Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/07/2007 G Issue 12715
الاصدار الدولي
الأحد 08 رجب 1428   العدد  12715
محاولة لفك لغز حياة الكاتب وليم شكسبير
الكتاب: Shakespeare ،The Biography
المؤلف Peter Ackroyd
الناشر: Doubleday

في قواعد اللغة التركية هناك زمن خاص لوصف تلك الأشياء المشكوك فيها؛ مثل الأحلام أو الأحداث التي لم يشهدها المتحدث، لذا فإنها وسيلة لتحذير السامع بأن يأخذ حيطته عند سماعه لذلك الحديث.

وعندما يتعلق الأمر بالكتب التي تتحدث عن أكبر كاتب مسرحي شهده التاريخ وهو وليام شكسبير، فهذا الزمن في اللغة التركية يصبح مفيدًا للغاية، وذلك بسبب الكثير من الشكوك التي أحاطت بحياته منذ مولده وحتى وفاته.

فقصة حياة وليام شكسبير ظلت الأكثر غموضًا بين السير الحياتية الأكثر شهرة حول العالم.

فربما يوجد ملايين البشر حول العالم ممن قرأوا شعر شكسبير ومسرحياته، لكن حياته الشخصية وأقواله الذاتية التي قالها في حياته الخاصة ظلت غامضة ولا نعلم عنها إلا القليل، سواء عن حياته مع والديه أو مع زوجته وأطفاله، وحتى أصدقائه المقربين لم يكتب منهم أحد تأريخاً أو ترجمة لحياة ذلك الكاتب.

فمن كان هذا الرجل؟..

بالطبع أن الإجابة عن هذا السؤال صعبة للغاية، ولكن طالما حاول كتّاب السير الحياتية اكتشاف ذلك الرجل الغامض بأي حال من الأحوال، ويحاولون أن يعرضوا استنتاجات علمية عن حياته، بعضها قد يكون شاذًا ومستغربًا، ولا يوجد دليل عليه، مما يترك القارئ في حيرة غير قادر على تحديد الغث من السمين بخصوص حقيقته.

واليوم ينضم اثنان من كتاب السير الحياتية من المشاهير إلى نادي شكسبير في محاولة لتأريخ حياته، أحدهما أستاذ جامعي أمريكي، والآخر أديب بريطاني، وحاول الاثنان إلقاء بعض من آرائهم الشخصية على شكسبير من خلال فيض أعماله وتأريخ فترته التي عاش فيها.

وقد جنح المؤلفان جيمس شابير وبيتر أكرويد إلى اتجاهين مختلفين تمامًا عن حياة شكسبير، ولكن بالرغم من ذلك كانت هناك أوجه شبه بين الكاتبين، ومن أبرز تلك الأوجه هو محاولاتهما للتخمين التي جاءت مثيرة وتثير العديد من التساؤلات بدلاً من أن تجيب عنها أو تفيد القارئ بالإيضاح.

ومن الصفات الأخرى المشترك للكتابين أنهما رصدا حياة شكسبير من الناحية العلمية، ولكن لأنهما من العلماء وليسا من الصحفيين فقد افتقدا طرق الوصول إلى المعلومات الهامة لحياة شكسبير، مثل تلك التي جمعها ستيفن جرينبلات في كتابه (ويل في العالم: كيف أصبح شكسبير بهذه المكانة)، والذي أصبح من أكثر الكتب مبيعًا وحقق نجاحًا مدويًا فور صدوره العام الماضي، ولكن رغم ذلك فقد استطاع المؤلفان أن يوسعا من فهمنا لعالم شكسبير الغامض.

ففي كتاب شابير اتخذ المؤلف توجهًا غير معتاد بأن قام بالتركيز على عام واحد فقط من حياة شكسبير وليس حياته كلها، وهو العام 1599 الذي شهد أروع كتاباته ومسرحياته على الإطلاق، بما في ذلك (هاملت)، (كما تهواها) و(يوليوس قيصر).

وفي كتابه (عام من حياة وليام شكسبير) يتطرق شابيرو إلى التوترات التي تميزت بها ما يمكن أن يوصف بأنه بداية النهاية لعصر الملكة إليزابيث الأولى، فشابيرو يعمل أستاذًا للغة الإنجليزية بجامعة كولومبيا الأمريكية.

وقضى معظم فترات الكتاب يصف فيه تلك الحروب المنسية من الدولة الإنجليزية ضد الثورات الأيرلندية، وأثر ذلك على حياة الشعب الإنجليزي، وبالتبعية أثرها على حياة أعظم كتاب الدراما في هذا العصر، وليام شكسبير. وقد جاء هذا الجزء شيقًا للغاية في كتابته، ولكن في بعض الأحيان كان شاربينو يغرق كثيرًا في بعض التفاصيل التي قد لا تهم القارئ العام، مما حول الكتاب في بعض مقاطعه إلى قصة تأريخ عسكرية، كما أنه يعيبه الإسهاب بعيدًا عندما يتطرق إلى حياة شكسبير الشخصية.

ومن إحدى ملاحظاته الشيقة هي وجود غلطة مطبعية في إحدى مسرحيات شكسبير، فقد استبدل كلمة (إنجلترا) بكلمة (ايرلندا) بطريق الخطأ، مما حدا بالمؤلف إلى الاستشهاد بذلك على أن تلك كانت علامة واضحة تدل على أن شكسبير مؤلف المسرحية قد طغت عليه المشكلات الإنجليزية الأيرلندية في ذلك الوقت. كما يشير شابيرو إلى ملاحظة أخرى عندما قام شكسبير بتعريف شخصيتين بأنهما (أيرلندي) و(اسكتلندي) فقط دون ذكر اسميهما، وقال شابيرو أن هذه علامة تحيز واضحة، ولكن قد تكون تلك الأخطاء المطبعية مجرد أخطاء ليس إلا في نهاية الأمر.

ولكن شابيرو في هذا الكتاب كان في أفضل حالاته من البراعة عندما علق على أحد المشاهد الساخنة عن حياة ذلك المجتمع الذي كان يمزقه الخوف والرعب آنذاك، فقد كانت حياة شكسبير على المحك في ذلك الوقت عندما بدأ ينتج مسرحيات ناقدة للأوضاع الاجتماعية والسياسية، ولكنه نجح في فعل ذلك بدون أن يهدد مصلحته الشخصية أو يغضب القوى الحاكمة آنذاك.

ويصفه شابيرو بأنه كاتب المسرحيات الإنجليزي البارز الوحيد الذي نجا في تسعينيات القرن السادس عشر من (المواجهات الكبيرة مع المسؤولين في السلطة آنذاك)، في حين عانى أقرانه الكتاب البارزون في ذلك الوقت من التعذيب والسجن والقتل، ولكن شكسبير مع نهاية القرن في عام 1599 قام بمواجهة القضايا الملحة في أعماله، فتطرق إلى قضية الرقابة في مسرحية (يوليوس قيصر)، ويصفه شابيرو في هذه المسرحية بأنه كان شاعرًا شجاعًا.

أما السيرة الحياتية لوليام شكسبير التي ألفها أكرويد بعنوان (سيرة حياة)، فقد جاءت في صورة أكثر تقليدية وتعقبت موضوعها الأساسي وهو حياة شكسبير من المهد إلى اللحد، وفي هذا الكتاب أثبت الكاتب مرة ثانية أنه مؤرخ ثقافي عالي المستوى، إضافة إلى كونه شاعر ومؤلف مسرحيات، كما أنه مؤلف كتاب (سيرة لندن)، الذي نال الكثير من الاستحسان بعد نشره عام 2001

فقد أسهب المؤلف في وصف مسقط رأس شكسبير والأجواء العدوانية المريبة التي كانت تحيط بلندن آنذاك وكأنها أشبه بالغرب الأمريكي، وكتب يقول: (كان من عادة مواطني لندن من الرجال في هذه الأيام حمل الخناجر أو السيوف بصورة معتادة، وأتباعهم يحملون السكاكين، في حين كانت النساء يتسلحن بالخناجر الصغيرة أو الإبر الطويلة، وكان خطر اندلاع العنف موجود بصورة شبه دائمة).

ولإضافة مزيد من التشويق على الكتاب، أراد أكرويد أن يقتبس أعمال شكسبير بلهجتها الأصلية من أجل الحفاظ على جمال اللغة، وهي فكرة جيدة، ولكنه لم يساعد القارئ المتحير في اكتشاف كيف يحل رموز اللغة الإنجليزية القديمة (كلمة Hauoke على سبيل المثال هي كلمة havoc التي تعني الدمار، في حين كتب verie howre في إشارة إلى very hour أو الساعة عينها). وعلى الرغم من هذين الكتابين الجديدين والكتب الأخرى التي لا حصر لها، إلا أن رؤيتنا لحياة شكسبير الشخصية لا تزال غامضة ومشوشة.

فلا تزال علاقته غير الجيدة مع زوجته غير مفهوم أسبابها، ومن المعروف أنه ترك في وصيته (ثاني أفضل سرير لديه لزوجته)، ولكن هل ذلك يعني بالفعل ما هو مفهوم ضمنًا من ذلك؟ كما أن آراءه الدينية لا تزال محل مناظرات كبيرة، إضافة إلى حياته العاطفية وحتى شكله وكيف كان يبدو.

لا شك أن هناك الكثير مما لا يزال الناس يتساءلون عنه، فما هي الأحداث الجسام في طفولة شكسبير وصباه وشبابه التي أعطته مثل تلك البصيرة النافذة التي جعلته خبيرًا بالصعود والهبوط في الشخصيات الإنسانية؟ هل كان يعشق بحماس وإخلاص مثل روميو وروزاليند؟ وفي نهاية حياته هل كان شكسبير يعتقد أن السنوات التي قضاها على الأرض قضاها على الوجه الأمثل؟ حتى مع مساعدة أفضل السير الحياتية عن شكسبير، فإن الإجابات لا تزال محيرة، ولا نزال نظل نعيش في مخيلتنا وأحلامنا عن شكسبير.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد