Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/07/2007 G Issue 12719
الاقتصادية
الخميس 12 رجب 1428   العدد  12719
ساما والسيطرة على التضخم

تضمنت صحفنا المحلية خبراً مفاده، أن هناك ارتفاعاً في المستوى العام للأسعار في المملكة في حدود الـ 3% حسب الإحصاءات الرسمية لشهر مايو الماضي، وقد عزت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) هذا الارتفاع وحسب المعلومات الرسمية إلى الزيادة في كلفة الغذاء والإسكان.

المتتبع للارتفاع الحاصل في الأسعار يلحظ أن أسبابه من الممكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين: أسباب داخلية وأخرى خارجية .

- الأسباب الداخلية للتضخم عادة تكون بسبب الاختلال الحاصل بين العرض والطلب نتيجة لتغير أحد مكونات الطلب الكلي مثل زيادة الإنفاق الحكومي.. لكن كون المملكة بلداً يعتمد على الاستيراد والتصدير ودرجة انفتاحه عالية على الأسواق الخارجية - حيث تستورد المملكة تقريبا جميع ما تحتاجه من الأسواق الخارجية - نجد في المقابل أن الطاقة الاستيعابية للمملكة كبيرة من طرق وموانئ واتصالات...الخ ولله الحمد، فأي زيادة في أحد مكونات الطلب الكلي سيتم امتصاصها بسهولة ولن يكون لها أي تأثير يذكر على المستوى العام للأسعار، وبذلك تكون الأسباب الداخلية محدودة التأثير خاصة في وضعنا الحالي.

- الأسباب الخارجية، تلعب من وجهة نظري الدور الأكبر في التأثير على المستوى العام للأسعار خاصة في ظل ارتفاع الأسعار في البلدان المنتجة، والانخفاض الحاد لسعر صرف الريال أمام العملات الرئيسية.

من خلال هذه المعطيات هل تستطيع ساما السيطرة على هذا التضخم وما هي إمكاناتها في ذلك...؟؟ ساما هي البنك المركزي للمملكة ولديها من الأدوات ما تمكنها من معالجة مثل هذا الأمر إذا كانت الأسباب داخلية وتهيأت لها الظروف المناسبة لتفعيل هذه الأدوات. من الأدوات التي تستطيع ساما استخدامها نسبة الاحتياطي القانوني، وهي عبارة عن نسبة من المبالغ المودعة لدى البنوك التجارية تحددها ساما لغرض مواجهة الأمور الطارئة للبنوك التجارية، وعندما ترفع ساما هذه النسبة فإنها تحد من قدرة البنوك على استثمار المبالغ المودعة خاصة في مجال الإقراض وبالتالي تحد من الطلب الكلي ومن ثم المستوى العام للأسعار.

أما الأداة الثانية فهي سعر الخصم وهي رفع معدل الفائدة على البنوك التجارية ومن ثم ترفع هذه البنوك سعر الفائدة على المقترضين وفي النهاية سيحد هذا من قدرة البنوك على الإقراض ومن ثم التأثير على الطلب الكلي ومن بعد على الأسعار.

عند التمعن والنظر في هاتين الأداتين نلاحظ أن ساما في العامين الماضيين قد حدت من قدرة البنوك على التوسع في الإقراض من خلال تخفيض المدة الزمنية للقرض إلى خمس سنوات وكذلك المبلغ الذي يحصل عليه المقترض من البنوك التجارية بشكل معقول واعتقد أن التضييق على البنوك التجارية بأقل من هذا سيؤدي إلى نقص في السيولة في السوق ومن ثم إلى نوع من الانكماش الاقتصادي، إضافة إلى أن البنوك قد تواجه مشكلة انخفاض حاد في الربحية في المستقبل خاصة مع التراجع الحاد في سوق الأسهم وما تحصل عليه البنوك من عمولات، وكذلك لا ننسى ما قد ينشأ من ضغوط على الريال بسبب رفع سعر الفائدة.

الوسيلة الثانية التي من الممكن اللجوء لها لمعالجة الأسباب الداخلية، وهي الإنفاق الحكومي ويعد الركيزة الأساسية للسياسة المالية وهي الأكثر بروزا واستخداما في دول العالم الثالث كون الدولة المتلقي الرئيسي للدخل والمسؤول عن توزيعه. تقوم بتنفيذ هذه السياسة وزارة المالية، فتخفيض الإنفاق الحكومي أو جدولة بعض اتفاقاته الرئيسية لاشك انه سيؤثر على الطلب الكلي ومن ثم التضخم .

أود أن أشير هنا إلى أن أي تغيير في خطة الإنفاق الحكومي إذا لم تكن مدروسة جيدا ستؤدي إلى نوع من الكساد. لا ننسى كذلك أن تخفيض الإنفاق الحكومي في مجال الإسكان قد يؤدي إلى تفاقم التضخم في أسعار الشقق والمنازل بشكل كبير خاصة وأن أحد مكونات مؤشر أسعار المستهلك هو الإسكان والذي حددته ساما على أنه أحد أسباب ارتفاع المستوى العام للأسعار في المملكة. إذا الجدولة التدريجية لبعض المشاريع الكبيرة، ودون المساس بمصادر التمويل الخاصة في الإسكان والبنية التحتية الأساسية ضروري ومن الأهمية بمكان حتى لا تتفاقم مشكلة التضخم وتزداد أعباء مكافحته.

إذاً... العوامل الخارجية تلعب الدور البارز في التضخم الحاصل لدينا، فارتفاع تكلفة المنتجات الخارجية بسبب ظروف خارجة عن إرادتنا وكذلك ارتفاع تكاليف السلع الداخلة في إنتاج سلعنا المحلية لا يمكن السيطرة عليها باستخدام أي من السياسة المالية أو النقدية، وتتحمل جزءاً من وزر ارتفاع الأسعار، أما الجزء الآخر والمهم فيتحمله ضعف الدولار حيث أصبحت السلع المستوردة من الخارج أعلى بكثير مما كانت عليه في السابق، حيث أدى ضعف الدولار أمام العملات الدولية الأخرى إلى تآكل القوة الشرائية للريال ومن ثم ارتفاع أسعار أغلب الواردات.

قدرة الجهات المسؤولة لدينا على كبح جماح الأسعار لا تأتي بالتمني، بل بالعمل الجاد والدؤوب، كون التهاون مع التضخم أو التقليل من شأنه له مخاطر كبيرة يجب التنبيه لها مثل آثاره السلبية على الإنتاج والنمو والادخار والصادرات.... وغيرها. معالجته بحزم تحتم معرفة أسبابه ووضع العلاج المناسب من خلال دراسات علمية جادة وهادفة، وليس وصفات اسمية ليس لها تأثير على أرض الواقع.

الدكتور عبد العزيز بن حمد القاعد

كلية الملك عبد العزيز الحربية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد