أن يسمح زوج سعودي لامرأته بظهور صوتها وسماعها على الملأ، والفريق الآخر، وهو الأكثر تطوُّراً وانفتاحاً، أرسل برقيات تأييد وتشجيع حيث شعر هذا الفريق بالفخر والاعتزاز بهذه الخطوة الجريئة، كونه أول صوت لابنة مكة المكرمة - مهبط الوحي - حيث يظهر في إذاعة كانت من أقوى الإذاعات الموجهة للعالم العربي ولها جمهورها العريض في أنحائه، واستمرت في العمل بإذاعة عموم الهند برفقة زوجها لمدة عامين ونصف العام، حيث أسند لها إعداد وتقديم برنامج (الأطفال) وبرنامج (ما يطلبه المستمعون)، بالإضافة إلى عملها مذيعة ربط، وكلفت أيضاً بتدريب المذيعين والمذيعات المستجدات في القسم العربي، وفي تلك الفترة لم يكن معروفاً التسجيل على الأشرطة وكانت جميع المواد الإذاعية تبث على الهواء مباشرة.

وفي عام 1951م كلِّف زوجها بالعودة إلى المملكة العربية السعودية بناءً على توجيه من جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود الملك المؤسس - طيّب الله ثراه - حيث تولّى منصب وكيل الأمن العام ثم مدير عام الجوازات والجنسية، وكان من البديهي العودة إلى الديار بعد أن امتد الاغتراب لسنوات، حينها تركت السيدة الرائدة أسماء العمل الذي عشقته وعادت متلهّفة إلى أرض الوطن، لتنعم بدورها مرة أخرى كزوجة وأم وربة بيت.

وفي عام 1963م وبعد انقطاع عن المايكرفون ما يقارب اثني عشر عاماً، وأثناء تولي الشيخ جميل بن إبراهيم الحجيلان وزارة الإعلام، وبعد مباركة من جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمة الله عليه - طلب منها المشاركة في العمل الإذاعي لتبدأ مع اثنتين من رائدات الإذاعة، هما السيدة نجدية بنت إبراهيم الحجيلان والدكتورة فاتنة أمين شاكر، العمل الإذاعي كأول أصوات نسائية تنطلق من إذاعة المملكة العربية السعودية، بعد أن كان العمل بالإذاعة مقصوراً على الرجال، ولخبرتها السابقة أسندت إليها الإذاعة إعداد وتقديم برنامج الأطفال حيث لاقى نجاحاً كبيراً، وأصبح من ذلك الحين (ماما أسماء).

ثم استمرت في مواصلة عطائها معدّة ومقدِّمة لبرامج الأطفال حتى عام 1972م، فدرّبت وخرّجت من برنامج الأطفال عدداً كبيراً من المذيعات الناجحات، إلى أن بدأت معاناتها من عارض صحي قررت بعده الاكتفاء بإعداد البرنامج حتى عام 1985م، وبعدها تقاعدت عن العمل تماماً وتفرغت لرعاية الزوج والأبناء والأحفاد.

وهي تقضي وقتها الآن في تلاوة القرآن الكريم، ورعاية الأحفاد، والقراءة الحرة.

تقول عنها الأستاذة نورة بنت أحمد بخش بمناسبة تكريمها السنة الماضية في مهرجان الخليج التاسع للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في البحرين ما نصه: (من مملكة الإنسانية إلى مملكة الحب، هناك حيث قفزت قلوبنا مرفرفة إلى منصة القاعة، لتشارك في الاحتفاء بالمكرمين من الروّاد والمبدعين يا لها من لحظة تحلِّق بالروح في حلم وردي يصبح حقيقة يعيشها المكرم عندما يظن أنّها لن تأتي أو لم يكن يضعها في حسبانه أو على جدول أيامه المفعمة بالعطاء المتدفق حباً وإخلاصاً وجدية ووفاء .. بعض الأحبّة لا يزال يعيش بيننا منزوياً بعيداً عن الأعين يكابد الأيام، يلوك بقايا ذكريات قد يتوكأ على عصاه، يحاول أن يتمسّك بأطراف الزمن انتظاراً لما قد يأتي بعد أن كان يملأ العين والروح، فارساً في ميدان الإبداع، محلِّقاً في عالم الفكر الإنساني في المهرجان التاسع للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني لدول مجلس التعاون الذي عشنا فعالياته المميّزة في مملكة البحرين، كان الأمر مختلفاً جداً وكسراً للقاعدة، حيث تم تكريم صادق لمبدعين لا زالوا بيننا بصحة وعافية في ليلة ليست كالليالي أضاء الحب جنباتها وفاء وإخلاصاً واعترافاً بالجميل، كرم جمع من المبدعين والرواد ولكلٍّ منهم مسيرة حافلة بالعطاء في موقعه كلهم جديرون بالتكريم وهو أقل ما يمكن أن يقدَّم لهم ليشعرهم بامتناننا لما بذلوا من جهد، وما قدموا في مجال أعمالهم من إنجازات، كانت العزيزة (ماما أسماء محمد الزعزوع) وقد تربّت أجيال على صوتها منذ عام 1948م حيث إنها رائدة في مجال العمل الإذاعي - برامج الأطفال من إذعة جدة، ... تلك هي الليلة التي قفزت فيها قلوبنا على المسرح لتزف ماما أسماء وتهتف باسمها ليس فقط منا نحن السعوديين، بل من جمهور خليجنا الحبيب حيث شاركونا المعزوفة الجميلة ماما أسماء .. ماما أسماء ممسكة بابنتها الزميلة دلال ضياء، أي شعور ذلك الذي زاد وجهها ألقاً ونوراً وحلَّق بروحها فرحاً وسعادة. متجاوزاً الزمن الرديء وراءه كل الألم والحزن ليشع وجهه ضوءاً ويطفح بالامتنان والرضا (لا أظنها تكون على وجه عريس في ليلة زفافه)، هكذا كل من مر على منصة التكريم وقد تآلفت القلوب جميعها على الحب في تلك اللحظة، وكانت لمسة وفاء رائعة من الزملاء السعوديين حيث بادروا وفاجأوا ماما أسماء بجائزة رمزية تعبّر عن صدق مشاعرهم فزادت الفرحة، هكذا نتعلم الوفاء الجميل).

وفي لقاء سريع مع (ماما أسماء) بعد التكريم شكرت فيه المبادرة وأوضحت أنّ هذا الحب الذي تكلّل به هو أهم ما في التكريم نفسه بعد هذه المسيرة الطويلة، وأكدت أنّ المستقبل صار بيد الجيل الجديد المتسلّح بأفضل الشهادات التي تسهل له تذليل الكثير من العقبات بعد زمن كان مجرّد حصول إحدى الفتيات فيه على الشهادة التوجيهية المتوسطة حدثاً كبيراً، وقالت: إني سعيدة بهذا التكريم بين أبنائي وأحفادي وأشعر بشريط الذكريات يعود بي (58) عاماً حينما كنت أذيع برنامجاً لإذاعة دلهي بالهند لأول مرة.

ومن ناحية أخرى لم تنس أن تأتي على ذكر الرائد الراحل عزيز ضياء وما مثله لها من دعم كبير ساعد في وصولها لهذه المرحلة، التي تكملها حالياً ابنتها دلال عزيز ضياء في مجال الإذاعة، إلى جانب حضور ابنها ضياء عزيز ضياء كأحد أهم الفنانين التشكيليين في الوقت الحاضر.

وتقول الكاتبة أميمة الخميس (لم تكن الطريق أمام الرائدات مرصوفة بالتحايا والتهليل، ولم تكن معبدة بالتصفيق والترحيب (وما زالت)، ولكن معظمهن كن يمتلكن تلك الروح الاستبسالية العظيمة التي جعلتهن يتقدمن بالمشعل الصفوف ويشرعن المسيرة، خمسون عاماً على نشيد وراية الاستقلال، أعتقد الآن أنه آن الأوان لتكريم الرائدات لوضع أكاليل الفخار والعزة فوق جباههن الوضيئة، حان الوقت أن يقدم لهن شتى أنواع التكريم، تلك التي نالها إخوانهن من الرجال، لا بد من تأسيس أمانة خاصة تابعة لوزارة الثقافة من شأنها تكريم الرائدات ومنحهن حقوق الريادة والامتنان من مجتمعات غرسن بها حقولاً وارفة لشجر تستظل به النساء، في وقت كانت الأرض عبارة عن صحاري مطوقة بالسعالي والغيلان ولعلها ما زالت كذلك).

وأخيراً ما زال القنديل مشتعلاً والاسم براقاً مضيئاً، وهي أنموذج للعطاء الإنساني والبذل الذي لا يعرفه الكثيرون، وهي امرأة نادرة في زمانها الذي وُلدت فيه، كافحت وناضلت وامتازت بسجاياها الحسنة وذكائها الفطري.

أعطت بسخاء عبر الكلمات النابضة والعبارات الناعمة، وما زالت وستبقى إن شاء الله تعالى تحوي الخير والبشر بين يديها الخيِّرتين.

لقد كرمت السيدة الرائدة أسماء زعزوزع (ماما أسماء) سنة 2004م في الملتقى الثقافي لسيدات جدة، ثم كرّمتها سيدات رواق مكة المكرمة عام 2006م، ثم كرّمها في العام نفسه مهرجان الخليج التاسع للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في البحرين .. ولكن يبقى ما هو أهم من التكريم رصد مسيرة (ماما أسماء) الإذاعية وإنتاجها الكتابي.

ص. ب: 54753

الرياض: 11524- فاكس: 4656444


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد