Al Jazirah NewsPaper Monday  29/07/2007 G Issue 12722
محليــات
الأثنين 16 رجب 1428   العدد  12722
إلى متى نحتسي البحر؟
بين التصريحات وبين التنطل على باب الدوائر
د. فوزية عبدالله أبو خالد

نفتح الصحف أو راديو السيارة أو تلاحقنا الفضائيات إلى غرف نومنا، بل تدخل منامنا تارة على شكل أحلام تصطدم رومانسيتها بقسوة الواقع وجموده وتشوهات مشروعات التنمية المزعومة فيه بمجرد ظهور شمس النهار, وتارة أخرى على شكل كوابيس تتحالف مع ذلك الواقع المزري لحياة المواطن العادي الذي ليس له حظوات الواسطة ولا الجاه أو المال هنا وهناك على امتداد الوطن العربي، وفي أقطاره المتشظية والمطبقة على رقبة المواطن من كماشة التقسيط إلى كماشة الخدمات الأساسية الرديئة التي جل همها أن تتجمل للإعلام، وإن كانت غاية في السوء في حقيقتها منعدمة الفعالية كبطارية ميتة.

وفي المجتمعات التي ليس فيها ما يحمي الحقوق اليومية البسيطة للمواطن كقضاء معاملة في دائرة حكومية أو يلزم بالواجبات غير (تكفى)، والاستنخاء وحب اللحى أو الكتوف والأنوف إلى أن يأخذ بتوصية أن تكون في كل جهاز رسمي إدارة قانونية ومرجعية تسمع وتنصف كما أوصت بذلك لجنة حقوق الإنسان الرسمية في تقريرها الأخير، أو إلى أن يخرج علينا مجلس الشورى باللائحة المنظمة لوجود جمعيات أهلية تعبر عن صوت المواطن كلجنة حماية المستهلك المزمعة لتمارس عملها بعد زمن لا يعلم متى يحين إلا الله، وكجمعيات المهن النقابية لجميع المهن الموعودة.. وليس للمواطن إلا أن يصرخ لو كان هناك من يسمع بالقول: ارحمونا من حمى التصريحات، وباشروا تنفيذ الإصلاح الذي مضى ما يزيد اليوم على عدة أعوام منذ استبشرنا به.

إذاً كثيراً ما يجد المواطنون أنهم محاصرون بالتصريحات من كل حدب وصوب إلى أن بات أصغر موظف من أصغر جهاز جاهز لا يفتح فمه أمام أي وسيلة من وسائل الإعلام إلا ليطلق تصريحاً. تصريحات فضفاضة واسعة براقة غير مجدولة بأي جدول زمني لتحقيق ولو الحد الأدنى منها يطلقها هذا المسؤول أو ذلك.. لا فض فوهه، تتوسطها صورته التي أخذت له في الغالب قبل عشر سنوات؛ أي قبل أن يصاب بتصلب العظام وعُصاب الكرسي الدوار، وما إليه من شحوم المراتب الممتازة، ومن كالسترول المناصب وسكره. وشأنه في ذلك شأن مؤسسته، إذ انتهت الصلاحية الافتراضية للوائحها قبل ربع قرن أو يزيد دون تجديد يذكر أو مواكبة للمستجدات إلا بالتصريحات...

- تصريحات عن قرب تحرير القدس والعراق واستعادة الأندلس وصقلية.

- تصريحات عن منح قطعة أرض لكل مواطن متقاعد من قبل مصلحة التقاعد، وإعطائه قرضاً معفى إلا من نسبة بسيطة من الأرباح.

- تصريحات عن رفع رواتب أساتذة الجامعات مئة بالمئة أسوة بدول خليجية أخرى ومنع إعارة الأساتذة إلا إعارات بحثية مشروطة بمشروعات بحثية بينة ذات علاقة بالتخصص، أو لجامعات عالمية وعربية لأجل محدد.

- تصريحات بتعويض أصحاب الأسهم نسبة من خساراتهم الفادحة التي ضاعت عند الغالبية بفعل اجتماع الجهل والجشع وحس الاسترباح دون التساؤل عن الجدوى الاقتصادية الاستثمارية الوطنية للاستكتابات التي يرتمي في أحضانها الجميع دون أن يسأل إلى أين أو من أين لنا هذا؟

- تصريحات عن تهيئة طبيب لكل عشرة مواطنين وأسرّة في المستشفيات غير حمالات الطوارئ، وإيجاد أدوية غير المسكنات في صيدلية المستشفيات الحكومية مع توفير نظام التأمين الصحي بشروط ميسرة لكل موظف حكومي وأهلي.

- تصريحات بشوارع ذكية في أحياء الجنوب، وعدم قصرها على حفنة من أحياء الشمال، وكذلك وضع نهاية لعهد الشوارع القاتلة بين القرى والمدن.

- تصريحات عن القضاء على الفساد المتفشي بسبب داء الوساطة مع القضاء التام على البطالة والبيروقراطية، وتحويل جيزان وعسفان وعبيلة وشرورة إلى منتجعات سياحية ومدن جامعية.

والمحصلة هي إما أصحاب هذه التصريحات لا يعيشون معنا على الكوكب الأرضي نفسه وإما أن أعينهم في أبراج الوظيفة لا تلتقي بعيون المواطنين، فهم لا يجلون ولا يتلجلجون في تلك التصريحات التي يطلقونها جزافاً ما دام ليس هناك ميزان للمحاسبة، وليس ثمة من يسألهم وفق جدول زمني أي أدراج ريح ذهبت بتصريحاتهم.. وإما أن أياً من أولئك المسؤولين لا يملك (لقافة) عمرو الفيصل وجرأته في الحق ليقوموا بجولات ولو نادرة على دوائر الخدمات التي يبدو أن أياً منهم ليس مضطراً على (التنطل على أبوابها)..

إن المواطن بسلبيته ولجوئه إلى الأساليب (الاستجدائية) و(الوساطات) أو (التطنيش) للحصول على أبسط حقوقه حتى وإن لم يحتجه، أو لم يكن لديه منها إلا وساطة سابع جد أو عاشر جار جزء من هذه المعضلة.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5148 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد