قبل حلول شهر رمضان المبارك بأيام نشرت كثير من الصحف المحلية، قوائم بأسماء البرامج الترفيهية والمسلسلات التلفزيونية التي ستُعرض خلال الشهر الكريم على قنوات الإعلام العربي الفضائي، حيث كان في مقدمة تلك الزفة.الصحافية والبشرى الإعلامية، حديث فني عن المسلسل الرمضاني (طاش ما طاش)، في محاولة صحافية لمعرفة ما يخبئ الثنائي الكوميدي (السدحان والقصبي) في دهاليز حلقاته من أفكار جريئة ومواضيع دسمة تثير الرأي العام السعودي وتكون فاكهة المجالس الرمضانية، ومادة جدل للمنتديات الإلكترونية كعادتهما كل عام، خصوصاً أن الأعوام الثلاثة الأخيرة قد شهدت طرحاً تلفزيونياً جاداً بالنسبة لبعض القضايا الاجتماعية، وحاداً ضد فئة معينة من الناس في إطار كوميديا شعبية جميلة.
لذلك نكش بعض الصحافيين في وريقات (طاش) وتوصلوا لشيء من خفاياها، فكتبوا عن بعض حلقات هذا العام، التي قد تحرك المياه الراكدة في الواقع السعودي، وتثير الأسئلة الصعبة بين أفراده، فظهرت تحليلات فنية ومقالات صحافية تتحدث عن حلقات محددة من مسلسل (طاش ما طاش) ستكون مغايرة وجريئة أكثر من ذي قبل، منها الحلقة المعنونة ب(ليبراليون ولكن)، التي عرضت على قناة mbc يوم السبت العاشر من رمضان الموافق (22 سبتمبر 2007م)، حيث أشارت تلك الكتابات والتحليلات إلى أن هذه الحلقة ستكون ناقدة بشدة (للتيار الليبرالي السعودي)، وأنها أشبه بالمصالحة مع (التيار الديني) في المملكة إن لم تكن مصالحة فعلية، هذا التيار الذي تعرض خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى هجوم شديد ومركز من قبل فريق طاش، عبر حلقات تلفزيونية تحدثت عن أداء هذا التيار بصراحة مفرطة وناقشت أفكاره بحدة غير مبررة، سواء على مستوى المؤسسات والهيئات الدينية الرسمية أو المراكز والجمعيات المدنية من خيرية ودعوية وتربوية.
غير أن واقع الحلقة التلفزيونية (ليبراليون ولكن) التي شاهدها الملايين من الناس، لم تكن (مصالحة) مع التيار الديني كما يتوهم أولئك الصحافيون أو المهتمون بالفن، إنما هي (مصالحة مع المجتمع السعودي) الذي لم يقبل ذلك الطرح الذي حدث في السنوات الماضية باسم الفن تحت دعوى النقد لأجل الإصلاح، بينما كان يخوض في أمور دينية أو لها علاقة بالتيار الديني بطريقة تأخذ بعض الحقائق من الواقع وتضخمها وتبالغ في تصويرها للمشاهد، وهذا تفسره حالة التوازن التي طرأت على خط (طاش) الفكري وطريقة طرحه الفني هذا العام عند مناقشة مسائل لها ارتباط بالدين، كما حصل في حلقة (قاضٍ في الجنة)، فقد أظهرت الحلقة قضاة يصدرون أحكاماً قاسية ومتفاوتة، ولكن غلب كل ذلك قضاة ينظرون بإنسانية الدين وحكمة العلماء ويكونون سبباً في هداية الضالين، كما أن حلقة (هذا حنّا) كانت تستعرض الوعي الجماعي إزاء المنتج المادي الجديد، من حيث طريقة التعاطي معه بين الرفض والاستغراب بسبب الجهل ثم القبول به على غير طبيعته ودوره في الحياة، وكيف تطور هذا الوعي حتى قبله وتعامل به وبما هو أعظم منه، فلم تخصص تلك الحلقة الإشكال في هذا الوعي بفئة المتدينين وحدهم بل جعلت الموقف من الجديد عاماً، فهل تدخل هذه في المصاحلة المزعومة بين طاش والإسلاميين؟ قطعاً لا، لذا أخطأ من أعتقد أن حلقة (ليبراليون ولكن) مصالحة قدمها فريق طاش للتيار الديني، جاءت على هيئة رسالة مفادها: ها أنذا أنتقد وبشدة خصمكم الفكري (التيار الليبرالي)، هذا من ناحية.
من ناحية أخرى.. فهذه الحلقة وإن قالت شيئاً من الحقيقة بخصوص الليبراليين السعوديين، وكيف يجيدون التنظير دون العمل، فإنها في المقابل قد أعطت انطباعاً إيجابياً أن الليبرالي هو الذي يكتب للمجتمع وينتقد للإصلاح، كما مررت (أوهاماً) كأنها حقائق، عندما زعم الأستاذ الأكاديمي عن وجود تيار ليبرالي ميزته التماسك، بينما الواقع يقول إن الليبراليين مجموعة أفراد لم يصلوا إلى مستوى النخبة في مجموعهم، وهذا ما كشفته الانتخابات البلدية بذلك الفشل الذريع، لدرجة أن أحدهم قال من هول الصدمة إن المجتمع السعودي لم ينضج ديموقراطياً.
kanaan999@hotmail.com