Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/10/2007 G Issue 12796
الثقافية
الخميس 29 رمضان 1428   العدد  12796
حاصد الجوائز الأدبية.. أسامة الزيني ل(ثقافة الجزيرة):
كتابة (الهيبيز والبورنو) تحتمل بعض صفحاتنا الثقافية

حوار - سعيد الزهراني - أنور العنزي

أسامة الزيني.. اسم تعرفه المسابقات الثقافية والأدبية وتحديداً الشعرية جيداً.. للغربة والهم العربي المكان الأرحب في وعي أسامة الزيني وروحه.. وحول هذين الهمَّين ينثال إبداعه العذب.. هو على المستوى الشخصي إنسان حقيقي شفاف.. وهو على المستوى المعرفي نقطة مختلفة من الدهشة..!

لن أطيل.. فالحوار سيريكم أي روح تسكن جسد الشاعر الإنسان أسامة الزيني.. فإلى الحوار:

البدايات

* ماذا عن بداياتك الشعرية وكيف كانت؟

- بدايةَ التسعينيات الميلادية وفي محافظة الفيُّوم المصرية القريبة من العاصمة القاهرة، وفي إحدى أمسيات مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم، ووسط تصفيق قاعة حافلة بعدد غير قليل من أدباء مصر، وقف المفكر المصري الكبير محمود أمين العالم في طريق الشاب الذي كان انتهى لتوه من إلقاء عدد من قصائده، وهبط من المنصة في طريقه إلى كرسيه وسط الحضور.. تصور الشاب بادئ الأمر أن المفكر محمود أمين العالم يقف لسبب ما لم يكن يعرفه ولم يفكر بتخمينه، لكنه تأكد أن الرجل العملاق يقف من أجله هو عندما فتح له ذراعيه ليعانقه، ويقبله إعجاباً بفنه الشعري، بعدها اعتلى المنصة الشاعر البورسعيدي سيد الخميسي وأهدى أول قصيدة من قصائده للشاب (الذي لا أعرفه الذي ألقى قصائده منذ قليل).. الخميسي كان يقصد أسامة الزيني، الشاعر والروائي، الذي أصبح أيضاً مذيعاً بالإذاعة المصرية فيما بعد، وسط توقعات كثيرة ببزوغ نجمه شاعراً من شعراء الفيوم، عاصمة الدولة الفرعونية القديمة، بيد أن الشاب كانت طموحاته تتجاوز ذلك بكثير، إذ كانت عينه على الانتشار خارج حدود الوطن، ومن هنا بدأْت.

حصاد التألق

* أسامة الزيني.. حزت باقة متميزة من الجوائز المصرية والعربية.. فمتى بدأت رحلتك إلى اللقب العربي؟..

- رحلتي بدأت من حجرة اجتماعات صغيرة في بيت ثقافة أثري مطل على ميدان (سنُّورس) إحدى مدن محافظة الفيّوم.. كان التنفس صعباً وسط كثافة شبورة دخان السجائر, وطعم الشاي الحكومي المُنَكَّه بمذاق الكيروسين الذي اعتاد عامل بوفيه بيت الثقافة استخدامه لرخص ثمنه.. كنا ثلة من الشبان الموهوبين والمعزولين أيضاً عن العالم الذي كان يعني بالنسبة إلينا -آنذاك- العاصمة.

غربة الذات

* لكني علمت منك أنك كنت

عضواً نشطاً في ندوات العاصمة الأدبية، فمن أين جاءت العزلة؟!.

- نعم كنت عضواً نشطاً فاعلاً وصديقاً لأشهر أصحاب الندوات؛ د.يسري العزب، القاص محمد جبريل، الشاعر حزين عمر، وتربطني علاقات جيدة بنخبة من الكتاب والأدباء والنقاد أمثال د.مجدي أحمد توفيق، أمجد ريان، محمد الحسيني، يسري حسان، وغيرهم كثيرون قد لا أحصيهم، بيد أنه كان وجوداً من أجل أن تظل في ذاكرة الآخرين، بينما أيديولوجيًّا كانت الهوة سحيقة وواسعة بيني وبين هؤلاء، لذا لم أستطع البقاء في العاصمة بشروطهم، فعدت إلى مدينتي في الفيوم برفقة صديقيّ: الشاعر أحمد قرني، والقاص أحمد طوسون، لنكوِّن جماعتنا الخاصة التي لا تتبع لمدرسة أحد، وفي الوقت ذاته تتسع للجميع وتؤمن بالتجاور والتعدد.

الجذور

* هل تريد أن تقول إن مدينتك القديمة حققت لك ما لم تحققه العاصمة؟!.

- نعم.. لأن الاعتبار والمعيار والأولوية الأولى لدينا كانت الإبداع.. الإبداع أولاً وقبل كل شيء وبعده أيضاً، نكتب، نستمع إلى بعضنا، ويمارس كل منا على الآخر نقداً قاسياً، يتقبله الآخر بسعادة.. نعم فشلنا في التواصل حدَّ الاندماج مع العاصمة، وبقيت علاقتنا بها من خلال زياراتنا إلى أصدقائنا فيها أو زياراتهم لنا عبر الندوات والمؤتمرات، لكننا نجحنا في التواصل مع العالم.. فكانت صافرة البداية عام 1998م عندما تلقيت اتصالاً من أمانة جائزة الدكتورة سعاد الصباح في الكويت، يبلغونني بفوزي بجائزة الدكتورة سعاد الصباح عن ديوان (طبل الريح) الذي كنت أرسلته على عنوانهم في الكويت.

المفاجأة

* وكيف تلقيت هذا النبأ؟

- بجنون.. صدقني هذا أنسب وصف لحالتي وقتها.. لقد أرسلت إليهم ديواني وكلي يقين أنها محاولة غير مجدية.

* لماذا؟

- أتصور أنه من المنطق ألا تتوقع أن تكون الأفضل بين شعراء وطن أو حتى من أفضلهم، على المرء أن يكون متواضعاً وطبيعياً.. ناهيك عن ذلك أننا كنا ندور في فلك مدينتا القديمة وجماعتنا الأدبية الصغيرة، وأقصى ما نحلم به بصيص أمل يأتينا من العاصمة؛ إصدار ديوان لأحدنا مثلاً، أو مجموعة قصصية أو رواية أو جائزة محلية، فإذا بالقدر يبتسم لي ويهديني هالة من الضوء بعرض الأفق قادمة من خارج الوطن.

الأثر

* وهل كان للجائزة أثر على المستوى المحلي؟

- بكل تأكيد، فديواني (رائحة الجسد) الذي كان حبيس أدراج الهيئة العامة لقصور الثقافة لأكثر من خمس سنوات، انطلق بسرعة الصاروخ إلى الأسواق في عقب جلسة لي مع الأديب فؤاد قنديل رئيس سلسلة إبداعات أدبية، الذي أدرك كمّ التجاهل الذي تعرضت له، وربما المؤامرة من أحد أو بعض منسوبي السلسلة من الأدباء المختلفين معي في التوجه الأدبي والأيديولوجي.

* لكن الجوائز انهالت عليك فيما بعد؟

- نعم.. الحمد لله، تغير الحال كثيراً، جائزة سعاد الصباح ملأتني ثقة بنفسي وبقدراتي وقبل ذلك بعطاء الله الذي أدركت أنه أوسع مما كنت أتصور؛ فعام 2004 حزت جائزة دار الصدى الإماراتية عن روايتي الأولى (شتاء جنوبي)، وقبلها كنت قد حصلت على جائزة (تراث) الإماراتية أيضاً، في الشعر لدورتين على التوالي، ثم أكملت مسيرتي مع الجوائز عبر عقد أعتز به من جوائز المملكة منها: جائزة نادي الطائف الأدبية عام 2004م في الشعر، وجائزة نادي أبها الأدبية عام 2006 في الشعر، وأخيراً جائزة موقع الألوكة الإلكتروني عن قصة (أنا وفيليب ومحمد)، التي حققت انتشاراً واسعاً في الشبكة العنكبوتية، وتناقل أخبارها الشبان والفتيات في المملكة عبر رسائل الجوالات والمنتديات، وتصفحها في الموقع أكثر من ألف زائر علَّقوا عليها بعبارات أثَّرت فيَّ كثيراً.

المشهد السعودي

* إذا انتقلنا بالحديث إلى المشهد الشعري السعودي، ترى ما انطباعك عنه؟

- المشهد الشعري السعودي يعاني حالة من الفصام الإبداعي، إن جاز التعبير، ضحيتها المبدعون الشبان الذين يجدون أنفسهم أمام مفترق طرق يحرص الجميع على ألا تتقاطع في أي نقطة التقاء، وعلى الأديب الشاب المسكين -في رأيي- أن يختار منذ البداية التيار الذي سينتمي إليه، ليس ذلك وحسب، بل وعليه الاستعداد لعداء وربما استعداء التيار الآخر، فالاتجاه الكلاسيكي في المملكة لا يعترف بأحقية الحداثيين في الوجود، والحداثيون لا يرون أن للكلاسيكيين الحق في تلك الهيمنة الأزلية على المشهد الشعري، وربما أنضمُ -إن كان لي الحق- إلى الحداثيين، فقط في جزئية حقهم في الوجود، والحصول على حظهم من كعكة المشهد الشعري التي يسيطر عليها القدامى، وإن كنت أدرك أن كلا الفريقين لا يعترف بوجود الآخر، وهذا ما يجعلني أقف باعتباري أديباً ضيفاً على الحياد، فمصادرة الكلاسيكيين للحداثيين، وكفر الحداثيين بمرجعية الكلاسيكية، ممارسات إقصائية أرجو ألا تصل إلى ما وصلت إليه في مصر!!.

* وما ذلك الذي وصلت إليه في مصر؟.

- الإعدام.

* ماذا؟!!.

- نعم.. الإعدام.. الإعدام على الطريقة (الصَّدَّامية)، الإقصاء التام كان مصير الكلاسيكيين في مصر، حتى أن الكلاسيكية أصبحت تهمة قد توجه إلى قصيدتك، إذا ابتعدت في تقنياتها عن معطيات الكتابة الجديدة.

* وهل تتوقع أن يحدث شيء كهذا في السعودية؟.

- بكل تأكيد، الإعدام سيكون مصير الكلاسيكيين السعوديين، إن استمروا في ممارسة انفرادهم بالمشهد الشعري في المملكة، وإقصاء الأقلام الجديدة التي لها الحق في أن تجرب وتجد المساحة الكافية لطرح كتابتها، وقبل ذلك الحق في احتضان قدامى الكتاب والنقاد، حتى نصل إلى حالة من التعايش والتعاطي بين أجيال الكتابة، بدلاً من الانقلاب الأحمر الذي ربما يجد المبدعون الشبان أنفسهم مجبرين عليه لا بَطَل.

الصحافة المحلية

* في رأيك.. الصحافة الثقافية السعودية إلى أي مدى خدمت المبدع السعودي؟.

- الصحافة الثقافية السعودية تعمق لحالة من القطيعة الثقافية في المشهد الأدبي السعودي، فبعضها لا تفتح صفحاتها إلا لكتابة (الهيبز) إن جاز التشبيه، التي تسعى إلى تغريب المشهد الأدبي السعودي، وإغراقه في نفق أستطيع من مكاني هذا أن أشاهد كتابات (البورنو) في نهايته، وبعضها الآخر لا يقبل منك القصيدة إلا إن كان لها ضلفتان ومصراعان لهما صرير منتظم يسمى القافية، حتى إن كانت قصيدة لأحد النظّامين المدّاحين عارية تماماً من الشعرية أو الفن، وعلى الحياد تقف قلة من الجرائد -منها الجزيرة- تفتح صفحاتها للجميع، إيماناً بمبدأ التجاور والتعدد الذي أشرنا إليه سلفا، وأتصور أن وجود رجل بعقلية الأستاذ إبراهيم التركي ساعد (الجزيرة) كثيراً على الخروج من هذه الحفرة.

الاغتراب

* أسامة الزيني.. اغترابك عن الوطن، ماذا أضاف إلى تجربتك الشعرية؟

- أولاً أنا لست مغترباً.. أنا هارب، وسعيد جداً بوجودي في هذا الذي تسميه غربة!.

* هارب من ماذا؟.

- من كل شيء حتى من الهواء الذي كنت أتنفسه، والذي تدفعون أنتم الخليجيين المال للسفر إليه واستنشاقه، أنا هارب يا سعيد ولا داعي لأي تفاصيل.

* لكن على الأقل اذكر لنا ولو موقفاً واحداً..

- لك ما طلبت يا أخ سعيد.. أعود معك إلى ذكرى حادثة بسيطة وأليمة في آن مررت بها عندما دخلت ذات صباح مكتبة الأشرطة في الإذاعة التي أعمل مقدماً للبرامج فيها، وكان ذلك أثناء الانتفاضة الأخيرة، وأطلعتني أمينة المكتبة على قائمة من الأغاني التي وردت التعليمات بعدم إذاعتها، (حتى لا تساعد في شحن الشعور العام) في الشارع المصري، كانت قائمة أغان وطنية بينها أغنية (الحلم العربي).. حينها أحسست برغبة قوية في الاغتراب، الخروج من كل شيء، والعيش بعيداً في بلاد لا تعرفك، في هامش صغير لا يلتفت إليك فيه أحد.

* لكنك لم تعد غريباً، أنت في وطنك، وها نحن نفرد لك تلك المساحة من (الجزيرة) لتلتقي من خلالها قراءنا في أصقاع المملكة..

- نعم يا أخي سعيد، لقد أصبحت الآن أفضل حالاً.. على الأقل يمكنني سماع أغنية (الحلم العربي) بكل حرية، ومطالعة سباب الإسرائيليين والدعاء عليهم ووصفهم بالعدو على صفحات الجرائد وفوق المنابر، وهذا أشكر عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وإن اعتبر أحد المثقفين هذا ضرباً من النفاق، فإني أتهمه بأنه إما جاحد، أو معزول لا يدري ما الذي يدور حوله في الأقطار المجاورة، ثم أعود لأشكر خادم الحرمين الشريفين مرة أخرى.

* مَن أكثر من وقف إلى جوار مشروعك الإبداعي في المملكة؟.

- الثقة أكثر ما يحتاج إليه المبدع، وأتصور أن أكثر من منحني تلك الثقة سعادة رئيس التحرير الإعلامي القدير الأستاذ خالد المالك، باعتداده بملاحظاتي حول القصائد التي يُطلَب مني إبداء الرأي فيها، فهذا أمر كان يمثل بالنسبة إليَّ دعماً كبيراً، أما المساندة التي أعتز بها وأنحني أمامها احتراماً فهي تلك التي اشترك فيها نخبة من شبان وفتيات المملكة الذي سطروا بأيديهم التي تمنيت لو أصافحها جميعاً (ما عدا الفتيات طبعاً) أجمل التعليقات على قصتي الأخيرة (أنا وفيليب ومحمد) التي فازت بجائزة موقع الألوكة الإلكتروني، سواء عبر تعليقاتهم التي ملأتني عرفاناً وامتناناً لجمال أرواحهم المحبة الرائعة، أو عبر المنتديات ورسائل الجوال التي نشروا القصة من خلالها.. شكراً.. شكراً.. شكراً.. لكم جميعاً يا إخوتي.

* كلمة أخيرة.. إلى من توجهها؟

- إليك أنت يا سعيد.. أرجو ألا تنشر كل ما يقوله ضيوفك تحت تأثير ارتياحهم إليك، حتى لا أتهمك بالخبث.. دمت نشطاً، ودامت (الجزيرة) بيتاً للجميع.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد