Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/07/2007 G Issue 12710
الرأي
الثلاثاء 03 رجب 1428   العدد  12710

(رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)
عبداللطيف بن إبراهيم بن محمد الغضية

لما أنعم الله على هذه البلاد الكريمة تحكيم الشريعة.. الكتاب والسُنة، والرجوع إليهما في جميع شؤون الحياة رغد عيشها، وكثر خيرها، وهنأ شعبها، وتوحد رأيها وساد الأمن في أرجاء البلاد، وهذه من أكبر نعم الله على عباده أن يصبح الإنسان آمناً على نفسه، مطمئناً على عرضه، لا يخاف ظلم ظالم، ولا جور جائر، عندها ليس لنا إلا أن نتمسك بهذا الدين، وأن نعضّ بالنواجذ على هدي سيد المرسلين، فهذا هو السبيل الوحيد لاستبقاء النعم وعدم زوالها.. ومن هذه النعم العظيمة التي نتفيأ ظلالها ليل نهار نعمة الأمن التي - بحمد الله- تمتاز بها بلادنا العزيزة (المملكة العربية السعودية) في وقتٍ تشتكي من فقده كثير من كبرى بلاد العالم التي تكتوي بلظى النزاعات والخلافات العقيمة التي أكلت الأخضر واليابس. وهي التي تزعم أنها بلد الحضارة والتقدم. والأمن مقدم على السعي في الرزق، وتأمين المعيشة؛ حيث الأمن هو السبيل لذلك، وكيف لنا بمعيشة يحوطها الخوف، والقلق، والتشتت؟.. لذا كانت دعوة نبينا إبراهيم عليه السلام صريحة في ذلك، قال تعالى: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) إلى قوله تعالى: (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (35-37) سورة إبراهيم.. في هذه الآيات قدم الأمن على طلب الرزق؛ لأنه لا يهنأ عيش بلا أمان.

والأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار مطلب ضروري من مطالب الإنسان؛ ففي ظل الأمن يرغد العيش وينتشر العلم ويتفرغ الناس لعبادة ربهم ومصالح دنياهم وتنبت شجرة الهناء؛ والأمن كذلك منة من الله يجب شكرها والقيام بحقها والحفاظ عليها، وقد امتن الله تبارك وتعالى على أهل مكة في مواضع كثيرة من كتابه بنعمة الأمن؛ حيث يقول سبحانه: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).

ومن أحد الأسباب في الحفاظ على نعمة الأمن هي طاعة الله بتنفيذ الأوامر وترك النواهي ومن تلك الطاعات التي فيها الأمن النفسي، والروحي والأمن كله هي الركن الثاني من أركان الإسلام؛ الصلاة، التي تبعث للنفس الحياة، والاستقرار ولا يتحقق ذلك إلا لمن قام بها على الوجه الأكمل والأتم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلَّى الصبح فهو في جوار الله، فلا تخفروا الله في جاره، ومن صلَّى العصر فهو في جوار الله فلا تُخفروا الله في جاره).. ومعنى تخفروا أي لا تغدروا.

وإذا العناية لاحظتك عيونها

نم فالمخاوف كلهن أمان

والأمن هبة كبيرة من الله ليتحقق بذلك الاستقرار للشعوب في بلادها ولتستمر عجلة الحياة نحو بر الأمان بكل غبطة وحبور، والرسول صلى الله عليه وسلم قد استشعر تلك الغبطة لمن تحققت له نعمة الأمن قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا) رواه الترمذي وابن ماجه؛ ففي هذا الحديث جعل النبي صلى الله عليه وسلم تمام اكتمال الاستقرار في الحياة بلا مشاكل قائم على ثلاثة أصول: الأمن في الأوطان، والمعافاة في الأبدان، والرزق والكفاف، ففقد الأمن فقد لثلث الحياة، وفقد الثلث خسارة كبيرة على الفرد والمجتمع على حد سواء نسأل الله العافية.

ومن مقومات الأمن في الأوطان شكر النعم بالقلب، والجوارح، والأركان وذلك بالإقرار للمنعم وذلك بحبه، والثناء عليه وذلك باستعمال تلك النعم في طاعة الله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

بعد هذا كله تبين لنا أن الأمن مسؤولية الجميع على الكبير، والصغير، الرجل، والمرأة كل على طريقته وبقدر استطاعته، وإن كان هناك رجال الأمن وقبلهم ولاة أمر هذه البلاد المتصدرون للحفاظ على الأمن ومقدرات البلاد، لكن هذا لا يعفينا بحال أن نشاركهم في الحماية والدفاع عن بلادنا المصونة حفظها الله من كل سوء ومكروه.

وربما يسأل أحد كيف لي أن أشارك في حماية بلادي وأنا فرد لا أملك شيئاً؟ والجواب على هذا هو أن البداية تنطلق من عندك فلا تسمح لأحد، مهما كان، أن يعبث بأمن وآمان البلاد المباركة، فلا تفتح على نفسك ثغرة يسدد فيها العدو سهامه، وأنت لا تشعر؛ فأنت أيها الطالب لا تسمح لجلساء السوء أن يكونوا أصدقاءك، مهما كان قربهم منك، بل لا تسمح لبعض وسائل الإعلام الهابطة أن تعشش وتوشوش في أفكارك فتلوثها، فكن حذراً من ذلك بطاعة الله، وطاعة الوالدين والقرب من الصالحين، والتحصن بالأوراد النبوية.. والكهل يجب عليه كذلك أن يكون عالماً بما يدور حوله؛ فلا ينجرف أو ينجر خلف النداءات المسمومة والأقلام المشبوهة المنحطة خلقاً وسلوكاً، وكذا الشاب لا تكون عاطفته هي التي تقوده دون دراية أو انضباط؛ فلا بد على الجميع من لجام الشرع الحق الواضح.

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سَراة إذا جُهَّالهم سادوا

أسأل الله تعالى أن يحمينا ويحفظنا من شر الأشرار وكيد الفجار وما اختلف فيه الليل والنهار، اللهم من أراد بلادنا بسوء فأشغله في نفسه واجعل الدائرة عليه.. اللهم احفظ ولاة أمر هذه البلاد، وعلماءها، وسائر شعبها من مغبات الفتن ما ظهر منها وما بطن.. اللهم اجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم أعز دينك وعبادك وأولياءك الصالحين.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

godh22@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد