إنّ التوافق بين المعلِّم والمتعلِّم في أيّ مرحلة من مراحل التعليم، هي بداية طبيعية للتحصيل المعرفي والسواء السلوكي.
هذا التوافق المفترض لا يتحقّق إلاّ بجهد المعلِّم المسئول عن أداء الدور التربوي، وعن ترشيد طموحات الطالب، وتوقُّعات المجتمع وآمال أولياء الأمور.
إنّ إدارة العملية التربوية داخل الفصل وخارجه، أي النشاط الصفي واللاصفي، تنهض على وعي المعلم بمطالب المرحلة العمرية التي يتعامل معها، وعلى ثقافة المجتمع المحيط بالمؤسسة التعليمية وعلى اتجاهات أولياء الأمور، وعلى استعداد الطالب للتلقِّي، والقدرة المهارية للمعلم للتوصيل الجيد، وتحويل ما يتعلّمه الطالب إلى سلوك مرغوب فيه ورشيد ابتداءً من رياض الأطفال وحتى الدراسة الجامعية.
والمعلم داخل الفصل مسئول عن توجيه نمط التفكير، وليس في هذه العملية من استسهال أو تبسيط نظراً لأنّها الدور الرئيس الذي يضطلع به المعلم وهي أساس جهده وتفانيه.
وإذا لم يكن المعلم على سعة من مهارات الاتصال وتفاعل العلاقات الارتباطية بين طرفيْ العملية التعليمية (معلم - طالب)، فلن ينجح في بلوغ مرام العملية التعليمية التي هي في الأساس اجتهاد بشري للارتقاء بالسلوك الإنساني، وهي أساس تعاقب عمليّتيْ التفكير والممارسة، وهي مرتكز الحوار الحياتي المعاش، بما تتضمّنه من ممارسات ومسلكيات تفاعلية مع البيئة المدرسية أو الجماعية والبيئة الاجتماعية بمكوّناتها وأنساقها ومؤسساتها، وإزاء هذه الرؤية فثمة استنتاج وهو أنّه لن تؤتي العملية التربوية عملها إلاّ بعقلانية والتفكير ومهارة وحكمة المعلم.
فإذا ما حدث تورُّم خبيث في العلاقة بين المعلم والطالب فمن المسئول؟ وكيف تعالج؟
أحياناً يكون المعلم هو المسئول عن تورُّم العلاقة بتصرُّفات غير مسئولة تأتي من جانبه حيث يتصوّر خطأ أنّه الآمر الناهي في قاعة الدراسة، وأنّ كلامه لا يرد يبني عليه سلوكاً صراعياً بينه وبين الطالب، وفي هذه الحالة يكون المعلم عائقاً لعملية التحصيل والممارسة، وإزاء ذلك يجنح الذهن ويتبلّد السلوك وتتصلّب الممارسة.
وحينئذ يكون المعلم في حاجة لإعادة تأهيل على المستوى السلوكي.
ومن ناحية أخرى قد يكون الطالب هو المسئول عن تورُّم العلاقة، والسبب في ذلك وهن المؤسسات التربوية في البيت - النادي - المدرسة ذاتها - الإعلام ... فهي تؤثر في أنساق السلوك، كما تؤثر في منتج التنمية الإنسانية والاقتصادية وغيرها من مجالات التنمية المختلفة.
وسبق لنا في مقالات أخرى أن تناولنا قضية التعليم باعتبارها قضية إستراتيجية، وبهذا ينطلق التعليم قُدماً للأمام على أساس سوية العلاقات في المحيط كله (بيت ومدرسة ونادي ومسجد ...) ويمتد هذا إلى العلاقة مع أفراد الأُسرة - أب - أم - أخوة - أقارب.
ولتحقيق الإستراتيجية المتوخّاة من التعليم يجب تخلُّصها من الإدارة المتسلّطة واستبداد المعلم الذي يحول دون النمو العقلي والنمو الاجتماعي الصحيح، وعلى المعلم انتقاء المفاهيم المراد تزويد الطالب بها، وأن يتجه المنهج نحو تقصِّي المعرفة وتحريض الطالب على التفكير وعقلانية الحوار.
وبالنسبة للمعلم عليه أن يكون مزوداً بفهم متطور لأنماط الشخصية وخصائصها، وبإمكانات تطوير الحياة وتعديلها تعديلاً متكافئاً منصفاً.
أمّا بالنسبة لعملية التربية في عمومها، فهي ترمي إلى إعداد الطلبة ليندمجوا مع تيار المجتمع المتأمل المتسائل عن إمكانية تزاوج الأصالة مع الحداثة للانطلاق نحو ما بعد الحداثة التي سبقنا فيها الغرب.
كما تستهدف تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق وفي القيمة الإنسانية، والمساواة في المسئولية التي تبني على وحدة الأصل ووحدة المصير ما لم نعدل في الاتجاهات.
إنّها استهلال بديهي لمسيرة تربوية إنسانية حضرية أساسها جدارة الارتقاء على سلَّم المعرفة العلمية، ووضع المحدّدات اللازمة لتحقيق الإستراتيجية التربوية، وتحديد مبادئها الحاكمة، وقواعدها الضابطة، ومنهجية يمكن اتباعها عند تطبيق المبادئ الموضوعة.
إنّه استقرار الإستراتيجية يتطلّب من الإدارة التربوية المرونة لمواجهة واقع متغيّر ومستجدات عصرية تتميّز عناصرها بالوضوح الكاشف عن الأهداف الاستراتيجية والمرونة والوعي بمتطلّباتها، والعلاقات التبادلية بين أطراف العملية التربوية والحق في ممارسة التغيير.
هذا التطوير الإبداعي يحتاج إلى تهيئة المناخ المناسب للممارسة العملية، والواقع الموضوعي في قياس مدى نجاح العملية التربوية في ترشيد وتقويم سلوك المتعلم.