في مساء يوم الاثنين الموافق الثالث من شهر جمادى الآخرة للعام ألف وأربعمائة وثمانية وعشرين للهجرة جاءتني رسالة عبر الهاتف الجوال مفادها أن اللواء متقاعد طلال المعجل قد توفي. ومن شدة الموقف لم أكن أصدق ما قرأته وجلست أتخيل صديقي وجاري العزيز وأتذكر مواقفه الطيبة معي ومع غيري وهل الخبر صحيح. وقلت -إن شاء الله- إن الخبر غير مؤكد، وفي صباح الغد من اليوم التالي ذهبت لمنزله -رحمه الله- ووجدت الكثير من الناس، فعرفت أن الله قد اختار صديقي الغالي. وهذه سنة الله في خلقه ولا اعتراض على ذلك.
إن الحديث عن رجل مثل اللواء طلال بن غالب المعجل يشعرك بأن بلادنا ولله الحمد تفخر برجال مخلصين متفانين في خدمة بلادهم بكل شرف وإخلاص؛ فلقد أفنى -رحمه الله- حياته لخدمة وطنه، وكان أحد رجالات الحرس الوطني المميزين؛ قيادة وخلقا وعدلا وتواضعا حتى تم إحالته على التقاعد بناء على طلبه.
إن من يعرف اللواء طلال سوف يتذكر ذلك الإنسان المحافظ على صلاته وعبادة ربه؛ الإنسان الطيب المحب للخير البشوش المتواضع مع الصغير والكبير. الإنسان الذي يحرص على إجابة الدعوة في المناسبات ويحرص على مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم لم يكن يهمه في ذلك منصب أو جاه أو مال. الإنسان الذي يصل أرحامه وأقاربه ويقف معهم ويساعدهم في السراء والضراء بل إنه -رحمه الله- له مواقف طيبة مع المحتاجين والفقراء لم يكن أحد يعلمها إلا الله. وما دمنا في هذا السياق أستشهد بموقف لي معه عرفت أنه يساعد الناس ويسد حاجاتهم وأنه من رجال الخير، فذات يوم قابلته وأنا ذاهب لصلاة العصر وأخذ يسألني عن أحوالي وهل بدأت البناء ويطمئن علي بأن لا أكون قد دخلت بمجال الأسهم، فقلت له: ادع لنا يا أبا منصور الله يرد أموالنا.
فقال -رحمه الله-: وكل الله سبحانه وأحسن النية ولا تنس إخوانك المحتاجين وإن شاء الله أن الله سوف يرزقك رزقا أفضل ومن حيث لا تدري، قلت له: آمين. فعرفت أن الرجل رجل خير فجزاه الله كل خير وجعل الله ذلك في موازين حسناته. كما أنه كان يغمرني -رحمه الله- عليه باتصاله علي أو عندما أقابله بشكره وثنائه علي عندما يقرأ مقالا أو قصيدة لي، ويقول: يا أخ نفل استمر الله يوفقك، فأنت ابن الوطن والوطن وأهله يستحقون منا الكثير والكثير، ونحن نفتخر بك في الحرس الوطني لأنك أحد ضباطه.
نعم، أيها الأخ الكبير، نعم أيها الجار الكريم، نعم أيها الإنسان الفاضل فقدناك وفقدنا طيبة قلبك ونبل أخلاقك وتواضعك وحبك للناس. ولقد رأيت تلك المحبة والتقدير في عيون المعزين الذين اكتظ بهم منزلك -رحمك الله- ولكن عزاءنا أن هذه سنة الله في خلقه، وأن كل من عليها فان. نعم لقد رحلت عنا أيها الغالي ولكن ذكرك باقٍ طالما إخوانك الكرام: حسين وفيصل، وأبناؤك: منصور وفهد وفيصل وعبدالعزيز وبقية إخوانهم موجودون، ونحن أصدقاؤك وأحباؤك معهم لن ننساك، فأنت في قلوبنا دائما.
ختاما.. أسأل الله العظيم أن يرزقك العتق من النار، وألا يحرمك مغفرته ورضوانه وجنته وصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأن يغفر خطاياك ويجمعنا وإياك في الجنة. كما أسأل الله أن يسقيك من أنهار الجنة ويكسوك من سندسها، ويغفر لك ويرحمك ويعافيك ويعفو عنك ويكرم نزلك ويوسع مدخلك، ويغسلك بالماء والثلج والبرد، وينقيك من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ويبدلك دارا خيرا من دارك، وأهلا خيرا من أهلك وزوجا خيرا من زوجك، وأن يدخلك الجنة ويعيذك من عذاب القبر ومن عذاب النار.. آمين يا رب العالمين.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
والحمد لله على قضائه.