Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/06/2007 G Issue 12686
الاقتصادية
السبت 08 جمادىالآخرة 1428   العدد  12686
إدراجات شركات التأمين الجديدة بين زيادة عمق السوق وتنشيط المضاربة

*الرياض - عبدالله البديوي

لا تزال هيئة السوق المالية تبذل جهوداً متواصلة لتحسين أوضاع السوق المالية الحالية من خلال إصدار العديد من القرارات التي تهدف إلى إحداث نقلة نوعية له من كونه سوقاً ناشئة تكثر فيها القرارات المتخبطة والتذبذبات القوية إلى أن تصبح في المستقبل سوقاً أكثر تنظيماً يغلب على مسارها طابع الهدوء والاتزان كما هو الحال في تلك الأسواق (المخضرمة) التي قلما يحصل فيها ارتفاعات مبالغ فيها كالتي يعاني السوق السعودي منها في الوقت الحالي.

ولعل أهم القرارات التي حرصت الهيئة عليها في الوقت الحالي ضخ وإدراج العديد من الشركات الجديدة في السوق، وهي القضية التي أضحت محور اهتمام المحللين واحتلت صدارة نقاش المتداولين، إلا أن موقف الهيئة من هذه القضية كان واضحاً جداً، وأكدت في أكثر من مناسبة أن هدفها من هذه الإجراءات هو (تعميق السوق وتوفير الفرص الاستثمارية للمواطنين)

تعميق للسوق أم تنشيط للمضاربة؟

خلال الفترة القريبة السابقة تم إدراج 4 شركات حديثة في قطاع التأمين هي (ملاذ) و(ميدغلف) و(ساب تكافل) و(سلامة) وعلى الرغم من أن جميع هذه الشركات تملك قواسم مشتركة فيما بينها، سواء من ناحية أنها شركات حديثة التأسيس ولها نفس النشاط ولم تصدر أي من تلك الشركات أي قوائم مالية سنوية يبني عليها المحللون الماليون السعر العادل لتلك الأسهم إلا أن السعر السوقي لتلك الشركات قد تفاوت تفاوتاً كبيراً يدعو للاستغراب، فبينما استقر سعر (ميدغلف) عند 23 ريالاً تقريباً قارب سهم شركة (ملاذ)الـ 27 ريالاً، ووصل سعر شركة(ساب تكافل) لـ96 ريالاً في أول أيام تداوله! وهو أكثر من ضعفي سعر السوق لزميلتيها في نفس القطاع (ميدغلف) و(ملاذ) بينما لا تزال (سلامة) تحاول اللحاق بها وأقفلت عند 67 ريالاً!

إن التذبذب الكبير بين أسعار تلك الأسهم في ظل ظروف متشابهة كلياً لا يمكن أن يعود في النهاية إلا لسبب واحد هو (المضاربة) التي ربما تكون هي العامل الرئيس لتحديد أسعار هذه الأسهم الجديدة ووسط هذه الظروف التي يغيب فيها التحليل الأساس.

إن التفاوت الكبير في أسعار شركات التأمين الحديثة التأسيس والإدراج يرجع إلى عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب في كل منها، فشركة ميدغلف يبلغ رأس مالها 800 مليون ريال وطرحت 20 مليون سهم للاكتتاب العام وهو رقم كبير نوعاً ما، بينما طرحت (ملاذ) أكثر من 14 مليون سهم للاكتتاب العام وهو رقم معقول ومقارب لميدغلف، ولذلك نرى انخفاضاً نسبياً في أسعار هذين السهمين وهدوءاً واضحاً في نسبة التذبذب لكل منهما.

أما (ساب تكافل) و(سلامة) فلا يتجاوز رأس مال كل منهما الـ100 مليون ريال طرحت الأولى منهما 3.5 ملايين من أسهمها للاكتتاب، بينما طرحت الثانية 4 ملايين سهم فقط، وسجلت هذه الشركات مع شركة (الأنابيب الفخارية) أقل أسهم مطروحة بقصد الإدراج في تاريخ السوق، وهذه القلة في عدد الأسهم كانت المسبب الرئيس لما يجري في تلك الأسهم من مضاربات عشوائية وتذبذبات حادة نظراً لسهولة التملك في تلك الأسهم والسيطرة عليها وهو ما يتعارض مع مفهوم (عمق السوق)، فسهم شركة (ساب تكافل) مثلاً وصل في اليوم الأول لسعر 96 ريالاً قبل أن يفقد 40% منها ويصل لسعر 55 ريالاً ثم واصل ارتفاعه بجنون ليقفل عند 86 ريالاً، وكل هذه الأحداث تمت في أسبوع واحد فقط.

ولذلك يرى العديد من المتداولين أن الكثير من الأسهم الحديثة الإدراج ساهمت وبقوة في حدة التذبذبات ومساعدته على الاستمرار بنهجه المضاربي البحت، وهي التي قد جيء بها لتكون عوناً على القضاء على هذه الممارسات، فكانت كالداء الذي زاد من علة المريض.

ويرى العديد من المحللين والاقتصاديين أن الحل لهذه المشكلة ليس بتلك الصعوبة على الإطلاق، وما على هيئة السوق المالية إلا أن تعيد من ترتيب بعض الأوراق وتنظيم بعض اللوائح الجديدة لتمنع من تكرار أخطاء الماضي، وتعالج وضع بعض الاكتتابات الجديدة بأن تزيد عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب، بأن تصدر الهيئة على سبيل المثال نظاماً يمنع طرح الشركات التي تقل رؤوس أموالها عن 200 مليون ريال مثلاً، أو زيادة النسبة المطروحة منها للتداول، فلو كان هناك شركة ستطرح برأس مال يبلغ 100 مليون مثلاً تلزم الهيئة تلك الشركة إما برفع رأس مالها أو زيادة النسبة المطروحة لـ70% عوضاً عن 30% فقط، وبالتالي تزيد على الأسهم المتداولة في السوق، وتزيد من صعوبة الاحتكار وتقلل من نسبة المضاربة العشوائية والتذبذبات القوية، وهو الهدف الأول من زيادة (عمق السوق).

المتداول مسؤول أيضاً:

إن تحميل هيئة السوق المالية جزء من المسؤولية لا يعفي المتداول والمستثمر في السوق عن تحمل جزء كبير منها، فالثقافة الاستثمارية لدى العديد من المتداولين تشوبها العديد من الأخطاء، ولعل ما نتطرق له هنا هو ما علق في رأس العديد من المتداولين من أن قلة الأسهم في شركة ما هو محفز لا يضاهيه أي محفز آخر، وضخامة عدد الأسهم في الشركة الأخرى هو أكبر السلبيات فيها، وهذا التفكير لم يأتِ من فراغ بل هو من واقع السوق المضاربي البحت والذي تنطلق فيه أسعار الشركات الصغيرة إلى أسعار كبيرة (حتى وإن كانت شركات خاسرة) ولكن هذا الواقع لا يعدو عن كونه مسألة وقتية لا يمكن أن تستمر، وأن هذه النظرية - عدد الأسهم - لا يمكن أن تكون سليمة في نظر التحليل المالي، وإلا فإن شركة ضخمة مثل (سابك) التي يبلغ رأس مالها 25 مليار ريال تحقق عائداً للسهم يتجاوز الـ10 ريالات، بينما لم تحقق كثير من الشركات الصغيرة التي لا تتجاوز رؤوس أموالها الـ150 مليون إلا الخسائر طوال تاريخها.

لذا فإنه من الواجب على المتداولين في السوق التخلص من العديد من النظريات الاستثمارية الخاطئة التي ساعدها على نشوئها وضع السوق الحالي الذي يمر بفترة تصحيح، لنصل في النهاية لسوق رشيد التي تتخذ فيه القرارات الرشيدة ويتميز بثقافة استثمارية سليمة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد