Al Jazirah NewsPaper Tuesday  31/07/2007 G Issue 12724
أصداء
الثلاثاء 17 رجب 1428   العدد  12724
لماذا يكرهون النساء!؟
مريم بنت عبدالله المساعد

خلق الله عز وجل البشر لعبادته، واختارهم لعمار الأرض، وجعلهم من ذكر وأنثى، وجعل بينهما مودة ورحمة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.. فلو كان العمار مقصوراً على الرجل لَمَا خلق الله الذكر والأنثى واكتفى بالرجل فقط، وقد جعلها الله تعالى سكناً للرجل يجد بها الراحة والسعادة، ولا يمكن أن تستقيم الحياة دون الاثنين معاً؛ لأن لها أدوارها التي لا يستطيع الرجل القيام بها، كما أن للرجل دوره الذي لا تستطيع المرأة القيام به، وبوجودهما معاً تكتمل دورة الحياة في علاقة فيها الكثير من الأسرار المكنونة التي يتعاملان فيها من خلال الضمير والوجدان.

وعلى الرغم من هذه المكانة للمرأة لم تسلم على امتداد التاريخ من أعداء لها أشداء في عداوتهم، وتعدد أسباب الكره بتعددهم: فمنهم من يكرهون النساء نظراً لكرههم للالتزام العائلي وارتباطاته ومسؤولياته ومصروفاته.. ومنهم من يكرهون النساء لاعتقادهم أنها تشكّل عبئاً ثقيلاً يحول بين الشخص والنجاح العملي والفكري، وما أكثر العلماء والمثقفين والساسة الذين عزفوا عن الزواج لهذه الغاية وإخلاصاً لعلمهم! وقد أفرد عبدالفتاح أبو غدة - رحمه الله - كتاباً بعنوان (العلماء العزّاب الذين آثروا العلم على الزواج).. وقد قال ابن هِنْدُو النيسابوري:

ما للمُعِيْلِ وللمَعالي؟ إنما

يَسعى إليهِنَّ الفريدُ الفارِدُ

لقد تناسوا أن (وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة)، وأن المرأة هي التي تدفع زوجها إلى القمة والنجاح بمساعدتها له ونصيحتها ومشاركتها الرأي.. ومنهم من يكره المرأة لخوفه من منافستها ووصولها إلى المناصب العالية واستقلالها المادي عنه.. ومن الأدباء والمثقفين من يهاجمون المرأة بغية الوصول إلى الشهرة.. ومنهم الشاذ الذي يميل إلى غير النساء، وهكذا.. وفي ثقافتنا العربية نماذج كثيرة على هذا كره بعض الرجال وعدائهم المستحكم للنساء، وهذه بضعة نماذج مختارة:

النموذج الأول:

قال الشيخ الخطيب أبو عبدالله بن حربلة:

يا عازباً لا تذلَّ نفساً

عَوَّدْتَها العِزَّ والفرحْ

بزوجةٍ فالزواجُ ذلٌّ

لو زُوِّجَ الكلبُ ما نَبَحْ

وإذا نظرنا جيداً في هذا النظم البارد وحجة ناظمه لوجدناها مخالفة للحقيقة؛ لأن الكلاب تتزاوج وتنبح ليلاً ونهاراً.. وكل ما في الأمر عجز الناظم عن القيام بمسؤوليات الزواج وتوابعه.

وقد قالوا بما يشبه هذا النظم من باب الفكاهة:

إنَّ ذِئباً أَمْسَكُوه

وتمارَوْا في عِقابِهْ

قال شيخٌ: زَوِّجُوه

ودعُوهُ في عذابِهْ

النموذج الثاني:

ونجد نموذجاً صارخاً على كره المرأة في حياة تقيّ الدين عبدالله بن علي بن مُنجد بن ماجد بن بركات السَّرُوجيّ المتوفى سنة 693هـ، وهو أديب وشاعر، نقل الصفدي في (الوافي بالوفيات) قول شيخه أبي حيان في السَّرُوجيّ، وكان بينهما صحبة: (كان رجلاً خَيِّراً عفيفاً، تالياً للقرآن عنده حَظّ جيّد من النحو واللغة والآداب، يَغلب عليه حُبُّ الجَمال - يعني النظر إلى الغلمان - مع العِفّة التامة والصيانة)!؟، ودُفن إلى جانب قبر محبوبه!.. ونقل الصفدي أيضاً عن شيخه الشهاب محمود: (كان يكره مكاناً فيه امرأة، ومن دَعاهُ يقول: شَرْطي معروف، ألا تحضر امرأة، قال: كنّا يوماً في دعوة بعض الأصحاب، فكان مما حضر شواء فأدخل إلى النساء ليقطعوه ويضعوه في الصحون، فجعل يَتبرَّم لذلك ويقول: أفّيه، الساعة يُلوِّينه بأيديهن)!.

ولا يخفى هنا سبب كره هذا الرجل للمرأة، فقد كان شاذاً، ولا عبرة بكلام أبي حيان المتناقض في وصفه بالعفة وكثرة قراءة القرآن من جانب، وحب الغلمان من جانب آخر؛ فهي صفات لا تجتمع والعفة في شخص.

النموذج الثالث:

إن كل كلمة تقريباً من شعر الشاعر العراقي خضيِّر هادي تنطق بمعاناته من خيانة امرأة بعينها توجّه لها بقصائده (إنتي مو مال احترام)، و(إنتي ما تستاهليني)، و(قالوا لي بريئة)، و(سبع سنين).. إلخ، وبفضل تلك المرأة أصبح كل النساء خائنات غادرات، فتفرّغ لهجومه البذيء بشعره الذي يغنّيه بأسلوب أشبه بالموال وبعصبية شديدة.. ويكفينا هذا الشاهد على ما بلغه خضيِّر من عداء للمرأة من قصيدته (إنتي مو مال احترام):

عام كامل مر علينا وانتهينا من ثاني عام

كنت أهفيلك بإيديه وبطّلت عيني تنام

للأسف تالي اكتشفتك إنتي مو مال احترام

كنت أجيك وكلي لهفه وأغفى يمك للصبح

غفل بقتي أغلى حاجه بروح أبد ما تنمسح

عَفْيَه أنا شْقَدْ صلب تحملت هيكِ جرح

وَلَكْ ليش ما غَزَّرْ بعينك كل شيء لا زاد وملح

قاع وبإيدي شتلتك وزرعي ما خضّر حرام

هْوَايَهْ حكوا لي عليك وما أصدق بالكلام

للأسف تالي اكتشفتك إنتي مو مال احترام

غسّلت منك إيديه وبدّلت كل الهدوم

جروحك توقعني ممكن أنفض جروحي وأقوم

إنتي غلطه بعمري هذا وما أخلّيها تدوم

وإنتي تدرين إنتي بِيَّهْ بيك أفطر وبيك أصوم

ومن غدرتيني وعرفتك قريت ع الحب السلام

وللأسف تالي اكتشفتك إنتي مو مال احترام

مسحت اسمك من حياتي وكسرت بيدي القلم

إنتي دنيا من الخيانه دنيا مليانه ألم

وَلَكْ فتّح عيونك (خضيِّر) واصحى من هذا المنام

للأسف تالي اكتشفتك إنتي مو مال احترام

ما ندمان تركتك وأني ما ندمان يا آخر جرح طاب وترك نيشان

عشقتي فلان وردّيتي عشقتي فلان والنوبه عشقتي فلان

والنوبه عشقتي فلان والنوبه عشقتي فلان ابن فلان

هذوله كلهم أعرفهم وما أدري بعد عندك كم فلان

بعد منين يدخل حبك لقلبي وأنا قلبي إنبنت فوقه سبع حيطان

عام كامل مر علينا وانتهينا من ثاني عام

للأسف تالي اكتشفتك إنتي مو مال احترام

.. إلخ الأبيات المريضة التي تقول لكل نساء الأرض: (إنتي دنيا من الخيانة دنيا مليانه ألم)!.

النموذج الرابع:

وهل يليق التوقف كثيراً عند أحد أكثر من الراحل توفيق الحكيم المتوفى سنة 1987م، وأحد أعمدة الثقافة والأدب في مصر والعالم العربي، وأشهر من عُرف بعداوته للمرأة حتى حمل اللواء وسمّوه (عدو المرأة).. ويقال: إن سبب كرهه للنساء أنه أحب ابنة الجيران وهو في المرحلة الثانوية، وانقطعت صلته بها عندما ساءت علاقة الفتاة بعمته التي كان يراها عندها، وأحبت البنت شخصاً آخر غير توفيق الحكيم؛ فكره النساء جميعاً ولم يتزوج!! وقال بعضهم: إن توفيق الحكيم تزوج بالفعل بعدما ولّى ربيع العمر.

ومع الأسف الشديد شحن هذا العملاق نتاجه الفكري بعبارات كثيرة معادية للنساء، ومن تلك النماذج:

- ليس للنساء عمل في الحياة غير الحب، أما حياة الرجال فهي حب العمل.. ومن هنا نشأ سوء التفاهم!..

- المرأة لا تستطيع أن تخلص لمبدأ، ولكنها تستطيع أن تخلص لشخص!.

- المرأة لا تبصر في المرآة وجهها الحقيقي، بل الوجه الذي تريده هي لنفسها!.

- الزواج هو مقبرة الحب الملتهب!.

- المرأة مثل القمر؛ لا تشع ضوءاً من داخل نفسها، بل تعكس الضوء الآتي إليها من شمس عقل الرجل!.

- آه للمرأة؛ إذا ابتليت بالجهل فهي مخلوق تافه، وإذا مُنحت الذكاء فهي مخلوق خطر!.

- المرأة هي المرأة دائماً سواء ألبست النقاب والخلخال أم الوسام وخوذة القتال!.

- الخداع هو الأكسجين في هواء كل امرأة، فإن لم تجد من تخدعه خدعت نفسها!.

- المرأة الجميلة عدو الرجل المفكر!.

- مجد المرأة الخالد هو في أن القدر كتب على الرجل أن ينحني ليطعم من راحتيها!.

- المرأة فاكهة شهية ينخر فيها الدود!.

- منذ فجر التاريخ والمرأة تتزين (أي تخدع)، ولقد عُرف الطلاء على وجه المرأة قبل أن يُعرف على جدران الهياكل!.

- خُلقت المرأة لتشدّنا إلى البهائم بيد، وترفعنا إلى القديسين بالأخرى!.

- المرأة هي المخلوق العجيب الذي يضم بين ذراعيه السماء والأرض!.

- المرأة مخلوق تافه، صنعت من ضلع تافه من أضلاع آدم، وخرجت من الجنة وأخرجته بسبب تافه!.

- الجمال هو العذر الوحيد الذي يغفر للمرأة كل تفاهتها وحماقتها!.

- المرأة هي السجّان الدائم لنا نحن الرجال؛ تحبسنا بين جدران بطنها ونحن أجنّة، فإذا خرجنا إلى الحياة وقعنا بين سياج حجرها ونحن أطفال، فإذا اجتزنا بالكبر تلك السياج تلقّتنا أغلال ذراعيها فطوّقت أعناقنا حتى الممات!. .. إلخ إلخ تلك الكلمات القاسية الظالمة التي لا تنسجم مع العقل، ولا تحترم الأم والأخت والبنت والزوجة الصديقة الصدوقة رمز العطاء التي تربّي الأجيال وتعلّمهم وتصنع الرجال، وتتصل بالرجل بجميع الطرائق.. فكيف لا تكون مخلصة وقد جعلها الله جوهرة، وكيف نلغي مكانتها العظيمة في المجتمع التي أراد لها الله أن تكون مكانة عظيمة، فرفع من شأنها وأوصى بها خيراً وصحح النظر إليها معلناً كمالها الإنساني؟.. وليت شعري، هل يتحمل (عدو المرأة) توفيق الحكيم آلام الحمل والولادة والرضاع مرة واحدة في حياته!؟.

وأخيراً، وبعد هذه الجولة السريعة نعود إلى السؤال الذي بدأنا به: لماذا يكرهون النساء!؟.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد