Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/09/2007 G Issue 12785
الرأي
الأحد 18 رمضان 1428   العدد  12785

أيها الإرهابي.. الجاهل عدوّ نفسه
إبراهيم ناصر المعطش

 

حقاً، الجاهل عدوّ نفسه.. فالجاهل لا يجدي الحوار معه أو محاولة تغيير رأيه أو تصحيحه أو الاعتراف بذنبه أو خطئه؛ فالجاهل يتبنى مواقف من غير دراسة، ويغضب ويثور دون التريث وإعادة قراءة أسباب الغضب، ويتصرف بتهور دون أن يكون لهذا التصرف نفع آنيّ أو آجل.. ويبذل بغير حق.. وقد يكون هذا البذل مالاً، أو دماً، أو نفساً، أو حتى أسراراً؛ لأن الجاهل قد يعطي سراً عظيماً لمن لا يستحقه، ولا يجوز أن يكشف له هذا السر.

ومن عيوب الجاهل التي يُعرف بها أنه لا يميز بين عدو وصديق، ونافع وضارّ، وصادق وكاذب.. بل لا يتحرى قبل أن يصدق أو يثق، بل يندفع إلى ما تمليه عليه نفسه دون تمحيص!. يقول أرسطو: الجاهل يؤكد، والعالم يشك، والعاقل يتروى. وأكبر إشكالية في حياة الجاهل أنه يرى نفسه على حق، ويرى طريقه مستقيماً، ومساره صحيحاً، ومن خالفه فهو المخطئ، فالويل ثم الويل له.. ويقول نابليون: حسنة الجاهل أنه دائماً في حالة رضى عن نفسه، وقال المتنبي:

وفي الجهل قبل الموت موت لأهله

وأجسادهم قبل القبور قبور

أيها الإرهابي: أنت عدو لنفسك قبل أن تكون عدواً لأهلك وبلدك وأمتك.. أنت تطاوع (شيطانك) قبل أن تتريث في الأمور وتدرك إلى أي مكان تقودك مواقع خطواتك.. أنت تصدق كل من أفتاك بأن عقوق الأهل والوطن والفساد في الأرض وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق (جهاد) وفضيلة.. دون أن تكلف نفسك بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحري من مدى صحة ذلك.. وقلّ الرجوع إلى أهل العلم الذين يوضحون للناس ما التبس عليهم من أمور الدين.. على رغم أن أفعال الإرهاب كلها شر واضح لا لبس فيها ولا غموض.

أنت عدوّ نفسك بجهلك عن واجبك وحقوقك في هذه الحياة.. عزلت نفسك عن مفهوم دور الفرد في المجتمع الذي يتمحور حول البناء والتعاون والسلام والاستقرار وبث الطمأنينة في النفوس، ورسم الابتسامة على وجوه الآخرين، وليس الهدم والتدمير والإبادة والقتل وبث الرعب والإرهاب والهلع في النفوس وتجذير الخوف، ونشر القلق وعدم الاستقرار، وذبح الابتسامة وحذفها من وجوه الصغار، واستبدال الدموع والحزن والبكاء والتوجس وفقد الأمل والأهل والأمن بها.

نعم أيها الإرهابي الدموي القاتل المفجر الخائن لأهله ولدينه ووطنه.. أنت عدو نفسك؛ لأنك غارق في الجهل من أخمص قدميك حتى أذنيك.. فالعلم والتعلم لا يزيل جهل النفوس.. ولا يهدي القلوب ولا البصائر، ولا يوقظ الضمائر.. العاقل من عرف قدر نفسه، وسر وجوده، ودوره ورسالته في الحياة.. وقام بدوره كمواطن صالح أمين على كل شبر من وطنه، وعلى كل قطرة دم لكل فرد في المجتمع، سواء المواطن أو المقيم أو أي فرد من أفراد البشرية والإنسانية جمعاء.. فالإنسانية لا تتجزأ كما أن الحق لا يتجزأ.

انظر إلى نفسك في مرآة الواقع، واختر بنفسك أين تضعها.. هل كنت صديق نفسك في يوم من الأيام؟! هل كنت صادقاً معها في أي تصرف من التصرفات أو السلوكيات؟! هل كنت مطمئناً على كل خطوة خطوتها في طريقك هذا؟! هل تنام الليل وأنت مرتاح الضمير وأنات الثكالى والأرامل والأيتام يتردد صداها على سمعك؟!

هل تضحك حين يضحك الشرفاء والأبرار بأوطانهم وأنت واحد ممن تلوثت أياديهم بدماء الأبرياء.. وبعقوق الوطن والمجتمع والأمة.. وخيانة أمانة تعمير الأرض؟!

هل هتف هاتف من داخلك محاولاً إيقاظ ضميرك الذي يغطّ في سبات عميق؟! هل عرفت شيئاً اسمه الندم على فعل الشر أو يقظة الضمير؟! هل حاك شيء من ذلك في نفسك؟!

من خلال إجاباتك عن هذه التساؤلات البسيطة تستطيع تصنيف نفسك ووضعها في الخانة المناسبة لها.

فإذا كنت إرهابياً فأنت إذن جاهل.. وأنت عدوّ لنفسك.. فاخلع عنها هذا الرداء القبيح لتكون صديقاً لنفسك، محباً لها ومحباً للخير لأهلك ووطنك ومجتمعك وللإنسانية من حولك.. فهل وعيت ذلك أم ستبقى على جهلك وعداوتك لنفسك حتى تلقى حتفك على سوء خاتمة؟!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد