Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/10/2007 G Issue 12806
الاصدار الدولي
الأحد 10 شوال 1428   العدد  12806
ماتيس .. رسام مبدع سبق عصره

الكتاب: Matisse the Master: A Life of Henri Matisse

المؤلفة: Hilary Spurling

يحكي هذا الكتاب بعنوان (ماتيس الأستاذ: حياة هنري ماتيس) السيرة الحياتية للرسام الفرنسي الشهير هنري ماتيس، الذي عاش في الفترة ما بين 1869 و1954، والذي اشتهر كرسام باستخدام الألوان المبهجة، ويعد من أشهر فناني القرن العشرين، واستخدم فرشاته للتعبير عن الكثير من الأفكار، ويعد من مدرسة (لو فوفز) الفنية الفرنسية والتي تعني (الحيوان المتوحش)، والتي تتميز باستخدام الخيال والألوان الجامحة.

كما ينتمي ماتيس إلى المدرسة الفنية التي تستخدم الوسائل غير التقليدية والتجريبية، إلى جوار الفنان العملاق بابلو بيكاسو، وهما من رواد المدرسة الانعكاسية، وتبادلا الملاحظات وتناقشا في المشكلات المشتركة، ووصفت مؤلفة الكتاب هيلاري سبورلينج تلك العلاقة الوطيدة في كتابها الضخم والمليء بالمعلومات عن هذا الفنان الكبير.

ويعد هذا الكتاب الجزء الثاني والأخير للسيرة الحياتية لذلك الفنان الفرنسي غير العادي، وغطى ذلك الجزء حياته في الفترة ما بين 1909 حتى وفاته عام 1954، وبذلك تكون قد أكملت السيرة الحياتية الأولى التي كتبت عن ذلك الفنان بعد نصف قرن كامل من وفاته، وكشفت العديد من الجوانب الخفية لهنري ماتيس.

وتقول في كتابها إن بيكاسو طالما دعا إلى الأسلوب الفني الذي يجنح إلى السهولة والإحساس الطبيعي بالجمال والتوازن، في حين انتقد ماتيس اللوحات التي لا تحمل سهولة طبيعية بين طياتها، وهو ما جعل حياته الفنية في صراع دائم مع أصحاب تلك المدرسة.

في حين هاجمه منتقدوه بأنه ينتهج أسلوبًا مبالغًا في السهولة والعبثية والطفولية وعدم الأهلية، وكانوا يتهمونه بعدم صلته بالفن بسبب أسلوبه الذي يتصف بالسهل الممتنع، والذي كان يصل مباشرة إلى قلوب محبي الفن ومتذوقيه، وكثيرًا ما عانى ماتيس من تلك الانتقادات من زملائه المعاصرين، وبخاصة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.

وقد كتب العديد من المؤلفين عن المعاناة التي واجهها وصراعه المرير مع النقاد، تلك الصراعات التي صاحبته على الرغم من أنه كفنان كان ينشد السهولة والنقاء والبساطة في فنه البراق، وحملت تلك السيرة الحياتية الكثير من أبعاد تلك المعاناة. وحتى في قمة إنجازاته التي برع في رسمها في كنيسة روزاري بفينيس في جنوب فرنسا، فقد صاحبته عادته التي لازمته طوال حياته في توقفه عن الرسم عندما لا يجد لوحاته تصل إلى المستوى الذي يتمناه، ثم يعود للرسم في فترات لاحقة عندما يأتيه إلهام الفن مرة ثانية.

وقد عبر أحد قساوسة الدومينيكان الذي حفزه في البداية على بدء هذا المشروع عن دهشته، بل وفزعه أيضًا من الطريقة التي عمل بها ماتيس، وبخاصة هدوؤه عندما كان يواجه الانتكاسات في العمل، وتقول المؤلفة إن من الخطأ أن تخدع بسهولة رسوماته وتظنها أنها بالفعل رسومات سهلة أو أنها ضحلة، فهي على الرغم من بساطتها إلا أنها تحمل عمقًا كبيرًا بين طياتها، وهذا ما جعله من أبرز فناني القرن العشرين.

وقد استعانت المؤلفة بمجموعة كبيرة من الخطابات والوثائق والأدلة التي تبادلتها من خلال ورثة ماتيس، وتقول المؤلفة إن أعماله الحديثة لاقت انتقادًا كبيرًا فور خروجها إلى النور، وتضيف أن ذلك الفنان المبدع كان يسبق عصره بفترة كبيرة، وكان يقدم (لغة جديدة) من خلال أعماله، وتقول إنه كان يسبق عصره بخمسين عامًا على الأقل.

أما مرحلة (مدرسة لوفوفز) والتي تتميز بالألوان المبهجة والتباين الكبير، فجاءت خلالها لوحاته مثل (الرقص) و(الموسيقى) كنموذج ثري لموهبته الفذة، وتلك اللوحات رسمها لجامع التحف الروسي الشهير شيوكين، ويقول إن كلام النقاد لم يكون معوقًا له بقدر ما كان دافعًا له للإبداع ولرسم المزيد.

وتقول المؤلفة إن ماتيس كان فناناً صاحب مبادئ لا يلين، وكان ذا عزم وتصميم وبخاصة في بداية أعماله، وكان يبدأها بنوع من العنف الذي يدعوه إلى الإبداع وإلى التفاعل مع لوحاته، وتقول المؤلفة إن أعظم أعماله التي قدم فيها قمة النشوة والبهجة من خلال ألوانه الجريئة والعبقرية وأجاد فيها استخدام الضوء لم تلق القبول الحسن أيضًا من بعض النقاد، على الرغم من أنها الآن تعد من أروع الأعمال التي تم إنتاجها في تلك المدرسة الفنية.

وتقول المؤلفة إن ماتيس في مظهره الخارجي لم يكن يشبه لوحاته المبهرجة وألوانه الزاهية، كما أنه لم يكن يشبه بقية الفنانين في اختيار ملابسه، فقد كان متحفظًا للغاية في ملابسه حتى إنك لو رأيته لحسبته موظفًا في شركة تأمين بنظارته الطبية وبدلته الأنيقة، حتى عده بعض الكتاب برجوازيًا ومغرورًا بسبب مظهره الخارجي، وهو ما تفنده المؤلفة في كتابها وتقول إنه لم يكن مغرورًا على الإطلاق.

كما استطاعت المؤلفة في هذا الكتاب أن تقدم لمحات عن حياته وراء الكواليس، وتكشف عن تفاصيل مهنته التي كرس لها حياته، كما تكشف عن عزمه وعن تصميمه، وعن إعطائه للحيوية والبهجة للوحاته، وتقدم للقراء صورة جديدة لذلك الفنان المبدع، وتقول إن آلامه وحياته الغريبة بعض الشيء كانت حافزًا له على الإبداع، وتقول إن لوحاته التي رسمها في الحرب العالمية الأولى حملت العديد من الحزم والصرامة بسبب طبيعة الحياة في ظل تلك الحرب الطاحنة.

وتسلط المؤلفة الضوء على أثر الحرب على حياة ذلك الفنان المبدع؛ حيث قامت ألمانيا بغزو فرنسا ثلاثة مرات، وماتيس كفنان أصيب بالرعب والصدمة من الحرب، وكان بداخله صراع مرير بسبب عدم قدرته على المشاركة في القتال والمجهودات الحربية، وكان يرى أعماله كمساهمات لتحفيز الناس على القتال، وكانت تلك وسيلته الوحيدة لمقاومة الألمان. كما فندت هيلاري العديد من الأساطير التي نسجت حول ذلك الفنان المبدع، والتي قالت بعضها إن ماتيس كان يستغل موديلاته اللاتي يرسمهن، في حين تقدم المؤلفة صورة زاهية وأخلاقية لهذا الفنان الذي كان يحافظ على العلاقة الجادة بينه وبين موديلاته، واللاتي قدمن تقديرهن له في كثير من الأحيان.

كما استطاعت المؤلفة في هذا الكتاب أن تتخطى عالم الفن وطبيعة ماتيس الشخصية إلى عائلته وأصدقائه ومساعديه، وسلطت الضوء بصفة خاصة على زوجته وابنته وآخر مساعدة له وهي ليديا ديليكتورسكايا.

وتقول المؤلفة إن هؤلاء النسوة الثلاث كان لهن دور كبير في حياته، واعتبرتهن بطلات بسبب ما قدمنه من دعم لماتيس، والتي تصفه المؤلفة بأنه لم يكن استثناء عن بقية الفنانين الكبار الذين كانوا يتمحورون حول ذاتهم كي يبدعوا، وكان ذلك على حساب المقربين من حوله، وتقول المؤلفة إنه عادة ما كان يطلب منهم طلبات مستحيلة، وكانوا يحاولون بقدر الإمكان تلبية تلك الطلبات له لمساعدته على الفن والإبداع.

ولكن على الرغم من فنه وتكريس حياته لإبداعه ولوحاته إلا أنه كان كريمًا وحساسًا وكان يعامل الآخرين بصورة جيدة، حتى في قمة انشغاله بالأعمال الكبيرة، وتقول المؤلفة إن ما أعطاه هذا الفنان لمحبيه لا يقدر بمال.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد