Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/06/2007 G Issue 12670
الرأي
الخميس 21 جمادى الأول 1428   العدد  12670
عمق تأثير العلاقات الإنسانية في حياتنا.. إلى أي حد؟
مي سالم عبدالله - رجال ألمع

هناك أشخاص نمرُّ بهم في حياتنا ونبني معهم علاقات قوية وعميقة، وتتحول هذه العلاقة إلى كيان حاضر في عقولنا ونفوسنا وسلوكنا. وعلاقة بهذا المستوى من الحضور لا تأتي من فراغ وإنما تكون نتاج مستوى غير عادي من الحب القوي ومن الإعجاب الشديد ومن الانسجام والتوافق في الرؤى والقناعات والأفكار.

البعض من هؤلاء الأشخاص تجدهم يغذون حياتنا تغذية سليمة، يضخون فيها كمّا هائلا من العطاء بلا حدود، تشعر معهم ببحبوحة وسعة على جميع مستويات الحياة، فتحس بالبركة حتى في الزمن، وهذا الإحساس يعطيك مساحة زمنية ونفسية رحبة لإنجاز ما كنت تتصور أنه من رابع المستحيلات إنجازه، علاوة على ذلك تشعر بالسكينة والطمأنينة في أدق صورها رغم أنهم كأسلوب حياة في أقوى حالات الصخب الحياتي، وهذا التعبير يعني تحديدا أنهم خارج دائرة الركود والخمول العضوي والذهني والنفسي.

تجد نفسك تشعر معهم بالانبساط الحقيقي ليس لأنهم يغدقون عليك ماديا، فأنت في الغالب لست جزءا من مسؤولياتهم المادية، ولا هم يغدقون عليك بالنصائح لا تسمع كذا، وألبس كذا، ولا تفعل كذا بشكل مباشر أو بصيغة أنك لست ممن يرجى منه الخير، هم يتعاملون معك هكذا لأنهم هكذا (شيء مختلف).

لا أبالغ إذا ذهبت إلى أنهم طوال فترة تواصلك معهم هناك بصمة قوية تنطبع فيك أو عليك نتيجة لتواجدهم في حياتك، وهي تحسن صحتك العضوية فتمتلئ جسديا ووجهك يصبح أكثر إشراقا ويزيد حجم عضلات وجهك، رغم أنهم لم يجلبوا لك لا غداءك ولا عشاءك ولم يؤكلوك لقمة واحدة لا بأيديهم ولا من أموالهم، ولكنهم تمكنوا من أن يمنحوك الإحساس بالراحة النفسية والعضوية.. حتى في تلقي جسدك للطعام.

معهم تشعر بأنك متحرر من كل قيود الإتيكيت السلوكي والاجتماعي، وأنك متحرر من الإحساس بالتهميش أو الضغط أو الكبت أو القمع أو الإقصاء، تشعر بأن ذاتك متواجدة معهم ومع ذاتك وبوضوح شديد وبطمأنينة تامة وبسعادة غامرة.. هم يحبونك من أعماقهم ويتعاملون معك بإخلاص؛ لأن طريقتهم هكذا في التعامل مع جميع تفاصيل حياتهم حتى مع أدواتهم الشخصية، مع أقلامهم، مع مقتنياتهم، مع الأشخاص الذين يحيطون بهم وأنت جزء من هذه التفاصيل، فلا تتصور للحظة من اللحظات أنك تعامل هكذا لأنك شيء مختلف أو لأنك ذو حظوة لديهم.

وتأثيرهم هم في حياتك يصل إلى مراحل أجمل وأعمق مما تتصور؛ فهم قادرون على أن يحسنوا علاقتك بأعز الناس إليك حتى أنك تتمنى وأنت معهم أن تحتضن أمك أو أباك أو قرينك لحظة الحديث لدرجة أنك تقول في نفسك متى أقابلهم فأحتضنهم بنظراتي وبذراعي!

وبالمقابل بنفس مستوى القوة من العلاقة تجد البعض الآخر يمتصون الصحة والعافية التي تتمتع بها، فعلا وبدون مبالغة تجدهم يمتصونك جسديا، ليس لأنهم يوظفونك بالسخرة من السادسة حتى السادسة في عمل شاق، بل على العكس من الممكن أن يجلسوك على أوثر المقاعد ولكن مع هذه الجلسة يمتصون الإحساس العميق بالراحة ويضعون بدلا منه القلق، الإحساس باللاقناعة، الرغبة في المزيد دائما، دائما في كل شيء ومن كل شيء، هم يمتصون الإحساس بالشبع الجسدي والشبع النفسي ويحلون مكانه الإحساس بالجوع والخواء.

من المؤكد سيدي القارئ أن هناك مقدارا ما من التوتر انتقل إليك الآن لمجرد قراءة هذا المقطع، فما بالك بمعايشة جارك في عملك أو صداقاتك أو.. أو.. وهم يحقنونك به طوال فترة التعايش معهم!!

يجب أن نعلم أنهم في النهاية يعطونك مبادئهم الخاصة، ولك أن تقتنع أو لا تقتنع، هذه حرية فكرية وشعورية، وهذه المبادئ مع شديد الأسف قد يصل مستوى سوئها إلى إفساد التلذذ بالحياة، إفساد التلذذ بالقيم العظمى في حياتنا كبشر، مثل التلذذ بالزمن، بالوقت الذي هو عمرنا، ليالينا وأيامنا، إفساد التلذذ بالشعائر الدينية، إفساد التلذذ بالعلاقات التي قدمنا إلى الحياة وهي قبلنا وفرضت علينا وبالتالي لها علينا حقوق، وليس هكذا فحسب بل قد يتجاوزون إلى درجة تجميل الخطأ والإقرار به طالما أنه يوفر ولو النزر اليسير من الراحة التي لا يعلمون أنها ممزوجة بالكثير الكثير من الشقاء المقرطس بعملية التجميل السطحية فمنحتها غلافا براقا بريقه يخترق العيون فيعميها فلا تتمكن من الرؤية بوضوح.

اليقين بالنسبة لي الآن - بحق وبصدق - أنهم لا يقصدون الإساءة ولا التنغيص، كنوايا هم لا يقصدون أي شيء في الاتجاه السلبي، فقط هم كذلك، هكذا تركيبتهم، وهذا عذرهم؛ لأن طريقتهم هذه هم بأنفسهم يخضعون لها، وإذا كانت شخصياتهم مصقولة فهذه المبادئ وهذه القناعات هي التي صقلتها؛ ولذلك أقول: المؤكد أنهم لا يكرهوننا ولا يحقدون علينا ولا يحسدوننا.. ليست هكذا نهائيا، هم أصدقاء وأوفياء وقد يكونون أقرباء قرابة دم، ولو حصلت لحظة عتب منك تجاههم لوجدت حياتهم تنقلب رأسا على عقب ويسلكون كل السبل من أجل رضاك مع أنهم يرون أنهم صح! السؤال: أين أنا وأنت من أولئك وتأثيرهم ومن هؤلاء وتأثيرهم؟ أترك الإجابة على هذا السؤال لبديهيتك أيها القارئ الكريم.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد