عزيزتي الجزيرة..
يقال إن الأفكار وليدة اللحظة وهذا هو حالي، فقد كنت أقرأ جريدة الجزيرة يوم الثلاثاء الموافق 17-7-1428 هـ العدد (12724)، وعندما وصلت إلى الصفحة الاقتصادية، وقرأت تحليلاً عن سوق الأسهم الذي لا يسر عدواً ولا حبيباً تركت الجريدة جانباً وأخذني التفكير بعيداً إلى حيث تفكرت في حال بعض الناس الذين أصيب بعض منهم بأمراض نفسية واكتئاب وحزن دائم، وبعضهم الآخر من الأسر تفككت وتشرد أفرادها بسبب الآثار التي ترتبت على خسائر الأسهم وتناسى كثير منهم أن الله هو الرزاق الكريم، وأن الله سبحانه وتعالى هو العارف بما فيه خير وصلاح خلقه، وأن له في كل شيء حكمة وتدبيراً، وأنه سبحانه القادر على تفريج كرب بني آدم وجبر كسرهم، وأنه هو من يرزق الطيور في أعشاشها والحيوانات في الصحارى والقفار، فكيف يقلق على رزقه من كان له خالق وكيف يقلق من له رازق. يقال إن نبي الله سليمان عليه السلام سأل نملة: كم حبة تأكلين في السنة؟
فأجابت النملة: ثلاث حبات، فأخذها ووضعها في علبة ووضع معها ثلاث حبات، فلما مرت السنة نظر إليها فوجدها قد أكلت حبة ونصفاً، فقال لها مستغرباً: لِمَ لم تأكلي الباقي؟
فقالت له: عندما كنت حرّة طليقة كنت أعلم أن الله لن ينساني. أما وقد وضعتني في العلبة فقد خشيت أن تنساني فاقتصدت في أكلي حتى لا أموت جوعاً العام القادم.
وبغض النظر عن صحة هذه الرواية، فإن هذا لا يمنع من أن نستفيد من هذا الدرس الذي تقدمه النملة لبني البشر، وخصوصاً مع الكوارث التي خلفتها الأسهم في كثير من البيوت، فالتوكل على الله لا يأتي بالأقوال بل بالأفعال، والصبر لا يكون إلا عند الصدمة الأولى أو كما يقول أحدهم: علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي. وكذا من توكل على الله فهو حسبه.
فَلِمَ الجزع ولِمَ التشكي ولِمَ البكاء على اللبن المسكوب؟ ولِمَ تعذيب النفس؟ أليس الله هو من يجيب المضطر إذا دعاه؟!
روي كذلك أن سليمان بن داود عليه السلام جلس يوماً على ساحل البحر، فرأى نملة في فمها حبة حنطة تذهب إلى البحر، فلما وصلت الشاطئ خرجت منه سلحفاة وفتحت فمها، فدخلت فيه النملة ودخلت السلحفاة عمق البحر وغاصت فيه، فتعجب سليمان من ذلك، وفيما هو مستغرق في التفكر خرجت السلحفاة من البحر بعد مدة، وفتحت فمها مجدداً وخرجت منه النملة ولم تكن الحنطة معها، فطلبها سليمان وسألها عن ذلك، فقالت: يا نبي الله إن في قعر هذا البحر حجراً مجوفاً، وفيه دودة عمياء خلقها الله تعالى فيه وأمرني بإيصال رزقها وأمر السلحفاة بأن تأخذني وتحملني في فمها إلى أن تبلغني إلى ثقب الحجر، فإذا بلغته تفتح فمها فأخرج منه وأدخل الحجر حتى أوصل إليها رزقها ثم أرجع فأدخل في فمها فتوصلني إلى حيث رأيتني أنزل, فقال سليمان للنملة: هل سمعت من الدودة تسبيحاً قط؟ قالت: نعم، تقول: يا من لا ينساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك يا أرحم الراحمين.
علي بن زيد القرون
- حوطة بني تميم