الكتاب: THE DIANA CHRONICLES
المؤلفة: Tina Brown
الناشر: Doubleday
استطاعت مؤلفة هذا الكتاب بعنوان (يوميات ديانا) تينا براون أن تقترب كثيراً من حياة ديانا وموتها، كما استطاعت أيضاً أن تسجل اللحظات الجميلة والبائسة في حياة تلك الأميرة التي أسرت قلوب العديد من البريطانيين والناس حول العالم، كما رصدت في كتابها ردود فعل الناس حول حياتها وموتها من خلال أعين الشعب البريطاني العادي ووصولاً إلى دوائر الأسرة المالكة في قصر ويندسور، وسجلت أهم المحطات في حياة تلك الأميرة حتى مصرعها المأساوي في حادث سيارة بنفق في العاصمة الفرنسية باريس.
وقد تناولت المؤلفة حياة الأميرة الراحلة من عدة محاور، أبرزها محور الإعلام، وكيف اقتربت تلك الأميرة الشقراء من الصحف وأصبح هناك رابط خفي بينهما، ذلك الرابط الذي التف حول عنقها في النهاية ليودي بحياتها، فقد كشفت المؤلفة عن صفات الأميرة التي جعلتها من أشهر المشاهير في عالم الإعلام، كما تطرقت المؤلفة إلى حياة ديانا الخاصة وعلاقاتها مع زوجها الأمير تشارلز، وقالت إنه كان هناك طرف ثالث هذا الزواج، وهي كاميلا باركر الصديقة السابقة للأمير تشارلز، كما ذكرت طرفاً رابعاً لا يقل أهمية: وسائل الإعلام.
وتقول في كتابها: (لقد فاقت الأميرة ديانا أقرانها في استكشاف عالم المشاهير الذي كانت تعيش فيه)، ثم تكشف المؤلفة عن ذلك الارتباط بينها وبين الإعلام والذي كان أشبه برقصة الموت التي يرقصها اثنان، لتنتهي حياتها في النهاية على يد مصوري الفضائح أو (الباباراتزي).
وبراون عملت صحفية في السابق في مجلتي (فانيتي فير) و(نيويوركر)، لذا استطاعت أن تكون قريبة من حياة أميرة ويلز، التي صنعت صورتها وسائل الإعلام، وكانت ضحيتها أيضاً. وقد توجت براون حياتها في عالم الإعلام بتأليف هذا الكتاب، الذي يحكي قصة صعود ونهاية أميرة؛ فقد تابعت المؤلفة حياة الأميرة منذ بداية ظهورها في الإعلام عام 1981، عندما ظهرت كضيفة وخبيرة في الشؤون الملكية في أحد البرامج التي كانت تغطي مراسم الزواج في ويلز، وكانت وقتها تعمل رئيسة تحرير مجلة الفضائح البريطانية (تاتلر)، وتتذكر براون الزفاف وكيف استطاع أن يضاعف مبيعات المجلة، وتقول إن زفاف أميرة ويلز كان الحدث الأهم على الإطلاق في المملكة المتحدة.
وعند وفاة الأميرة ديانا في أغسطس عام 1997 كانت براون تعمل في مجلة النيويوركر الأمريكية، واستطاعت أن تضع القارئ الأمريكي في قلب الأحداث لتلك القصة، وقدمت براون عدداً خاصاً لتغطية حياة وذكريات الأميرة.
ويقول المؤرخ سيمون شاما إن ما حدث في زواج ديانا بالأمير تشارلز كان بمثابة تزاوج بين الماضي وبين المستقبل، بين الأعراف والتقاليد، وما بين الشابة المتألقة محبة الظهور في الإعلام وبين الرجل الصارم الجاد الأمير تشارلز وما بين الفتاة التي ظهرت بكل ألمعيتها على غلاف مجلة تاتلر، ولكن ما تبين بعد ذلك هو أن الماضي والمستقبل لا يلتقيان، ولكن الخطير في تلك العلاقة - وهو ما كشفه أيضاً الفيلم الذي صدر مؤخراً بعنوان (الملكة) - هو أن المستقبل كان بصدد الانتصار على الماضي، حتى ولو أنه كان لا يزال في طور التشكل.
ومن أول وهلة دخل مصورو الفضائح في سباق محموم من أجل التقاط صور الأميرة ديانا، ليس فقط كأميرة ملتزمة بالتقاليد الملكية، ولكن أيضاً لأنها كانت أهم موضوع للصحافة في تلك الفترة، وعلى الرغم من أنها خجولة بطبعها وكانت تنظر إلى الكاميرات من تحت رموشها الطويلة، إلا أنها بدت طبيعية في صورها وأعطت الصحافة ما كانت تنشده، وهو الصور الرائعة، وتقول براون في كتابها إن الجميع - يوماً بعد يوم - وقعوا في حبها.
ولكن الفوز بقلوب الجماهير وبعدسات المصورين والصحافة لم يكن صعباً مثل الفوز بإعجاب الأمير تشارلز، كما تعلمت ديانا بعد ذلك بصورة قاسية، كما أدت الإطلالة الكاريزمية لديانا إلى ترسيخ فكرة أنها (العروس المناسبة). وتستشهد براون على ذلك بتصريح من أحد الصحفيين من جريدة الصن البريطانية والذي كان متخصصاً في متابعة الشؤون الملكية، والذي قال إن (الإعلام تسلل من خلف ديانا ودفعها فجأة باتجاه تشارلز، الذي لم يجد بداً من الزواج بها).
وهناك العديد من السير الحياتية التي كتبت عن ديانا، بعضهم أرجع فشل زواجها بتشارلز إلى قسوة الأمير وقلبه الصلد تجاهها، مثل المؤلف أندرو مورتون، في حين جنح آخرون إلى الاعتقاد بأن فشل الزواج كان بسبب عدم رجاحة واستقرار عقل ديانا، مثل المؤلفة سالي بيديل سميث، ولكن براون ترجع ذلك الفشل الكارثي في العلاقة إلى الإيمان الساذج لديانا بعالم الخيال الذي نسجته صحف الفضائح.
ولأن حياة ديانا قد تمت تغطيتها في عدة مؤلفات ومطبوعات حول العالم، فإن براون ركزت بصورة أساسية على دور الإعلام المتعاظم في حياتها، فبعد زواج ديانا مباشرة من تشارلز أحست بأنها تلعب دوراً ثانوياً في حياته، ليس فقط كبديلة لكاميلا باركر، ولكن للملكة إليزابيث أيضاً.
وتقول براون في كتابها أن ديانا بدأت تشعر بنجوميتها، وبعد ستة أشهر من التملق الإعلامي لها ومتابعة كل صغيرة وكبيرة في حياتها بدأت ديانا تشعر بهويتها العالمية وحضورها القوي، وعلى الجانب الآخر كانت تشعر بالاستياء من معاملة قصر ويندسور لها و(فشله) في تقدير المزايا والصفات التي كان يقدرها الجميع خارج القصر، لذا بدأت في التحول إلى صحف الفضائح لكي تشبع رغباتها وتقدر ذاتها.
وتقول المؤلفة أن ديانا حتى نهاية حياتها كانت أستاذة في التلاعب بوسائل الإعلام، بل كانت تقوم في بعض الأحيان بتسريب بعض أسرار حياتها وتقدم لهم بعض القصص عن منافسيها، وكانت تعلم تماماً القوة الطاغية للصورة الإعلامية والتي لا يضاهيها شيء، لذا كانت حتى في خضم صراعها مع تشارلز تستعرض أمام المصورين بمفردها أمام تاج محل بالهند، والذي للمفارقة كان الشاهد الأعظم على الحب بين الزوجين. كما استطاعت براون أن تجري العديد من الحوارات مع المقربين لديانا، من بينهم الممثل الأمريكي جون ترافولتا الذي أخبر المؤلفة عن رقصته الأسطورية مع ديانا في البيت الأبيض عام 1985، وقال: (كانت الأميرة تدرك تماماً مكانتها العالمية وكانت تعرف ماذا تعني شهرتها بالنسبة لها، وكانت أيضاً ماهرة جداً في التعامل مع أثر وسائل الإعلام في كل مكان).
ولكن لمهارة ديانا حدود أيضاً، فبالرغم من براعتها في العلاقات العامة وقدرتها على التلاعب بوسائل الإعلام وإحراز نقاط ضد خصومها، إلا أن مبالغتها في الظهور الإعلامي وإخبار الصحافة بخصوصيات حياتها قد أدى إلى تشجيع الصحافة إلى اللهث وراء المزيد والطمع في الحصول على الصور البراقة والخاصة التي كانت ترفع مبيعات أي صحيفة إلى أرقام خيالية، فشهية الإعلام في ذلك مفتوحة لا تشبع، وكان ذلك خطأ كبيراً للأميرة.
وتقول براون في كتابها أن شروق شمس الإعلام في حياة ديانا جعلها سعيدة بتعرضها لتلك الجرعة البسيطة من الدفء مع ابتسامها للكاميرات يومياً، ولكن مع مرور الوقت أصبحت تلك الشمس أكثر إلهاباً وشراسة، فمع تصاعد الحملات الصحافية اعتدت وسائل الإعلام على خصوصياتها، وبعد الشمس الحارقة جاءت موجات من الأمطار التي تحولت إلى شلالات ثم أعاصير مميتة جعلت منعها مستحيلاً في النهاية، فقد كانت ديانا مخطئة عندما اعتقدت أنها تستطيع التحكم في ذلك الجني الذي أطلقته من قمقمه.
ويبدو أن هذا الجني لاحقها حتى آخر لحظة من حياتها، وظل ملازماً لها حتى نفق بونت دي ألما في باريس الذي شهد نهاية حياتها عندما كان يطاردها مصورو (الباباراتزي) على الدراجات النارية بسرعات جنونية، مما أدى إلى الحادث الأليم الذي أودى بحياة الأميرة في النهاية. وبالرغم من أنها ظلت فاقدة لوعيها في جراحها الخطيرة في حطام المرسيدس السوداء، إلا أن ذلك لم يمنع المصورين من الاقتراب منها وتصويرها في لحظاتها الأخيرة، وقد اعترف محرر الصور بجريدة الصن البريطانية لبراون في هذا الكتاب أنه في تلك الأمسية وافق على دفع 300 جنيه أسترليني إلى أحد المصورين الهواة الذي كان يتبع المرسيدس حتى النفق من أجل أخذ لقطات لديانا وهي في السيارة تصارع الموت، لكي يتم بيعها في النهاية على أنها (صورة حصرية).