Al Jazirah NewsPaper Thursday  16/08/2007 G Issue 12740
الرأي
الخميس 03 شعبان 1428   العدد  12740
العيون ومحاسنها في الشعر العربي
وسيلة محمود الحلبي

للعيون تأثير كبير في نفوس ناظريها؛ فهي مفتاح شخصية الإنسان، وفيها يتجلى فرحه وحزنه، قوته وضعفه، حبه وبغضه، قلقه وراحته.. ففي ذلك يقول المستعين بالله:

عجباً يهاب الليث سناني

وأهاب سحر فواتر الأجفان

فقد وصف الإنسان العيون بأنواع كثيرة إذا نظر الشخص إلى الشيء بمجامع عينه قيل (رَمَقهُ). وإذا نظر من جانب عينه قيل (لَحظَهُ) وإذا نظر بعجلة قيل (لَمحهَ) وإن رماه ببصره مع حِدة قيل (حَدجَّه)، والعين كما لها محاسنها وجمالها، لها عيوبها ومن أوصافها: العيون الكحلاء، والحوراء، والزرقاء والخضراء. ومن محاسنها نذكر (الفتور) وهو انكسار النظر، وفيه تبدو العين وكأنها مريضة وليس بها مرض، والفتور في عين المرأة هو إسبالٌ لطيفٌ بجفنيها يدل على الدلال والغنج يضفي على عينيها جمالاً فوق جمال.

و(الدعج) شدة سواد الحدقة مع سعة المقلة. و(البرج) شدة سوادها وشدة بياضها، و(النجل) سعتها.

والكحلاء وهي العين التي تبدو وكأن الكحل فيها، من غير تكحل كعين الغزال، و(الحور) شدة بياض المقلة مع شدة سوادها، و(الزجج) في الحاجبين دقة وطول. و(الوطف) غزارة الأهداب مع طول.

يقول خالد بن صفوان:

كحلاء في دعجٍ عيناء في برجٍ

نجلاء في زججٍ تسلو وتقلاني

ولنستمع في ذلك إلى أمير الشعراء أحمد شوقي وما فهمه من لغة العيون عندما تعطلت اللغة المسموعة:

وتعطلت لغة الكلام وخاطبت

عينيَّ في لغة الهوى عيناكِ

وفي لبنان وفي بلدة (بكفيا) بصيدا سحر الجفون فيقول:

السحر من سود العين لقيته

والليالي بلحظهن سقيته

الفاترات وما فترن رماية

بمسدد بين الضلوع مميته

الناعسات الموقظات للهوى

المغريات به وكنت سليته

الشارعات الهدب أمثال القنا

يحيي الطعين بنظرة ويميته

وأغنِ أكحل من مها بكفيا

علقت محاجره دمي وعلقته

والعديد من الشعراء اهتم بالعيون، وقالوا فيها الكثير.. فها هو النابغة الذبياني يتحدث عن العيون الكحيلة بقوله:

نظرت بمقلة شادن متربب

أحوى أحم المقلتين مقلد

نظرت إليك بحاجةٍ لم تقضها

نظر السقيم إلى وجوه العود

ويعني الشاعر (أنها تنظر بعيني غزال وأنها حواء الشفتين سوداء المقلتين، مقلدة الجيدة.

أما المتنبي، فكان معجباً بالجمال البدوي الطبيعي الذي لا يعرف التكلف والتطرية حيث قال:

ما أوجه الحفر المستحسنات به

كأوجه البدويات الرعابيب

حسن الحضارة مجلوب بتطرية

وفي البداوة حسن غير مجلوب

أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها

مضع الكلام، ولا صبغ الحواجيب

ويقول البوصيري:

لا تحسبوا كحل الجفون بزينة

إن المها لم تكتحل بالأثمد

أما ابن هانئ الأندلسي فقال:

حسبوا التكحل في جفونك حلية

تالله ما بأكفهم كحلولِ

والعيون الحوراء... هي العيون الدعج العربية الأصيلة التي تتصف بشدة السواد واتساعه مع سعة المقلة. ومن أرق الشعر الذي قيل في وصف هذه العيون ما قاله أبو حرزة جرير حينما حاول أن يوحي بسحرها:

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق الله أركانا

أما العيون الزرقاء فقد عرف العرب القدامى اللون الأزرق في عيون الغزاة الروم فكرهوها واتهموا أصحابها بالكذب واللؤم والشر. يقول بشار بن برد حينما هجا العباس بن محمد العباس أخا الخليفة أبي جعفر المنصور:

وللبخيل على أمواله علل

زرق العيون عليها أوجه سود

ويتشاءم ابن الرومي منها فيقول في هجاء ابن طالب الكاتب:

أزيرق مشؤوم، أحيمر قاشر

لأصحابه نحس على القوم ثاقب

وقال ذو الرمة:

زرق العيون إذا جاورتهم سرقوا

ما يسرق العبد أو نابأتهم كذبوا

ومنذ الفتوحات الإسلامية تغيرت النظرة إلى أصحاب العيون الزرق، ووصفها عمر بن أبي ربيعة بقوله:

سحرتني الزرقاء من مارون

إنما السحر عند زرق العيون

ويقول الشاعر بدوي الجبل:

في مقلتيك سماواتٍ يهدهدها

من أشقر النور أصفاه وأحلاه

وكلما خاف الشاعر نزار قباني من الضياع سعى إلى أن يرسو في مرفأ عينيها الأزرق فيقول:

في مرفأ عينيك الأزرق

أركض كالطفل على الصخر

ويقول: الموج الأزرق في عينيك

يجرجرني نحو الأعمق

أما العيون الخضراء.. فهذه التي يصفها الشاعر بدر شاكر السياب بقوله:

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعة السحر

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر

وفي أوصاف العيون يقول العرب:

ظمياء العيون أي رقيقة الجفون، عين سجراء وهي أن يخالط بياضها حمرة. عين شقلاء أي طويل شكل العين. عين سبلاء وهي العين الطويلة الهدب. عين شهلاء وهي حمرة في سوادها، البلج ويقصد بها نقاوة وتباعد ما بين الحاجبين.

* لحظة صدق:

إن ما بين العين والعين كلمة

وبين الوعد واللقاء كلمة

وبين الانتظار والأمل كلمة

وكلمة (أحبك) أغلقت قاموس العالم بكلمة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد