Al Jazirah NewsPaper Wednesday  25/07/2007 G Issue 12718
الرأي
الاربعاء 11 رجب 1428   العدد  12718
مقومات السياحة في منطقة الحدود الشمالية
مطر بن عايد العنزي -تعليم الحدود الشمالية

تزخر بلادنا بالعديد من المواقع التي تجعل منها وجهة سياحية حضارية، وتقوم الهيئة العليا للسياحة بجهود مكثفة تجاه تنشيط السياحة والتسويق لها في أغلب المناطق، وتسعى بشكل دؤوب إلى جعل السياحة ركيزة مهمة يعول عليها الشيء الكثير في تحقيق الطموح تجاه تنويع مصادر الدخل وتهيئتها لتكون رافداً اقتصادياً مهماً ومنتجاً رئيساً لفرص العمل، وهو ما أكدته خطط التنمية التي اعتمدت السياحة إحدى أهم آليات التنمية الشاملة في المملكة؛ فكبر المساحة واتساع الرقعة الجغرافية يجعلان من السياحة ذات أوجه عديدة وأغراض متعددة يمكن أن يتحقق منها ما تصبو إليه الهيئة في خططها الإستراتيجية الطموحة.إن التنوع البيئي والمناخي والطوبوغرافي في رقعة جغرافية كبيرة كبلادنا قلما يوجد في غيرها؛ الأمر الذي جعلها تعج بالعديد من المواقع السياحية على تنوعها. ونورد من ذلك الشواطئ في الشرق والغرب على الخليج العربي شرقاً والبحر الأحمر غرباً، والأجزاء الجنوبية في مناطق عسير ومكة المكرمة.. وغيرها.ومنطقة الحدود الشمالية من المناطق التي لا تقل أهمية عن غيرها، بما حباها الله من تنوع جغرافي وبيئي واتكائها على إرث تاريخي كبير، إضافة إلى موقعها المتميز, وهذا الأمر لو بحثنا تفاصيله لوجدنا أنه يجعل للسياحة فيها مقومات كبرى، التي من الممكن أن تجعل منها وجهة سياحية تؤدي إلى تنويع الفرص الاستثمارية فيها وتوفير فرص العمل.. إلا أنه من الملاحظ أنها لم تسجل حضورا على المستوى السياحي رغم أن هناك استراتيجية مرسومة لها من الهيئة العليا للسياحة، التي هي أدرى بكيفية تفعيل حضور المنطقة سياحياً. وأود هنا أن أورد عددا من الاقتراحات التي أرى أنها مجدية في دعم قيام السياحة في المنطقة.

أولاً: سياحة العبور:

لمنطقة الحدود الشمالية موقع متميز؛ كونها من المواقع البيئية؛ لوقوعها على الطريق الدولي الذي يربط دول الخليج بما فيها المملكة ببلاد الشام وما وراءها، ويخدمها 3 مطارات داخلية، وإذا علمنا أن امتداد المنطقة يصل إلى 800كم وجميع المدن والمحافظات وأغلب المراكز والقرى تقع على امتداده، أدركنا أنه أصبح محط رحال لمئات الآلاف من المسافرين ذهابا وإيابا والقادمين من مختلف مناطق المملكة ودول الخليج العربي وبلاد الشام طيلة فترات العام، مع تركز في أشهر الصيف؛ الأمر الذي جعل الإشغال للوحدات السكنية يبلغ ذروته في تلك الفترة؛ لذا فإن حركة العابرين تجعل للسياحة رواجا فيما لو أحسن استغلالها في إيجاد محطات كبرى واستراحات ووحدات سكنية وفنادق بمستوى راق يجد فيها المسافر ما يخفف عنه من عناء السفر، تتبناها الشركات المتخصصة ورجال الأعمال.. فماذا لو أقيمت أسواق موسمية للمنتجات الوطنية مثلا فترة مرورهم؟ وخاصة أن كثيراً منهم قادمون من دول خليجية أو عربية أخرى.

ثانياً: المواقع الأثرية والتاريخية:

تزخر منطقة الحدود الشمالية بالعديد من المواقع التاريخية والأثرية المتنوعة بعمقها الزمني، لها أهميتها الكبرى في الحضارة الإسلامية وبخاصة آثار الدولة العباسية ممثلة بآثار درب الحج (الكوفة - مكة) والمشهور تاريخيا بدرب زبيدة، فمنطقة الحدود الشمالية هي أولى مناطق المملكة التي يمر بها هذا الدرب بعد خروجه من العراق، ولا تزال العديد من النماذج المثالية لهذا الدرب موجودة بطبيعتها الأثرية رغم عوادي الزمن (برك وآبار الجميماء والثليماء وزبالا) على سبيل المثال، كما تزخر بالقصور التاريخية التي شيدت إبان فترة توحيد المملكة كقصر الإمارة في لينة الذي شيد في (1355هـ) ويجري العمل حاليا على ترميمه، بالإضافة إلى القرى التي تحوي بقايا للمباني التراثية وإمكانية تطويرها لخدمة السياحة، فوجود هذه المعالم التي تحكي قصصا في الحضارة البشرية, له دور في تعزيز ونمو فرص سياحية كبرى، وبخاصة إذا علمنا أن بعضا من تلك المواقع قريبة من مراكز الخدمات؛ إذ لا يتعدى بعضها بضعة أكيال، وفي طريق العابر، ولا تشكل عناء للزائر.

ثالثاً: التنوع الطوبوغرافي:

تبلغ مساحة منطقة الحدود الشمالية (133.34 كم2)، وهذه المساحة التي تمثل 7% من مساحة المملكة تتنوع فيها المظاهر التضاريسية ما بين أودية وتلال وسهول إلى جانب رمال النفود التي تحيط بجزء من المنطقة جنوباً، وحرة الحرة التي تمثل جزءا لا بأس به من غربي المنطقة.. وللزائر أن يرى ما في تلك المظاهر المتنوعة من تشكيلات مختلفة للطوبوغرافيا, غير أن ما يميزها عن غيرها وجود الأودية المقلوبة جهة الجنوب الشرقي من المنطقة بالقرب من مركز لينة، التي تعد ظاهرة مميزة وصفها العالم (ميلر) بأنها تبدو من الطائرة وكأن الصورة مقلوبة، مثلما يحدث للناظر إلى صورة جوية رأسية حينما تبدو الأودية وكأنها تلال، والتلال كأنها أودية. ولا شك أن حرة الحرة وإن كانت تتشابه مع غيرها من الحرات إلا أن أهميتها تكمن في احتوائها على تنوع أحيائي متميز؛ كونها موطنا مهما لتكاثر طيور الحبارى المهددة بالانقراض، كما تشتي فيها العديد من أنواع الطيور التي تفد إلى المملكة مهاجرة كل عام، إضافة إلى أنها تتصف بتنوع غطائها النباتي الذي يتألف من نباتات معمرة وحولية.

رابعاً: الدحول:

تنتشر في أرض المنطقة العديد من أنواع الكهوف، وهي ما تسمى بكهوف الإذابة التي تعرف بالدحول. والدحول مفردها دحل، وهي شقوق وحفر في الأرض، وبعضها تشبه الآبار, تفضي إلى أودية وشعاب تحت الأرض. وتشتهر أرض الهبكة الواقعة في جنوب غربي مدينة رفحاء بكثرة الدحول، وتصنف من أهم مواقع الدحول في المملكة، فيمكن للزائر أن يشاهد تنوع معالمها الطبيعية وما حولها.

خامساً: الطبيعة البكر:

لمنطقة الحدود الشمالية طبيعة خلابة وسحر خاص؛ إذ تصبح أراضيها رياضا غناء تكتسي اللون الأخضر وتزهر بأشكال عديدة من النباتات المزهرة بعد هطول الأمطار، وخصوصا بعد مطر الوسم الذي يكون في الفترة ما بين (16 أكتوبر و6 ديسمبر)، فإذا رزقت الأرض بوفرة المطر اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فالورود والأزهار على تنوعها وشجيرات الشيح تفوح بعطر الطبيعة لتملأ الأجواء بأزكى أريج.. ولروعتها وجمال طبيعتها تستقطب الكثير من السياح الذين يجوبون رياضها ليقضوا أمتع الأوقات وأجملها، ويجنوا الكمأ حال توافره، الذي تشتهر به المنطقة إذا توافرت ظروفه، علما بأن هذه الأماكن معروفة على نطاق واسع بين المهتمين وعشاق الطبيعة البكر من أبناء المملكة والخليج.

سادساً: رالي النفود الكبير:

لرمال النفود بنوازيه وعروقه وخبوبه التي تشكل طوقا لبعض أجزاء المنطقة جهة الجنوب دور في تعزيز قيام السياحة في المنطقة، وخاصة أوقات الشتاء والربيع. ونظراً إلى وجود تجربة سابقة في استغلال هذه الرمال للتنشيط السياحي في منطقة حائل الواقعة جنوب منطقة الحدود الشمالية من خلال تنظيم مهرجان رالي حائل (تحدي النفود الكبير) الناجح بكل المقاييس، وبحكم وقوع هذه الرمال في موقع متوسط بين المنطقتين يقفز، إلى الذهن سؤال مهم: لماذا لا يتم مد مسار الرالي إلى منطقة الحدود الشمالية التي تحتضن أراضيها جزءا من رمال النفود التي تمثل عامل جذب مهما لكلتا المنطقتين؟! وخاصة إذا عرفنا أن هناك تجارب عالمية في إطالة مسار الراليات على مستوى الدول والقارات! فلو تحقق هذا الشيء سيعزز السياحة وينشطها في منطقة الحدود الشمالية، فليس من الصعب تحقيق هذا، وخاصة أن الرالي لاقى نجاحاً كبيراً بعدما اكتسبنا تجربة وخبرة بالتنظيم، وبمشاركة هواة من خارج المملكة، ويتم التحضير للنسخة الثالثة. وهذا النجاح يثلج الصدور ويحسب للجميع بعيداً عن المناطقية، هذا بخلاف ما سيصاحب هذا الرالي الكبير من فعاليات ونشاطات متنوعة للرياضات (الرملية/ الصحراوية) كالتطعيس مثلا، والتخييم للتنزه الخلوي؛ ما يؤدي إلى انتشار المخيمات لبيع المستلزمات البرية ورواج باعة المنتجات الحيوانية وبخاصة التي تنتجها القرى الواقعة في محيط النفود، إضافة إلى تفعيل رياضة الهجن في تلك الفترة، وغيرها، التي لها دور فاعل في استنهاض الهمة السياحية لخدمة المنطقتين.

سابعاً: المهرجانات:

وكما يعرف الجميع أنه أقيم في المنطقة مهرجانات لمزاين الإبل التي من الممكن تفعيلها وتنظيمها بشكل سنوي متكرر في أجواء الربيع، وتنظيم برامج مصاحبة لهذه المهرجانات. ومن المسابقات التي أقيمت أيضا سباق الطيور الذي تم تنظيمه قبل 6 أعوام تقريبا والذي لاقى نجاحاً لحشده عددا لا بأس به من هواة هذه الرياضة من أبناء المنطقة والمناطق المجاورة من المهتمين والمحبين للمشاركة في هذا النوع من السباقات؛ فبيئة المنطقة موئل ملائم لطيور القنص ومحطة مهمة من محطات الطيور المهاجرة؛ إذ تعتبر رياضة القنص من الهوايات المحببة لدى الكثير من الأهالي، إضافة إلى أن هناك العديد من الهواة الذين يؤمون المنطقة في مواسم معينة بحثا عن طيور القنص.وبعد: فمن الممكن القول إن منطقة الحدود الشمالية تملك العديد من مقومات الجذب السياحي المتنوع, غير المرتبطة بموسم بعينه، بل على مدار العام، فاستغلال الفرص وتنويع الاستثمار السياحي وإجادة التسويق أمور كفيلة بوضع المنطقة على أعتاب سياحة مرموقة نامية تطمح إلى وضع أفضل، ينعكس أثره بشكل كبير على المنطقة، ولا يمكن الوصول إلى الهدف المنشود إلا بتضافر الجهود.

matar11@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد