Al Jazirah NewsPaper Wednesday  22/08/2007 G Issue 12746
عزيزتـي الجزيرة
الاربعاء 09 شعبان 1428   العدد  12746
رحلة البحث عن (توارن)!

شدني موضوع نشره الأستاذ علي بن حمود العريفي في صفحة (أصداء) يوم الثلاثاء 17-7-1428هـ تحدث فيه عن حاتم الطائي وبلدته (توارن) التي شهدت فروسيته وكرمه وشعره، ورافق الموضوع صورة لقبره كانت محفزة لي إلى حد كبير للتعقيب.

وقبل أن أدخل في صلب الحديث أشير إلى أنه تربطني صداقة وزمالة بعدد من الحائليين منهم: المذيع ناصر الفركز، والأديب عبد الرحمن السويداء، والإعلامي محمد العميم، والأستاذ سعود المسيعيد وغيرهم.

وكنت في جلساتي التي تمتد لساعات مع الأخير أتساءل دائماً عن حاتم الطائي ومساكن قبيلته، ويتردد على لسانه (توارن.. توارن)، ومن المؤسف أنني عندما زرت حائل عام 1408هـ، وعام 1410هـ في مهامَّ إذاعية انشغلت بتسجيل اللقاءات عن زيارة الأماكن الأثرية، وفي المقدمة (توارن)، وكنت أختصر عمداً زياراتي لحائل هرباً من عدوى حاتم الجميلة التي سَرَتْ بقوة في أحفاده!!

على أنني في السنوات الأخيرة بدأت أميل بشكل واضح إلى الرغبة في الوقوف على الآثار والقراءة غير المتخصصة في هذا الجانب، وزرت لهذا الغرض بصحبة الصديق عبد الله السويّد آثار الدرعية، والأحساء، والخرج، والجوف، وغيرها.وفي أواخر عام 1424هـ أسندت إليّ كلية اللغة العربية بالرياض تدريس الأدب الجاهلي، ومن بين الشعراء حاتم الطائي، فبدت لدي رغبة أكيدة في الوقوف على المكان الذي عاش فيه، ومضت سنوات لم تتحقق فيها هذه الرغبة إلى أن سنحت الفرصة في أواخر شهر جمادى الأولى الماضي من هذا العام 1428هـ لزيارة حائل الحبيبة بصحبة العائلة في سياق إجازتي الصيفية دون أي ارتباطات بعمل؛ مما جعلني أجد من الوقت ما أسعفني بالوقوف على بعض الأماكن المهمة، وبخاصة أنني أخفيت عمداً خبر زيارتي عن الصديق محمد العميم حتى لا تتحول الزيارة إلى شبه رسمية!

وكنت في الطريق البري بين الرياض وحائل أتحدث لعائلتي بصورة مشوقة عن المكانة التي تحتلها حائل في المجال السياحي والأثري وما تضمه من آثار مهمة، وبخاصة (توارن) التي أقرأ عنها ولَمَّا أزرها بعد.

ولسذاجتي توهمت أن الطريق إلى هذا المكان سيكون سهلاً ميسوراً؛ لشهرته وأهميته، غير أن أحلامي ذهبت أدراج الرياح.. سألت في حائل المدينة فقال لي أحدهم: على طريق جبة بمسافة ثلاثين كيلاً، وبدأت البحث فوجدته غير أنني لم أجد أي لوحة تشير إلى المكان لا من قريب ولا من بعيد، وتجاوزت السيارة المسافة التي حدّدها المواطن الكريم فاضطررت إلى التوقف وسؤال أصدقائي الحائليين متجنباً الساكنين في حائل.. اتصلت بالمسيعيد فلم يرد، واتصلت بالفركز ولم يرد.. انتظرت قليلاً، وإذا بالأخير يرد مشكوراً، سألته فلم يستطع أن يصف لي الطريق لبعد العهد عنه واستنجد بأحد معارفه وزودني بجواله فأرشدني بنبله ولطفه إلى المكان وقال: إنه على طريق الحفير.. كنت في غاية اللهفة لرؤية المكان سرت لمسافة عشرة كيلو مترات تقريباً، وإذا بي أجد القرية، ولم يكن ثمة لوحات، وكان لا بد من التأكد من المكان.. أخذت جولة سريعة وإذا بي أجد مدرسة قرأت اللوحة: (مدرسة توارن الابتدائية) فرحت خفق قلبي بسرعة سألت أحد المواطنين: أين آثار حاتم الطائي؟

وقبل أن يجيب عن سؤالي دعاني للدخول إلى منزله وبإلحاح، اعتذرت بوجود العائلة.. قال: إنها على بعد ثمانية كيلومترات من هنا باتجاه الجبال، تحركت بسيارتي ذات الدفع الرباعي مع طريق في الغاية من الوعورة يهز السيارةَ بعنف ما يسميه العامة (البطناج)، ولو كانت معي امرأة حامل لسقط جنينها!!

ومع الرغبة الشديدة في رؤية المكان كنت أتطلع يمنة ويسرة لعلي أجد لوحات من الجهات المسؤولة عن الآثار تحدّد المكان وتقدم معلومات عنه، لكنني رجعت بخفي حنين، وكل ما وجدته كتابات يدوية تتضمن بعض الأسهم من أحد المواطنين على الجبال بأن قصر حاتم في هذا الاتجاه.. وجدت عدداً من الآثار على اليمين وعلى الشمال لكنني لم أستطع الجزم بأن هذا قصر حاتم أو قبره، واستعنت بكتاب (حائل ديرة حاتم) للدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري، وبكتاب (حاتم الطائي) لسعد العفنان، ولم أجد بغيتي.

التقطت بعض الصور ولكنني كنت في غاية الإحباط والتعجب والدهشة: كيف يكون في بلادنا آثار في الغاية من الأهمية مثل (توارن) ترتبط بأكرم العرب ونقابلها بالإهمال والتجاهل؟ أين الجهات المسؤولة (وزارة المعارف سابقاً) المشرفة على الآثار لسنوات طويلة ماذا عملت؟؟، وماذا عن دور الهيئة العليا للسياحة الآن؟ وماذا صنعت الجهات المشرفة على برامج التنشيط السياحي في حائل؟ ألا تفكر بإقامة مهرجان ثقافي كبير باسم حاتم الطائي أم العائق الطريق؟ ولماذا لم تقم وزارة النقل بواجبها المناط بها وتنهض بتعبيد الطريق وتزويده باللوحات اللازمة؟ ولماذا يبقى هذا المكان بعبقه وجماله ورائحة تاريخه مهملاً منسياً منزوياً مهمشاً؟؟

أسئلة كثيرة ومرّة ومؤلمة أرفعها بحب وحماسة لهذا البلد الحبيب ولاثنين من رجاله المخلصين، وهما: صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن أمير منطقة حائل، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة العليا للسياحة، وأجزم بأنني سأجد من لدنهما ما يثلج صدري وصدر كل مواطن غيور.

د.عبد الله الحيدري

كلية اللغة العربية بالرياض - قسم الادب


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد