هي الزوجة الحنون، لشقيقنا المربي الفاضل إبراهيم بن صالح الصيخان -رحمه الله- (مدير حطين الابتدائية بمدينة طريف سابقاً)
وهي الأم الرؤوم، أم فيصل بن إبراهيم الصيخان.
وهي فاطمة، التي غالبت فطامه وفطام إخوته وأخواته السبعة، فلم تشتكي أو تنثني. بل احتضنت زوجها وأبناءها وبناتها بعاطفة تغار منها الزوجات والأمهات.
وهي فاطمة، هبة الفاطر سبحانه وتعالى لنا، كالسحابة السخية الماطرة فوقنا، نحن أبناء صالح الصيخان -رحمه الله.
وهي فاطمة بنت محمد بن عبد الكريم اليوسف، امرأة ارتفعت وتعلَّت فوق الكثير من النساء. هي ديوان مكرمات وفضائل لا ينتهي، بجميع جوانبه الإنسانية الرفيعة من الخير والبر والعطاء والرحمة والحنوّ والعطف والإبداع والنبل والمروءة والشفقة. كتبت أولى سطور ديوانها قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، حين تولت رعاية زوجها وجميع أبنائها، وكذلك رعاية والدينا على أكمل وأجمل ما تكون الرعاية.
يا أم فيصل، حين توفي زوجكِ - رحمه الله - قبل عشر سنوات، جئت وأبناؤك وبناتك إلى الرياض، بإصراركِ الفذِّ على البر والعمل حتى صميم الروح، وقد تحديتِ الزمن المتغير والحزن في داخلك. فأصبحتِ موصولة ليلاً ونهاراً بوالدنا المريض، ورعايته صحياً في صحوه ومنامه حتى توفاه الله أرحم الراحمين.
ثم أكملت المسير، وواصلتِ العطاء، ابتغاء لمرضاة ربكِ ثم لتعلِّمي أبناءك وبناتك وكل من حولك دروساً في البر والعطف وصلة الرحم، فكنتِ أنتِ الراعية بعد الله لوالدتنا والملازمة لها، وهي الكفيفة المريضة بالقلب، والتي ألمّ بها وألمّ بنا جميعاً إصابتها بالشلل النصفي، فكنتِ لا تنفكين عن رعايتها والقيام بجميع حاجاتها وكأنها قد خرجت إلى الحياة من رحمك، لا، بل كأنكِ أنتِ الخارجة من رحمها، حتى توفاها الله قبل أيام معدودات، لتلحق بوالدنا إلى جنات الخلد بمشيئة الله وقدرته تعالى.
يا أم فيصل، لقد كنتِ كريمة في عطائك حين تقاسمتِ معنا الحزن والمصاب الأليم في والدنا ثم والدتنا، فاستقبلتِ وتلقيتِ العزاء فيهما في منزلك ومنزل أبنائك العامر.
وإلى جانب تلك الفصول الرفيعة من ديوانكِ الإنساني، أبحرت في كتابة فصول أخرى في واجبات أمومتكِ، والتي لم تغفل روحكِ ولم يستكن قلبك عنها لبرهة أو طرفة عين. لقد كنتِ تسكبين من كل روحكِ لتملئي قلوب أبنائك وبناتك بالإيمان بالله عز وجل، حتى تثبتت ذلك في قلوبهم، ثم بالهمة والمثابرة والعزيمة القوية التي لا تعرف نتيجة لها إلا الفوز والنجاح بمشيئته تعالى لشق طريقهم في هذه الحياة لأجل طاعته سبحانه وتعالى ثم عشق هذا الوطن والتفاني في خدمته.
فكان أن ابتهجتِ، وقرَّت عينك بايصالك لأبنائك وبناتك إلى مبتغاهم الأكاديمي والمهني، وأنتِ ترين النقيب وليد يتشرف حالياً بالخدمة في الحرس الملكي، وفيصل يواصل دراسته في هندسة الطيران بالولايات المتحدة الأمريكية وسيعود قريباً إلى أهله ووطنه، والملازم أول ماجد في القوات البحرية. إنهم جميعاً يخدمون بأشرف ما يخدم به الرجال دينهم ثم مليكهم ووطنهم.
وهذه نورة أنهت دراسة الدبلوم من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهدى أوشكت على التخرج من كلية التربية كاختصاصية في مجال الأغذية، وعبير ستلحق بهم كأخصائية اجتماعية بعد انهاء دراستها بكلية الخدمة الاجتماعية.
وأحمد لم يبق عليه إلا انتهاء هذا العام ليلحق إن شاء الله بالبعثة في التخصص الذي يرغبه، ثم صالح أصغرهم والذي يحمل اسم جده، سيسابقهم ويسابقهن بعد بضعة أعوام، فقد عرفناه متفوقاً في دراسته دائماً.
يا أم فيصل، إنما كان ذلك بتوفيق الله ثم نجابة أصلك وزكاء البيت الذي نشأت به وأصالة النبع والغرس الطيب في الأرض الطيبة.
إلى هنا وأقل منه بكثير، يحق لمن حققن مثله من نساء هذا الوطن أن يتفاخرن ويتباهين به لكنك زدتِ فوق ذلك بإبداعات فكركِ وثقافتكِ وأدبكِ.
فامتدت فصول ديوانكِ إلى حب تراث هذا الوطن، وأنتِ تساهمين بكتابته وتوثيقه ونقله للأجيال القادمة في كل قصصكِ الأدبية ومقالاتك التراثية ومساهماتك المتميزة في مهرجانات الجنادرية والتي حزت بها العديد من الشهادات والجوائز التشجيعية والتقديرية.
يا أم فيصل.. يا أمَّاه.. ويا أختاه.. إن حبنا لكِ طوال هذه السنين قد تجوهر، حتى صار نهراً يتدفق، ويهيم في بساتين قلوبنا، وجميعنا نقف لك مع أبنائنا وبناتنا وقفة احترام وإجلال، وجميعنا نؤازرك، ونفرح لفرحك، ونحزن لحزنك، وجميعنا وإياك جسد واحد، أنت فيه القلب النابض.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمتعك بلباس الصحة والعافية، وأن يُسبغ نعمه عليك ظاهرة وباطنة، وأن يجزيكِ عنا وعن والدينا خير الجزاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.