Al Jazirah NewsPaper Friday  12/10/2007 G Issue 12797
محليــات
الجمعة 01 شوال 1428   العدد  12797
دعا لكَ مَن في القُبور.. يا أبا متعب!
الجوهرة آل جهجاه

الحمد لله الذي كتبَ لموتانا فرجًا وفرحًا وعِتقًا من حبس ديونهم في أواخر شهر الرحمة والعتق من النار!

ثمانٌ وعشرون ليلة وأهل الأموات الذين يذكرونهم يَطرقون بمدامعهم وأيديهم أبواب السماء العُليا طلبًا لرحمة موتاهم، وعِتقهم من قيدهم، ثمانٌ وعشرون ليلة ودعواتهم تعرج في السماء ترجو القبول والنوال، وفوق هذه الليالي سنواتٌ طويلةٌ على أهل الأموات، وعلى موتانا الذين اختلط رميمهم بتراب الأرض، وغابوا في غياهب القبور؛ مَن يذكرهم يدعو لهم ويجتهد في قضاء حوائجهم التي أخطرها سداد الدين، ومن لا ذاكر له ولا ساعٍ على سداد دينه، فله الله، وهو في رحمة الله!

تعبوا سنيّ عمرهم يكدّون ويكدحون، ويصبرون ويصابرون، وهدفهم تأمين عيشة أهلهم وصِغارهم الذين كانوا يختبؤون في أحضانهم وخلف ظهورهم أذلّ من فرخ القَطا المُروَّع، كُتلة لحمٍ لا يشدّها إلاّ العصب والعظم اللّين، والوالد يحمى ويغذو... وبعد مصيبة الموت، وشرخ الفرقى، وصمت المسافات بين أهل القُبور والأحياء، وزيارات المنامات والأخيلة، هناك مَن شدّ مئزر روحه من الأبناء أو البنات الأبرار، وسعى في سداد دين حبيبه من كسب يده الحلال، مُحتسبًا تضييقه على نفسه طلبًا للتوسيع على ميّته الذي يرجوه من قبره وقد أحسنَ إليه بدءًا من إنجابه من صُلبٍ حلال، ومرورًا بتغذيته وتربيته، وانتهاءً برعاية شبيبته وفُتوّته، وما أطيب عيش هؤلاء من الفريقين: الأحياء والأموات!

وأما الآخرون، الذين نسيهم أبناؤهم في ظلمات قبورهم، وألهتهم مشاغل الدنيا ومفاتنها وتقديم مصلحة الذات على عتق الحبيب الغائب في حبس دينه، أو مَن ألجم الضعفُ ذُرّيتَه، وقطّع أصابعَ كسبهم، وحرمهم شرف البِرّ بالحبيب المُقيّد تحت الثرى، وهُم يحترقون بعيشهم، لا تهنأ أرواحهم بشيءٍ، ولا سلوة لهم سوى الدعاء في جوف الليل... وأمواتهم في قبورهم يرجون رحمة ربّهم بهم في ضيقهم وكَدرهم.. لا ينقطع رجاؤهم رحمةَ الله في سماواته وأرضه..

حالةٌ يعرفها مَن جرّبها، ومَن تحرّق بزيارات موتاه له في مرقده، وشكواهم ألمهم وضِيقَهم ووجَعهم وكربَ صدورهم، ووهنَ أجسادهم، ورَهق أرواحهم، وطولَ أملهم وانتظارهم، وأنّهم ما أنجبوا من أصلابٍ حلال، وغَذوا، وربّوا، وعلّموا، وسهروا إلاّ لمثل هذه المحنة، وهذه الظُّلمة...

يا ربّ، لك الحمدُ أنْ يسّرتَ عبدًا مخلصًا من عبادك وخير أوليائك ليكون سببًا في عِتق عبادكَ المُقيّدين في قبورهم، نهار الثامن والعشرين المبارك، لينطلقوا إلى جنان الفردوس برحمتك ومَنِّك وغُفرانك، يا حيّ يا قيّوم، يا رحمن يا رحيم.. إنّهم أمواتنا أناخوا مطاياهم ببابك في قبورهم، وهم رميمٌ لا يملكون شيئًا من كسر قلوبهم، ولا يملكون إخفاء فجيعتهم في سرائرهم وضمائرهم.. اغسل كربهم بالفرج، وذنوبهم بالمغفرة والعفو، وذرّيتهم بالهداية والصلاح، والاعتبار والفلاح، وبارك لهم فيما خلَفوا في دُنياهم، واجعله زيادةً في الإحسان إليهم في أُخراهم؛ اللّهمّ واكتُب لعبدك (خادم الحرمين الشريفين) الذي يسّرتَ لهُ عِتق رقابهم عَدْلَ ما كتبت لهم من رحمةٍ وعفوٍ ورفعةٍ، واجزه عنهم وعن جميع المسلمين خيرًا وتوفيقًا وسدادًا وطول عمرٍ في الخير، وارفع ذكره في عليِّين، وقِهِ شرّ ما قضيت وما لم تقْضِ، واغنهِ بفضلكَ عمّن سواك، واجعله ذخرًا لنا ولجميع المسلمين؛ يا سامع الصوت، ويا سابق الفوت، استجب دعوات أمواتنا الذين بشّرونا في مناماتنا قبل أحيائنا، لكَ الحمد والشكر والثناء الحسن، وصلِّ اللهمّ على سيّدنا وشفيعنا محمدٍ بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومَن تبعَ الرّحمة الّتي جاءَ بها إلى يوم الدّين!

* وكيلة قسم اللغة العربية
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد