Al Jazirah NewsPaper Friday  03/08/2007 G Issue 12727
الرأي
الجمعة 20 رجب 1428   العدد  12727

الدخول في النيات والحكم القطعي عليها
محمد بن عبد الرحمن آل إسماعيل

الدخول في النية شيء ينافي الفطرة أعني فطرة التوحيد. والنصوص من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة ومذاهب المسلمين عامة تحرم الدخول في النيات وهذا شرعاً وعقلاً وحديث(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ومثله نصوص كثيرة وشواهد من أقوال الصحابة الكرام وأفعالهم وتصرفاتهم، والحديث المشهور الذي ورد فيه (هلا شققت عن قلبه) لأنه لما أدرك أنه سيقتل تشهد وهذا هو الظاهر للناس وللصحابة ولكن المربي صلى الله عليه وسلم قال: (وما يدريك هلاَّ شققت عن قلبه) فلو أعطى الناس الحكم على النيات لأهلك بعضهم بعضاً، ولتسلط القوي على الضعيف، وعند أهل السنة قاعدة في باب الأسماء والصفات للباري عز وجل إذا وردت جملة تحتمل عند المقابل يقول:( نستفصل فيه فإن أدت إلى معنى حق قبلناه وإلاّ رددناه على قائله، ولهذا فلهم كلام طويل حول لازم المذهب هل هو مذهب؟ تجده في كتب أهل الكلام وفي كتب الأصوليين لأن المفترض أن يكون حسن الظن هو السائد خاصة بين أهل السنة وأهل البيئة الواحدة والجماعة والأسرة والقبيلة من باب أولى وهو نهج الكرام وعليه القوم والسادة والشجعان والصرحاء على المعنيين). وقد كان هذا هو منهج العرب في الجاهلية ومذهب المسلمين قبل أن يستعجموا سابقاً وقبل أن يتصحروا لاحقاً فيما يسمى بالنهضة الحديثة، وما هي إلاّ التصحر والمحل والجدب. والحكم على البواطن مرض من أنواع الوسواس ومرض خطير هو إحدى الطبائع الأربع عند الأطباء وهو ما يسمى بالسوداء فيقولون فلان غلبت عليه السوداء ويسميها المعاصرون عقدة الكيد والمؤامرة:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

كما أن عين السخط تبدي المساويا

والحكم على النيات ينشأ غالباً في البيئة المتصحرة أو المنزوية جغرافياً وفكرياً عن الناس، فتبدأ هي بالإعجاب بالنفس ثم بغرس هذا الإعجاب فيمن حولي من الأتباع ويتبعه تصنيف الناس والدخول في نواياهم، وإذا قويت شوكتي بدأت بالإقصاء والدعوة إليه وتهميش المخالف وإن كان من أتقى الناس، وينشأ عن هذا كله التعصب المبني على الجهل المركب للأسرة والقبيلة والقرية والشيخ حتى في اللباس وهو ما يسمى (الماركة لدى الشباب المعاصرين).

فإذا اتسع صار المقابل فاسقاً وزنديقاً وكافراً علمانياً ملحداً، ومن هنا ينشأ الإرهاب الفكري القولي الذي يبنى عليه الإرهاب العملي شئنا أم أبينا ومهما تنصلنا.

وإلاَّ فالمفترض حسن الظن في الجماعة وأهل السنة وهناك قاعدة (من أُحرج أخرج) فكم من إنسان صحيح الفكر والعقيدة أمضى حياته مدافعاً عن الإسلام ولكن وبسبب الحسد والكيد فإذا به ينقلب على قفاه، وهذه القاعدة نصوص الشريعة كلها تدل عليها ومن أبرزها حديث الأعرابي الذي بال في ناحية المسجد فبادره الصحابة ليضربوه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وتركوه حتى أتم بولته.

وروى التاريخ لنا عن أحد السلف أنه دس له سؤال عن طلاق المكره فقال بأنَّ طلاق المكره لا يقع، فأخذها من في قلبه مرض وقال للسلطان أن فتوى الشيخ تعني أن الناس ليس في رقبتهم لك بيعة لأن بيعة المكره لا تقع قاس هذا المقرض قياساً فاسداً ليوقع بهذا العالم.

ورحم الله ابن مشرف حين قال:

وإن سمعت قيلا

يحتمل التأويلا

فأحمله خير محمل

فعل الرجال الكمل

وإن ترد عتابهم

فلا تسيء خطابهم

فالخطب بالمشافهة

ضرب من المسافهة

ومن هذا الباب كثير من القضايا التي تطرح على صحفنا اليومية، أفاجأ بردود وشتائم وقذف وتفسيق وتبديع وتكفير وتضليل لأناس هم منا ومن جلدتنا مسلمون من أهل السنة ومن أسر فاضلة حين يثير أحدهم قضية ليست قطعية الدلالة هي محل اجتهاد ومحل خلاف تفاجأ بالردود الصارمة وكأنه خرج عن الإسلام فيتورط المسكين. وإنني أدعو إخواني المنتسبين إلى العلم ألاَّ تأخذهم الحمية للشيخ فلان أو الإمام فلان ألسنا في بلد السنة والسلفية الحقة فإذا طرحت قضية من القضايا يناقش الذي أثارها بطرق علمية سنية سلفية صحيحة موضوعية، فإن كان في الكلام إجمال استفصلنا، وإن كان فيه احتمال سألنا الكاتب عن قصده وعما يريده وعن هدفه ثم يبين بالحكمة إن هذا القول ضعيف أو فيه مفسدة لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فكيف أحكم بلا تصور كامل شامل وأن يكون النقاش بعيداً عن التعصب للبيئة أو للشيخ لماذا؟ لأن غالب هذه المسائل التي تطرح هي محل اجتهاد أو محل خلاف بين العلماء المعتبرين من سلف هذه الأمة، فلتتسع صدورنا لقبول الحق من أي شخص كان وألاَّ ندخل في النيّات ونحكم على كتاب المنابر بالكفر والزندقة قبل أن تقوم الحجة عليهم حتى أن المجددين كُفروا وفُسقوا وبُدعوا هناك كتب لعلماء أعلام من أهل السنة صودرت ونفر عنها، وإذا فتشت وجدت أكثر ما في الموضوع أن في الكتاب مسألتين أو خمساً على المرجوح عندنا فنسقط الكتاب والمؤلف وتقوم القيامة {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} مع أن المسألة لا تتعدى أنها اجتهادية وإن كان الحق معي فأنبه على هذه المسائل أو أقيس عليها ويبقى الكتاب سلسبيلا نافعاً ولكن إلغاء الكتاب بالكلّية فهذه مصيبة عظيمة، فهذه كتب ابن حزم فيها ما فيها ولكننا لم نشنع عليها فلو أن كل كتاب فيه أخطاء وملاحظات أسقط لما بقي لنا شيء من كتب السنة والفقه والأثر ولكن كل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد