رحم الله الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن المسند فقد انتقل إلى الدار الآخرة يوم الثلاثاء 20 رمضان الحالي فجأة في الرياض.
وقد عرف الجميع أن الشيخ عبدالعزيز المسند شيخ عالم جمُّ النشاط، كثير المبادأة بالخير، فكان أينما حَلَّ يعظ ويذكِّر، بلسانه وجنانه وقلمه.
ومن منَّا لم يستمع إلى برامجه في الإذاعة أو أحاديثه الشيقة المتنوعة في التلفاز على مدى عشرات السنين.
لقد كان الشيخ عبدالعزيز المسند صديقاً لي منذ أكثر من ستين سنة إذ نشأنا جميعاً في شمال مدينة بريدة القديمة، وكان والده صديقاً لوالدي.
ولكن الأهم من ذلك بالنسبة إلى علاقتنا محبة الشيخ عبدالعزيز المسند للمعرفة وتطلعه للجديد.
فقد ذهب الفتى عبدالعزيز المسند أو على الأدق ذُهِبَ به -بالبناء للمجهول- إلى دار التوحيد بالطائف عام 1364هـ مع مجموعة صالحة من شباب بريدة في ذلك الحين منهم الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن دخيل والشيخ محمد بن صالح المرشد.
فالتحقوا بدار التوحيد في الطائف ودرسوا فيها السنة الأولى من حياتهم الدراسية وعندما حلَّت العطلة عادوا إلى أهليهم في بريدة، وهم أشد شوقاً إلى معاودة الدراسة في دار التوحيد التي كانوا أو كان بعضهم قد أكرهوا على الدراسة بها إكراهاً.
كان الشيخ عبدالعزيز المسند عندما عاد من تلك العطلة من عام 1365هـ قد أحضر معه الكتاب الأول من سلسلة (وست) لتعليم الإنكليزية للأطفال العرب، وكنا في ذلك الوقت لم نكمل العشرين سنة، ونحن بالنسبة إلى معرفة اللغة الإنكليزية كأطفال المرحلة الابتدائية، بل كتلاميذ السنة الأولى الابتدائية.
فكنت والشيخ عبدالعزيز المسند نتدارس ذلك الكتيب الابتدائي باللغة الإنكليزية.
هو معه الجرأة والرغبة في أن يتعلم الإنكليزية ومعهما بضع كلمات سمعها في دار التوحيد بالطائف، وأما أنا فمعي الرغبة وكلمات كنت تعلمتها أنا وصديقي الأستاذ علي الحصين -رحمه الله- على أستاذ فلسطيني يدرس في المدرسة الوحيدة آنذاك في بريدة.
ومن هنا ابتدأت صداقتنا الحقيقية بالشيخ عبدالعزيز المسند ثم توطدت واستمرت إلى الآن.
وقد قويت تلك الصداقة في خارج بلادنا عندما سافرنا معاً إلى مناطق من العالم كان الدافع إليها حب الاطلاع والرغبة في معرفة الأوضاع الإسلامية، وشرحها لمن يهمهم الأمر في بلادنا من أجل مساعدة الجمعيات والهيئات الإسلامية.
ومن أهم ذلك أن رابطة العالم الإسلامي عندما عقدت المؤتمر الأول لأمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي في ترينداد في شوال من عام 1397هـ دعتني إلى حضور ذلك المؤتمر ودعت الشيخ عبدالعزيز المسند، ولم أكن التحقت بالرابطة آنذاك ولا كان الشيخ المسند له علاقة عمل بها ولكنها دعتنا للحضور والمشاركة.
وبعد أن حضرنا المؤتمر مع الجم الغفير من الناس اتفقت مع الشيخ عبدالعزيز المسند على أن نقوم بجولة على بعض جزر الكاريبي لأننا كما كنا نعتقد آنذاك أنه لن تتاح لنا فرصة مثل هذه للوصول إليها.
وقد تجولنا بالفعل في عدة جزر منها (بورتو ريكو) و(جزر العذراء) و(كورساو) ثم ختمنا جولتنا بفنزويلا.
ثم كانت لنا عودة إلى جزيرة ترينداد لم نكن فكرنا فيها من قبل وهي أن الهيئة العليا للدعوة الإسلامية التي كان يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الوقت الحاضر قد قررت إقامة دورة لأئمة المساجد والقائمين على العمل الإسلامي في تلك المنطقة وأن تقوم بالعمل الإداري لها رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ولكن إدارتنا وهي الأمانة للدعوة الإسلامية التي هي أمانة الهيئة العليا تتابع ذلك.
وجرى اختيار الشيخ عبدالعزيز المسند لإدارة هذه الدورة التدريبية الإرشادية فسافر وسافرت بعده إلى ترينداد للاطلاع على أعمال الدورة التي أقيمت في شهر ذي القعدة من عام 1401هـ.
ومن هناك سافرت أنا إلى نيوزيلندا وأستراليا عن طريق المحيط الهادئ في أول زيارة لي إلى أستراليا ونيوزيلندا.
ثم تتابعت الزيارات والسفرات التي جمعتني بالشيخ عبدالعزيز المسند ومنها زيارة إلى الأقطار الإسكندنافية (السويد والدانمرك والنرويج وفنلندا).
وعندما انتقلت إلى الرابطة كان عملها الرئيس الاتصال بالإخوة المسلمين ومساعدتهم في شؤون دينهم كما هو معروف، وذلك يقتضي زياراتهم في أماكنهم ومعرفة الأوضاع الحقيقية لهم، ومعرفة ما يحيط بالدعوة الإسلامية من مشجعات أو معوقات في بلادهم.
ومن ذلك حضور المؤتمر الإسلامي الثاني الذي أقامته الرابطة في البرازيل في عام 1406هـ فدعونا الشيخ عبدالعزيز المسند لإلقاء محاضرات فيه.
وبعد انتهائه رجعت أنا والشيخ عبدالعزيز المسند إلى المملكة عن طريق شمال البرازيل وشرقها.
وتوالت أسفاري بحكم عملي فاخترت أن يذهب معي الشيخ عبدالعزيز المسند إلى عدة أقطار منها أقطار أمريكا الوسطى وهي المكسيك وغواتيمالا وبيليز والسلفادور ونيكاراقوا وكوستاريكا.
كما دعت الرابطة الشيخ عبدالعزيز المسند إلى الاشتراك في الدورة الدعوية في بكين في الصين، وهي التي ألف بسببها كتابه عن الصين ويأجوج ومأجوج.
لقد كان الشيخ عبدالعزيزالمسند رفيقاً صالحاً في السفر فهو لا يمل ولا يتعب من الانتقال إذا كان ذلك يشتمل على معرفة جديدة ببلد فيه مسلمون، أو اتصال بإخوة مسلمين.
كما أنه محب للاطلاع العام على الغرائب والعجائب التي يصادقها المسافر وإن احتاج ذلك إلى سفر داخل سفر.
أما ترجمة الشيخ عبدالعزيز المسند فإنها تكاد تكون معروفة، من حيث التحاقه بالوظائف ونشاطه الفكري الثقافي، وقد سجلت ذلك في (معجم أسر القصيم) الذي أرجو أن ينتهي طبعه قريباً.
إنني أنظر إلى أخينا وصديقنا الشيخ عبدالعزيز المسند من جهتين الأولى عامة وهو أنه من رجال الدعوة والثقافة النشطين العاملين في بلادنا والثانية خاصة وهو أنه صديق زادت مدة صداقتي به على ستين سنة.
وقد فجعنا بوفاته فجأة فرحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً.
ولأبنائه النجباء وبناته النجيبات ولأسرة المسند ولمحبي الشيخ عبدالعزيز والمستفيدين من دعوته وإفاداته حسن العزاء والدعاء بالصبر الجميل.