Al Jazirah NewsPaper Friday  31/08/2007 G Issue 12755
الرأي
الجمعة 18 شعبان 1428   العدد  12755
حب الوطن والوفاء له أمانة في أعناقنا
محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز الحميدة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية اللغات والترجمة

الحب للوطن ليس فقط كلمات تردد.. وأشعاراً تنشد.. وإنما ترجمة عملية تنبع من عشق راسخ في أعماق النفس المؤمنة.. عشق يشع بالإخلاص والولاء.. ويفوح بالمحبة والانتماء.. ولا أذهب بعيداً إذا قلت إن الولاء للوطن وقيادته المخلصة امتداد للإخلاص والولاء للعقيدة الإسلامية الكريمة والالتزام بتعاليمها العظيمة التي تؤكد على أن حب الوطن من الإيمان.. نعم أيها الأحبة إن الحب للوطن والوفاء له أمانة في أعناقنا ورسالة سامية في حياتنا يجب أن نبذل قصارى جهدنا في القيام بها والحفاظ على معطياتها بكل صدق وإخلاص، وإذا كانت الترجمة العملية للولاء والانتماء يقوم بها المواطن والمواطنة كواجب ذاتي حسب متطلبات الخدمة الوطنية المخلصة.. وإن كان هذا ديدن كل مواطن وفيّ لوطنه في أرجاء المعمورة.. فإننا في هذا الوطن الحبيب في سعوديتنا الغالية نتحمل واجباً أكبر في القيادة بالتجسيد للانتماء والترجمة الصادقة للولاء بحيث تكون متميزة ومتفوقة على كل ولاء أو انتماء من أي مواطن لأي وطن.. لأن وطننا نحن بالذات في هذه الأرض الطيبة الطاهرة أعطانا ما لم يعطه أي وطن لأبنائه.. حيث لم يقتصر عطاؤه على الماديات من سكن ومعيشة وانتساب ورفاهية واستقرار.. بل أعطانا أكبر من هذه كله مشاعر الاعتزاز وأحاسيس الفخار.. فنحن ننتسب لوطن اختاره الله عز وجل ليكون مشع نور الهداية الإسلامية والكرامة الإنسانية للبشرية جمعاء.. ننتسب لوطن هو مهد العروبة ومربع عزتها وفخارها وتاريخها المجيد.. ننتسب لوطن هو منبع الخير والهناء للأمتين العربية والإسلامية من قبل ومن بعد، ثم هو الوطن الذي منّ الله عليه بنعمته وقيض له ظهور مؤسسه العظيم وباني كيانه الكبير الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ليجمع شمله بعد شتات ويوحد مسيرته بعد ضياع ويرسي قواعد أمنه وبنائه بعد خوف ودمار، فأصبحت وشائج الوئام وأواصر التضامن الحقيقي الصادق بين شتى مناطقه وشرائح مجتمعه قائمة وشامخة، عميقة ومتميزة في بيئة نقية طاهرة وبقيم عظيمة راسخة وقلوب مؤمنة صادقة.. وأصبحت كل القبائل والأفخاذ والأسر في شرق وغرب ووسط وشمال وجنوب هذه المملكة السعيدة الغالية تشكل في مجموعها أسرتنا السعودية الواحدة المتماسكة بفضل من الله في كل جزئيات حياتها وكيانها.. المتعاونة في كل خطوة من خطوات بنائها وازدهارها ثم أنعم الله عليها بهذا الرخاء الاقتصادي الذي جعل مدننا وقرانا في فترة وجيزة من الزمن تضاهي بعمرانها وحضارتها أرقى وأبهى المدن.

ونعمنا فيه بعد الجهل والضياع والفقر بكل خيرات الحضارة والرقي والازدهار العلمي والاقتصادي والصحي وبكل معاني العزة والفخار الوطني.. فأصبح وطننا بعد ديننا هو روحنا وعزتنا وكرامتنا وأصبح شرف أرضنا لا يقل عن شرف عرضنا.. انطلاقاً من عاداتنا وتربيتنا وقيمنا التي فطرنا عليها.. لذلك لن يستغرب أحد إذا ما اعتبر كل سعودي وفيّ مخلص أن العداء لوطنه عداء لذاته.. وأن الحقد على وطنه حقد عليه.. وأن من أيد بالقول أو بالعمل شيئاً من هذا الاعتداء أو الحقد أو بدرت منه أية بادرة ضغينة أو إفساد يصبح عدواً لهذا الوطن وخارجاً عليه وكارهاً لمواطنيه، تجب مقاطعته قولاً وعملاً، ومجاهرته بالكراهية والعداء. حتى لو كان أحد أبنائه الذين أضلتهم شياطين الإنس وأعداء الوطن عن طريق الصواب وأبعدوه بضلالاتهم عن الدين الحق فأصبح في ركاب الحاقدين على دينهم وأمتهم، وآلة في أيدي الإرهابيين المخربين لوطنهم وأمنهم بل إنه أصبح أكثر إرهاباً من الإرهابيين وأكثر إفساداً من المفسدين لأنه ممّن يخربون ديارهم بأيديهم ويطعنون ظهور أهلهم بخناجرهم ويفسدون أمن مجتمعهم بإرهابهم.

نعم إن هؤلاء الشباب الضالين والفتية التائهين الذين قاموا بالأعمال الإرهابية في هذا الوطن أصبحوا مطايا لأعداء وطنهم، ومعاول لمحاولة هدمه ووسائل لزعزعة أمنه لأنه قد تم - للأسف الشديد - غسل عقولهم وتضليل أفكارهم وتزيين سيئ الأعمال لهم من قبل منسوبي أحزاب الضياع والفساد وممولي حملات التدمير والإرهاب الذين أزاغ الله قلوبهم عن طريق الهدى والصواب وخرجوا عن حقيقة العقيدة الإسلامية وقوتها الإيمانية بأقوالهم الكاذبة وأعمالهم القذرة وفتاويهم الفاسدة، وأصبحوا بلا شك فاسقين مارقين وعملاء مأجورين للصهاينة الغادرين وللصليبيين الحاقدين.. نعم أيها الأحبة.. إن هؤلاء الذين يتظاهرون عبر وسائل الإعلام الحاقدة أنهم دعاة لإصلاح الأمم وأصحاب غيرة على العقيدة، يلبسون عباءة الدين قولاً ومظهراً وهم أشد ما يكون مروقاً منه وجهلاً بحقيقته.. وبات من تأثر من شباب هذه البلاد بأقوالهم وسعى إلى التخريب والتدمير لمقومات الوطن وزعزعة أمنه وإرهاب مواطنيه والمقيمين بين أهليه أشد عداء للوطن من ألد أعدائه.. وأكثر إنكاراً لقيم الإسلام ونقائه من الكافرين به.. نعم إن الذين يكفّرون المسلمين المؤمنين بدون دليل حق ويكفِّرون علماء المسلمين الذين أنكروا أفعالهم، ويبيحون قتل أهل الذمة المقيمين في بلادهم ويروّعون الآمنين في دورهم وأهليهم ويخرّبون أمن هذا الوطن الذي هو قبلة المسلمين ورمز عزتهم وفخارهم. هم بلا شك خوارج هذا العصر الذين ابتعدوا عن سماحة الإسلام وسنائه وتنكروا لقيمه وصفائه بل هم الأكثر عداء له من أعدائه لأنهم سعوا بأفكارهم الضالة النتنة إلى التغرير بنفوس بعض شباب هذا الوطن الصالحين وغسل عقولهم واستغلوا الميول الدينية لدى أولئك الفتية الصغار وحرصهم على الامتثال بالقيم الإسلامية ليدسوا لهم السم في الدسم، عن طريق ما أسموه زوراً بالمواعظ الدينية وما قالوه من فتاوى ضالة أسموها شرعية.. وللأسف الشديد أن هذا تم على حين غرة من مراقبة بعض الآباء لأبنائهم ومتابعة بعض المدرسين لطلابهم في ضوء حسن الظن بأولئك المدعين للوعظ والتوعية والانخداع بمظاهرهم، وبهذا استطاعت تلك الفئة الضالة التي استقت أفكارها من المبتدعين وأصحاب الملل والنحل الضالة الذين قدموا من خارج بلادنا بادعاء الرغبة في طلب الرزق ومن دعاة الإرهاب وأصحاب الفكر التكفيري من غير أبناء هذا الوطن الذين سعوا طيلة العقدين الماضيين في بلدانهم تدميراً وتقتيلاً وزعزعة للأمن والاستقرار فيها نفاذاً لتعليمات وتوجيهات ساداتهم من أعداء الإسلام والمسلمين لأن أولئك الأشرار بدأوا في السنوات الأخيرة توجيه سمومهم عن طريق عملائهم الآفنين إلى هذه الديار المقدسة إلى بلادنا الغالية التي يعتبرونها وقيادتها الرشيدة السامية شوكة في خاصرة الصهيونية الغادرة وعائقاً منيعاً أمام كل مخططاتها الاستعمارية القذرة.

لقد أصبحنا الآن أكثر فهماً لواقع هذه الفئة الضالة وأكبر إحساساً بأخطارها يجب أن نكون أقوى تلاحماً اجتماعياً وأكثر تعاوناً وطنياً في الحرص على مصلحة وسلامة وطننا ومواطنينا وأن نتعمق أكثر في فهم من حولنا وما تنطوي عليه أقوالهم وأفعالهم لنستطيع أن نميز عن كثب الخبيث من الطيب والغث من السمين بفراسة المؤمن ودراية المخلص.. كما يجب علينا كأفراد أسرة واحدة وخاصة في هذه الأزمة الراهنة أن نراعي أحوال بعضنا البعض كمواطنين وأن يلتمس كل منا حوائج جيرانه وأقاربه ويسعى بكل ما يستطيع لمساندتهم ومساعدتهم.. وأن نكون أكثر تعاوناً وتكاتفاً في درء الأخطار الاجتماعية عن أنفسنا وأولادنا وأهلنا.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد