Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/06/2007 G Issue 12687
الاقتصادية
الأحد 09 جمادىالآخرة 1428   العدد  12687
اقتصادات خليجية صاعدة.. ودولار متذبذب
د. عبدالعزيز بن حمد القاعد

شهد الدولار تراجعاً حاداً في الفترة الأخيرة، حيث سجل انخفاضاً أمام العملات الرئيسة بشكلٍ ملحوظ. فقد تراجع أمام الين الياباني إلى مستوى يقارب من 123 ين مقابل كل دولار، وكذلك أمام اليورو إلى ما يقارب من 0.741 يورو لكل دولار

هذا التراجع في القوة الشرائية للدولار لا شك أنه يخدم الاقتصاد والمصالح الأمريكية على وجه الخصوص. ولتوضيح ذلك بشكلٍ مبسط، نفترض أن سعر صرف الدولار سابقاً مقابل اليورو يعادل (0.641 يورو = 1 دولار)، فالمستورد الأمريكي مثلاً لبضاعة أوروبية قيمتها مليون دولار يحتاج إلى 641.000 يورو، وعندما تغير سعر الصرف إلى (0.741 يورو = 1 دولار)، فإن هذا المستورد يحتاج إلى 741.000 يورو لاستيراد نفس البضاعة، بمعنى آخر البضائع الأوروبية تصبح عالية ويقل الطلب عليها بالنسبة للمستهلك الأمريكي، بينما تصبح البضائع الأمريكية للأوروبيين أرخص ويزيد الطلب عليها، فالمستورد الأوروبي لنفس البضاعة يحتاج الى 1.560.062 دولاراً تقريباً، أما وقد ارتفع سعر صرف اليورو أمام الدولار فهو يحتاج الآن إلى 1.349.528 دولاراً مما ينتج عنه زيادة في الطلب على البضائع الأمريكية وسيتحسن العجز في الميزان التجاري الأمريكي. تمتاز الدول الصغيرة التي تستخدم سعر الصرف المربوط إلى عملة أو سلة من العملات بصغر الحجم كذلك درجة الانفتاح العالية على الأسواق الخارجية حيث تعتمد بشكل كبير ورئيس على الصادرات من السلع الأولية والواردات، أضف إلى ذلك محدودية تنوع القاعدة الإنتاجية بحيث يتم التبادل مع دولة أو دول معينة في التجارة الخارجية ولذلك تآكل سعر الصرف سيضر الدولة المرتبطة بهذه العملة. اللافت للنظر كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن خيارات ربط عملتنا الوطنية بعد خطوة دولة الكويت الشقيقة هجر ربط عملتها الوطنية (الدينار) بالدولار الأمريكي إلى سلة من العملات، بسبب زيادة التضخم الناتج عن تآكل قوة الدولار الشرائية أمام العملات الدولية الأخرى، فقد اقترح بعض الاقتصاديين والمحللين الماليين رفع سعر صرف الريال أمام الدولار خصوصاً إذا كنا لا ننوي هجر الارتباط بالدولار نهائياً، وقد عزوا هذا الرفع إلى انخفاض قيمة الدولار أمام العملات الرئيسة الأخرى مما سبب لنا ارتفاعاً كبيراً في كلفة الواردات. قد يكون هذا الطرح منطقياً بحكم أننا نستورد معظم ما نحتاجه من الأسواق الخارجية وبخاصة خارج منطقة الدولار، وبالتالي رفع سعر صرف الريال يؤدي إلى تحسن قوة الريال الشرائية وكبح جماح ارتفاع الأسعار. على الجانب الآخر نرى أن هذا الطرح سيمكن السلطات النقدية السعودية من إصدار مبالغ نقدية أقل مقابل موجوداتها من الدولارات كما كان سابقاً، وهذا يُحدث ارباك في السياسات المالية والنقدية. علاوة على ما ذكر نرى أن المملكة بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والاستفادة من المزايا التي تتمتع بها يجعلنا نقول في هذا السياق ان رفع سعر صرف الريال أمام الدولار سيرفع كلفة صادراتنا إلى الأسواق الخارجية، وهذا قد لا نرغب في حصوله كوننا نسعى إلى تنويع قاعدتنا الإنتاجية وزيادة مكانتنا التنافسية في الأسواق الخارجية.. يبقى السؤال المهم هل كل مرة يتقلب فيها سعر الصرف نعيد تقييم ريالنا؟؟ لا شك أن مثل هذه السلبيات ستشكل عقبة كبيرة أمام هذا الخيار خصوصاً عند مفاضلته مع خيار ربط عملتنا الوطنية إلى سلة من العملات. إذن والحال هكذا فإن تفضيل الارتباط بعملة كالدولار وبقائه دون تغيير يعتبر الأسهل من الناحية العملية، حيث إن مثل هذا الربط يقلل من التقلبات الحادة في سعر الصرف وإذا استقر سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى، فإن عملتنا الوطنية ستشهد استقراراً يساعد على زيادة الفرص الاستثمارية والتدفقات المالية ويرفع الثقة بعملتنا الوطنية. أما إذا كان الارتباط بالدولار غير مستقر أمام العملات الأخرى (أي أن عملتنا الوطنية معومة أمام العملات الرئيسة الأخرى)، فإن هذا سيشكل لنا أعباء كبيرة منها التأثير في سياساتنا المحلية المتبعة وأهدافها وبذلك يكون له تأثير واضح في القطاع الخارجي (الصادرات والواردات) وزيادة فرص المضاربة على عملتنا الوطنية، كذلك من أبرز الآثار السلبية أثره في كلفة الواردات من الشركاء غير التجاريين، فإذا انخفضت قيمة الدولار مثلاً، ارتفعت أسعار الواردات من الدول الأخرى مما سيرفع الأسعار المحلية وبالتالي المؤشر العام للأسعار، وهذا ملحوظ بشكل جلي في وقتنا الحاضر.

وبالنظر إلى جملة السلبيات آنفة الذكر.. ما الرابط الأفضل بالنسبة لبلداننا الخليجية؟

الربط إلى حقوق السحب الخاصة أو إلى سلة من العملات. فالربط إلى سلة من العملات يحتسب إما باستخدام مؤشر الصادرات الموزون أو مؤشر الواردات الموزون أو متوسط المؤشرين الموزونين بنصيب الصادرات والواردات من إجمالي الصادرات والواردات. فمؤشر الواردات الموزون هو الأقرب إلى واقعنا، لأن مؤشر الصادرات الموزون يعكس هيمنة الدولار على هذه الصادرات. البلدان الخليجية تصدر النفط وأسعاره تتحدد في الأسواق الخارجية بينما واردات البلدان الرئيسة من الدول النفطية لا تتأثر بتقلبات أسعار صرف هذه البلدان، بينما نجد من الناحية الأخرى أن واردات البلدان الخليجية متنوعة ومن بلدان مختلفة وتقلبات أسعار صرف هذه البلدان المصدرة تنعكس سلباً على الأسعار المحلية وبالتالي على ارتفاع المؤشر العام للأسعار، ناهيك عن انخفاض ضغوط المضاربة على العملات المحلية بسبب انخفاض المخاطرة لوجود سلة من العملات.

إذاً خيار الربط الأمثل يتجه إلى سلة العملات باستخدام مؤشر الواردات الموزون، وهذا لابد أن يتم عن طريق دراسة متأنية آخذة في الاعتبار الجوانب والآثار الشاملة لكل خيار بحيث نحقق أقل أثر سلبي على الأسعار المحلية، ونحقق استقرار العملة الوطنية بعيداً عن ضغوط المضاربة وبما يحقق النماء والازدهار للاقتصادات الخليجية.

كلية الملك عبدالعزيز الحربية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد