Al Jazirah NewsPaper Sunday  01/07/2007 G Issue 12694
أصداء
الأحد 16 جمادىالآخرة 1428   العدد  12694
رجل خميس مشيط:عبد العزيز بن سعيد بن مشيط 1-3

كما أن لا غرابة في كلمة (رجل المرحلة)، فلا غرابة أيضاً في مثل (رجل خميس مشيط)، وسنرى في هذا الطرف من سيرة هذا الرجل أنه لا مكان هنا للمجاملات، والشاهد آت بلسان رجل لا يعرف المجاملات، وهو صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة الآن، وأمير منطقة عسير سابقاً، بحق عبدالعزيز بن سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط، محافظ محافظة خميس مشيط سابقاً، وأحد أعمدة أسرة آل مشيط شيوخ شمل قبائل شهران العريضة، وهي من أشهر الأسر في منطقة عسير والمنطقة الجنوبية.

وُلد سنة 1360هـ في خميس مشيط، في حي آل مشيط المسمّى (ذَهْبَان) في قصر (ذَهْبَان)، وتلقى تعليمه على أيدي بعض المعلمين مثل: موسى بن فرج، وسلمان بن معيض، ومحمد بن مانع، وغيرهم ممن كان والده يأتي بهم على حسابه، يعلمون أولاده (كبار إخوان المترجَم) وأولاد المحيطين به القراءة والكتابة ويحفّظونهم القرآن والتوحيد والفقه وشيئاً من الحساب، وغير ذلك، ولم يكن في وسائل تعليمهم حينها حتى اللوح الذي يُكتب عليه أو غيره، فكان المعلم ينقش في الصف أحرف الهجاء (أ، ب، ت، ث، ج...) على جدار صخري، ومن الطريف أن هذه الحروف موجودة إلى اليوم على الحائط داخل القصر.. كما كان من جهة أخرى يجالس قضاة خميس مشيط الذين يعملون إلى جانب والده في الإمارة مثل الشيخ سعد بن سعدان، ومن بعده الشيخ عبدالله بن عيدان، فقد كانا يُلزمانه بقراءة الصحف عليهما بصوت عالٍ، ولم يكن هناك غير أوائل الصحف مثل (البلاد) و(أم القرى)، وكلما غلط في اللغة يردّان عليه لتقويم لسانه وتصحيح غلطه.. ثم انتقل إلى المدرسة الحكومية التي ألحقت بقصر والده بذهبان، وهي أول مدرسة حكومية في خميس مشيط، وتخرج منها سنة 1375هـ.

بدأت مسيرته العملية مع والده في إمارة قبائل شهران عام تخرجه، فكان مسئولاً عن تسلم المكاتبات الرسمية والتعاميم التي تَرِد من أمير أبها (الأمير تركي بن أحمد السديري ثم الأمير تركي بن ماضي رحمهما الله) المرسلة إلى والده (أمير شهران) سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط، وعمل إلى جانب هذا العمل في التدريس، وهي الوظيفة الأكثر انتشاراً حينذاك، فالتحق بوزارة المعارف مدرساً من سنة 1375هـ حتى سنة 1381هـ التي تولّى في أواخرها العمل رسمياً خلفاً لوالده أميراً لخميس مشيط فمحافظاً لها.

في 23- 8- 1381هـ خَلَفَ عبدالعزيز بن مشيط والده أميراً لخميس مشيط في وقتٍ كانت الحياة تعتمد على الزراعة في المقام الأول، وكان الناس يعتمدون على البُرّ والسمن ولحوم الغنم والعيش..

كانت الحياة الاجتماعية حينذاك في غاية البساطة، وكانت خميس مشيط ملتقى للتجارة، وسوقها الذي تحميه أسرة آل مشيط وإليهم نسبته منذ نحو300 سنة فتؤمّن السوق ثلاثة أيام من الأسبوع، وهي يوم السوق نفسه ويوم قبله ويوم بعده، والحماية لمن يأتي ويذهب ضمن حدود معيّنة، كما تحمي الأسعار والمكاييل والموازين من التلاعب - كان هذا السوق مَقْصِد أبها وظهران الجنوب وسَراة عبيدة ونجران وتثليث.. إلخ، فخميس مشيط السوق الرئيس لكل هذه المناطق لتسويق الحبوب (أكثر ما يعتمد عليه الناس في معيشتهم في تلك الأيام)، وتسويق الأغنام والإبل والسمن.. كان سوق خميس مشيط بلا شك من أنشط الأسواق التجارية من القديم، وهو ملتقى ثقافي للناس،.

ففي يوم الخميس نفسه إذا جاءت أوامر الحكومة يقرؤونها على الناس، فلم يكن هناك تعميم يُطبع ويوزّع، وإنما كانوا يأتون إلى موقع معيّن ومشهور، وهو معروف إلى اليوم في أطراف السوق، فيأتون بالأوامر وينادون: (عِلْم خير يا مسلمين، عِلْم خير يا مسلمين)، فيتجمّع الناس حوله، ويقرأ عليهم نصّ أوامر الحكومة، مثل: التحذير من بعض الأعمال، والمحافظة على الشجر الأخضر وعدم قطعه، وحثّ الناس للاستعداد للغزوة الفلانية، وغير ذلك.. فسوق الخميس ملتقى تجاري كبير يأتيه الناس من كل منطقة تقريباً، من نجران وتهامة وبيشة ووادي الدواسر، ويفترشون الأرض ويعملون مظلات من الخيام تغطيهم هم وبضاعتهم بعض الشيء، وكانوا يطلقون عليه اسم (سوق العيش)؛ لوفرة الحبوب فيه أفضل من أي مكان آخر.. كما كان يسمّى (موجان) تشبيهاً له بموج البحر؛ فقد كانت أصوات الناس وتحريج الباعة ومناداتهم ورنين المعادن تسمع على بعد كيلين من السوق، فسمّي (موجان) لهذا؛ لكثرة مَن فيه من الناس، وكثرة مَن يتسوّق فيه، وكثرة المواشي.. فهو سوق يموج كموج البحر، والحركة فيه مستمرة، ويمثل ملتقى ثقافياً لهذه العوامل.

في عام 1382هـ وصلتْ طلائع قوة الواجب السعودي خميس مشيط، وافتتح الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- مدينة الملك فيصل العسكرية في 24- 7- 1391هـ، كما أنشئ في خميس مشيط بعد ذلك قاعدة الملك خالد الجوية.. ولقد شكل كل هذا بداية لمسيرة النهضة في خميس مشيط ونقطة تحول في حياتها، وكان عبدالعزيز بن سعيد بن مشيط (رجل خميس مشيط) الشخصية الحاضرة دائماً مع مسيرة تنمية وتطوير المحافظة.. وما كانت المهمة يسيرة لرجل خميس مشيط لينتقل بها وبأهلها من تلك الحياة البسيطة التي تعتمد على الزراعة إلى التطور الذي تنعم به اليوم، فقد كان بعض الأهالي يتمسّكون بأوضاعهم القائمة، ويرى بعضهم أن التطوير في غير صالحهم! فطالت معاناة ابن مشيط من أولئك الذين قضوا معظم وقتهم في تقديم الشكاوى والاعتراضات على المشاريع، وبإشغال الإمارة والبلدية بتقديم اعتراضات ودعاوى غير مجدية.

لقد كانت رحلة (رجل خميس مشيط) مع نقلة محافظة خميس مشيط التنموية شاقة جداً في ظل تخوّف بعض الأهالي، لقد كانت خميس مشيط في السابق مجموعة من القرى الصغيرة التي تضم عدداً قليلاً من البيوت، واليوم أصبحت تلك القرى أحياء كبيرة في المدينة الكبيرة (خميس مشيط)، وحدود خميس مشيط اليوم:

غرباً من مدينة الأمير سلطان التي تتبع أبها باتجاه الشرق مروراً بخميس مشيط إلى مركز وادي ابن هشبل ومركز تندحة ومركز المضّة ومركز يَعرى، وأُحدث مركز سادس في الحفاير.. ولا تقل مساحة المحافظة عن (100\ 150) كيلومتراً مربعاً، ويتبعها قرى لا تقل عن 300 قرية.. وقد توسّع البناء والعمران في مدينة خميس مشيط حتى ارتبطت بمحافظة (أَحد رفيدة) القريبة منها، والعَمار لا يقل عن (50 \ 70) كيلومتراً كله بناء وعمار، ومدينة خميس مشيط اليوم تعدّ من أكبر المدن في جنوب المملكة من ناحية عدد السكان والمساحة. وبدأ التعليم في خميس مشيط بمدرستين فقط، وفي آخر أيام عمل ابن مشيط محافظاً وصل عدد المدارس إلى 229 مدرسة تضم أكثر من 50445 طالباً، وتجاوز عدد مدارس البنات 122 مدرسة، ووصل عدد الطالبات إلى نحو 22759 طالبة.

لقد تطوّرت المحافظة تطوّراً ملحوظاً في الخدمات العامة وتوفّرت جميع الخدمات من برق وبريد وهاتف ومواصلات وطرق ومياه محلاة وصرف صحي، وخطّطت الأرض وانتشر العمران في كل اتجاه من المحافظة، وأقيمت الفنادق والمنتجعات السياحية والشقق المفروشة والأسواق الكبيرة والمتوسطة والمصانع.. وتنعم المحافظة بالحركة ليلاً ونهاراً.

إن خميس مشيط المدينة والمحافظة مدينة لرجلها عبدالعزيز بن سعيد بن مشيط بالكثير، فقد كانت تنميتها جزءاً من حياته، وسارت مسيرة التنمية في المحافظة جنباً إلى جنب مع حياة رجلها..

ولقد لقي (رجل خميس مشيط) من أهلها جانباً كبيراً من الوفاء موعدنا معه.. (الحلقة القادمة).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد