بزغتُ كشمس أطلت ذات صباح شتوي ينتظر أُنَاسُه دفأها.. استبشارٌ حافل بالقدوم كيف لا وأنا بطلّتي يحملني أبي وتحملني أمي كنيةً لهما.. أسرعتْ خطى الزمان والمكان إيذاناً بطلاقي لسن الصبا واحتفالاً بالرجولة التي أخوض عبابها وأجدف في مياهها - ها أنا ذا أصحو وأنام.. أسامر الليل وألهو مع الصباح.. يكتنفني الحزن.. وتغرد بي أطياف الفرح.. صراعٌ مع الذات.. فتارة أغلِب.. ومرةً أُغلَب.. لا أدري لماذا؟! ولا أدري ما كُنْه ما يعروني؟! أحس بوداع النفس.. وأحس بتباريح الفراق.. أحبُّ أن أجلس وحيداً هادئاً.. أحب أن أجلس في صحراء نفسي.. وفي صحراء الكون.. أسامرُ الوحدة.. وأحادثُ الجوى.. دائماً ما أرقب لحظة غروب الشمس وهي تغرق خلف رمال الصحراء.. دائماً ما أتأمل في وجوه الناس وهم يفارقون المقبرة وقد ضربوا يداً بيد إمعاناً في إزالة التراب عنها وبعد ذلك يكفكفون بقايا دموع هطلت من مقلهم.. دائماً ما أقرأ قصيدة الدكتور غازي القصيبي (حديقة الغروب)! وأحس بأني أنا من نسجها لا غازي! ربما لأنها تحاكيني كثيراً؟! دنيا صفراء علق بها غبار كثير.. وصوت الرياح يعزف بسيمفونية أقرأ فيها الوداع.. لا تعتقد أيها القارئ بأنني ثمانيني في عمري، هل تصدق بأنني في العقد الثاني، ولكن روحي هي من شاخت مبكرة.. ربما لعوامل كثيرة جعلت روحي أكبر من عمري الفيزيائي! أحب الرحيل.. لا لأجل الرحيل، ولكني أحببت جوار الرب وكرهت العيش في دنيا الغدر والنكد والخيانة.. أحب الرحيل وأحب أن أضع في قماش أبيض بقايا طعام وأربطه بعصا أضعه على كتفي ماشياً في صحراء جرداء بدون حذاء حتى ألقى ربي أحبُ الرحيل.. لولا أني التفت يميناً فأرحم ضعف أمي التي بدا أثر السنين يكتنف جوانبها.. أحب الرحيل.. لولا صبية أيتام يتضاغون حولي فألطف بحالهم.. أحب الرحيل لولا صغيري الذي يرمقني بعينيه الودعيتين فيرفع يديه لي حتى أحتضنه.. أحب الرحيل رغماً عن كل ما سبق وما سيأتي لأن الله لن يضيعهم.. أحب الرحيل وكأني بأترابي وهم يضمون بعضهم بعضاً.