Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/10/2007 G Issue 12813
وَرّاق الجزيرة
الأحد 17 شوال 1428   العدد  12813

القاعية..

 

لقد نجحت آلة التقدم الجبارة التي أدار ملوك الدولة السعودية مفاتيح تشغيلها بوعي وإدراك، في تغيير وجه البلاد، وطمس سوءات بداوتها، وتجميله بمشاهد المدنية الحديثة، فلم يبق من تلك البداوة إلا قيمها الأصيلة، التي حرص آل سعود - أدام الله عزهم - على ألا يتغيّر منها شيء؛ لتظل شاهداً على كرم وشيم هذه البلاد وأهلها.

ولم تكن عالية نجد استثناء من هذا التغير والتطوير والتحسين الذي طال كل وجه من وجوه الحياة في بلادنا، فقبل نحو مائة عام من هذا العهد المبارك كان نحو 90% من مدن وقرى وهجر (عالية نجد)، بما فيها المدينتان الرئيستان (الدوادمي وعفيف) وغيرهما ليس أكثير من مجرد مورد للمياه، إلى أن أشرقت على هذه الربوع المحرومة المظلمة شمس نهار شق حجاب الغيب عنه سيف المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - فتعهدها بالرعاية والنماء، ضمن ما تعهده من ربوع الوطن، وسلمها لأبنائه من بعده أمانة في أعناقهم فقاموا عليها خير قيام.

وتعتبر عالية نجد ضمن أمانة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز التي جمعت الرياض وما حولها، فصنع منها إحدى لآلئ المملكة العربية السعودية التي يحكى عن جمالها ونهضتها كل من زارها، وتلمس رقيها وتحضر ومدنية الحياة فيها.. إن عصا الأمير سلمان السحرية التي أشار بها إلى تلك القفار فكساها هذا الوجه المشرق الجميل إنما هي ذلك الحب الكبير الذي ملأ قلب هذا الرجل لبلاده، وملأ قلوب كل من عملوا إلى جواره رغبة في نيل رضاه عن أدائهم، فكان هذا النماء، حصاد ما زرعه الأمير سلمان في القلوب والدروب.

والقاعية إحدى بلدان عالية نجد التي طالتها يد التغيير والتطوير، نتوقف أمامها قليلاً؛ لنستجلي بعضاً من معالم الحياة التي أصبحت تدب بقوة في عروقها:

الموقع:

تقع القاعية في منتصف الطريق - تقريباً - بين الدوادمي وعفيف، على بعد 100 كم غرب محافظة الدوادمي التي تتبعها القاعية إدارياً، على طريق الحجاز القديم.

التاريخ:

لم يذكر التاريخ عن ماضي القاعية شيئاً سوى أنها كان مورد ماء قديم عرفه الجاهليون، حيث كانت قاعاً من الأرض تلتقي فيه مياه السيول، أما ملكية ذلك الماء فكانت تعود إلى قبيلة (غني) على أرجح الآراء وهو للمؤرخ سعد بن جنيدل الذي رأى أنها ذلك الماء المعروف قديماً باسم (مذعي)؛ إذ إن موضع (مذعي) الذي ورد في كتب الجغرافيين - حسب رأي ابن جنيدل - مواصفاته تنطبق عليها، وساق الجنيدل أقوال علماء البلدانيات ومنهم الهجري، حيث استشهد بقولين له على صحة رأيه، أولهما قوله: (ذي غثث وادٍ يصب في التسرير - والتسرير هو وادي الرشا قديماً - يصب فيه وادي مذعي)، وأيضاً قوله: (وادي مذعي يصب في ذي غثث من أكرم مياه الحمى).

ومن ذلك قول الشاعر:

ولن تردي مذعاً ولن تردي رقاً

ولا النقر إلا أن تجدي الأمانيا

ولن تسمعي صوت المهيب عشية

بذي غثث يدعو القلاص التواليا

وهو قول يقودنا إلى أن ذي غثث هو (غُثة) القريب من القاعية، وهذا معروف؛ فمسيل القاعية (مذعي) يصب في بطن وادي غثث (غثة) ووادي غثه يصب في وادي الرشا (التسرير) إذن يرجح هذا الرأي لدينا.

السكان:

بقيت القاعية على حالها مورداً للماء، تصدر الحياة ولا تستقبل منها شيئاً، سوى دلاء ورشا الراغبين في التزوّد من مائها الذي كان مفضلاً على مياه غيرها من الموارد، إلى أن ساق الله إليها، في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - قسم من الروقة من قبيلة عتيبة التي حطت رحالها أخيراً إلى جوار ماء القاعية، وشيّدت حوله المنازل، حيث كان أول عهد للقاعية بالاستيطان البشري، إضافة إلى بعض الأفراد من الحاضرة اختاروها لبناء دكاكينهم إلى جوارها لتقديم خدماتهم لسالكي طريق الحجاز. وتتناثر في ذاكرة القاعية حكايات عن نزول الملك عبد العزيز - رحمه الله - بها في طريق رحلته إلى الحجاز.. أيضاً أورد التاريخ خبر الشيخ نافل بن طويق الحافي الذين وفد على الملك عبد العزيز - رحمه الله - في طريقه لضم الحجاز.

الخدمات:

تدب الآن الحياة في جسد القاعية الذي بدأ يتحسس وجوده بين بقاع الوطن العامرة بالحركة والحيوية، فيوجد فيها مركز إمارة، ومدارس البنين والبنات الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ومركز صحي، وبريد، والماء والكهرباء والهاتف، ومخطط سكني جديد على الطريق العام للحجاز وقد استفادت القاعية وقراها من قروض صندوق التنمية العقاري في ما تشهده من نهضة عمرانية.

توابع القاعية إدارياً:

يرتبط بمركز القاعية العديد من المراكز والهجر والتجمعات السكانية فهو يشرف على منطقة واسعة مترامية الأطراف، فهو يمتد شمالاً حتى حدود منطقة القصيم وغرباً حتى حدود محافظة عفيف، ويضم المراكز والهجر التالية:

مركز جفنا: إلى الجنوب من القاعية بحوالي 18كم، متاخمة للجانب الشمالي الشرقي من جبل النير، سكانها قسم من عضيان عتيبة، ورد عن الهمداني أنها من مياه النير، وأن بها حصناً ونخلاً لبني عمرو بن كلاب. وتنعم اليوم بالكثير من الخدمات مثل المدارس ومركز حكومي، وكهرباء، وأسفلت، وكان لقروض صندوق التنمية العقارية دور كبير في ما يشهده المركز من بناء للمساكن الحديثة.

مركز حديجة: إلى الشمال من القاعية تقع حديجة على بعد 40 كم منها، غرب هضبة كبشة الشمالية، وقد ارتبط اسمها باسم الرجل الذي أهدى الحياة إلى ربوعها الشيخ حديجان بن تنيبيك المرشدي العتيبي، وسكانها الآن هم جماعته، وبها العديد من المرافق والخدمات مثل مركز حكومي ومدارس ابتدائي ومتوسط وثانوي للبنين والبنات وكذلك أسفلت وماء وكهرباء وبريد ومحكمة، ومركز صحي وهاتف ويشهد المركز نهضة عمرانية بفضل دعم صندوق التنمية العقارية.

مركز كبشان: نسبة إلى جبل كبشان، ويقع إلى الشمال من القاعية، ويبعد عنها 30 كم، قال فيها الأصفهاني: (وكبشان وهي أجبل، كبشة بني جعفر وكبشة بني لقيطة، وكبشة الضباب) ا.هـ. وكبشان غالباً هي مورد الماء القديم الذي يقال له (معروف)، وسكانه المراشدة من الروقة من قبيلة عتيبة، وقد ذكر التاريخ رئيس كبشان وشيخها سلطان أبو خشيم المرشدي العتيبي، وكان أحد الشيوخ الذين حضروا مؤتمر الرياض الشهير في عام 1347هـ.

وينعم بالكثير من الخدمات والمرافق مثل: مركز حكومي ومدارس ابتدائي ومتوسط وثانوي للبنين والبنات وكذلك أسفلت وماء وكهرباء وهاتف وبريد ومحكمة، ومركز صحي، وقد استفاد المركز وأحياؤه من قروض صندوق التنمية العقارية.

هجرة بطين النير: تقع إلى الغرب من القاعية، وسكانها قسم من العضيان من قبيلة عتيبة. وبها العديد من المرافق والخدمات، مثل مدارس ابتدائي ومتوسط للبنات وابتدائي للبنين وكذلك أسفلت وماء وكهرباء وهناك نشاط في البناء والتعمير بفضل دعم صندوق التنمية العقارية.

هجرة الريشية: إلى الجنوب من القاعية، في قلب جبال النير وسكانها قسم من العضيان من قبيلة عتيبة. وبها العديد من المرافق والخدمات مثل أسفلت وماء وكهرباء. وهناك نهضة عمرانية بفضل دعم صندوق التنمية العقارية.

الجبال والهضاب المحيطة بالقاعية:

جبل النضادية: قمة عظيمة سوداء تقع إلى الجنوب من القاعية، شرق النير، واسمه في الجاهلية (نضاد) قال عنه الأصفهاني: (ثم جبل لغني أيضاً يقال له نضاد، وليس بينه وبين النير إلا قليل). ويقول فيه الهجري: (يلي ذي عثث نضاد، وهو جبل عظيم قد ذكرته الشعراء.

قال ابن دارة:

وأنت جنيب للهوى يوم عاقل

ويوم نضاد النير أنت جنيب

وفيه (مورد) ماء عذب حتى إن إحدى بنات قبيلة مطير رفضت الشرب من مياه آبار (خفا) وفضّلت الشرب من ماء النضادية يقول شاعرهم:

الزين عيا عن خفا ما يذوقه

ما يشرب إلا من نضادية النير

جبال كبشات: وتبعد 30 كم إلى الشمال من القاعية، وهي مجموعة جبال سود يقول فيها الأصفهاني ( وكبشات هي أجبل؛ كبشة لبني جعفر وكبشة لبني لقيطة، وكبشة للضباب). ويقول العامة - الحديث لكاتب هذه الأسطر - (كبشات السبع) فهل هن سبع؟ ويغلب على ظني أن كبشة الضباب هي التي يوجد فيها اليوم هجرة كبشان؛ إذ إن فيها مورد ماء قديماً يقال له (معروف) كما ذكر الجنيدل.

جبل النسار: يقع شمال القاعية، حدث عنده يوم من أيام العرب المشهورة (يوم النسار) بين تحالف أسد وطي وغطفان ولحقت بهم ضبة وبين بني عامر ، ويعرفه المؤرخ محمد بن بليهد بأنه: جبل أصله واحد ورؤسه ثلاثة كأنها أنسر وقع على ظهر ذلك الجبل فسميت الانسر فبقيت على هذا الاسم في الجاهلية، ثم تداولته الألسن حتى صار هذا الاسم (الانصر).

هضاب البكري: وهي مجموعة هضاب حمر تزخر بالماء العذب، أطلق عليها قديماً (البكرات) إلى الشمال من القاعية، شمال غربي جبل كبشان. قال فيها الأصفهاني: (البكرة وهي ماء لها جبال شمخ يقال لها البكرات).

يقول امرؤ القيس:

غشيت ديار الحي بالبكرات

فعارمة فبرقة العيرات

فنفي فحليت فأكناف منعج

إلى عاقل فالجب ذي الأمرات

وكان الهمداني أكثر تحديد لموقع البكرات بقوله: (... ثم من ضرية إلى مطلع الشمس فكبشان هضب، والبكرات هضاب فيهن بئر تسمى البكرة...) والبكرات (البكري) اليوم تقع إلى الشمال من مركز حديجة.

هضبة شرثة: هضاب حمر متقاربة تقع إلى الشمال من القاعية، يرجح ابن جنيدل - وهو قول راجح عندي أيضاً أنها (ثهمد) التي ذكرها طرفة في قوله:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

ويستدل ابن جنيدل على ما ذهب إليه قائلاً: إن الوصف الجغرافي والتحديد الذي ورد في كتب المعاجم والشعر العربي لجبل ثهمد ينطبق تمام الانطباق على هذه الهضبة كما يقول البكري: ويلي الأنسر ثهمد وهو جبل أحمر وحوله أبارق كثيرة، وهو بأرض سهلة، في خط غني. ثم يلي ثهمداً سويقة وهي هضبة حمراء فاردة طويلة رأسها محدب وهي في الحمى، وسويقة من أرض الضباب. قال دريد:

وأنبأتهم أن الأحالف أصبحت

مخيمة بين النسار وثهمد

فالنسار ( الانسر) لا يزال معروف باسمه قريب من شرثة، وهضبة سويقة ما زالت معروفة باسمها واقعة شمالاً منها أيضاً.

هضبة خفا: هضبة منفردة تقع شمال القاعية في بيداء من الأرض يوجد في جهتها الشرقية آبار وفيرة الماء تقع في منخفض من الأرض حتى أن السيول تنحدر إليها حاملة معها الإعطان من المرحان فتلوث مياه الآبار، وهذا هو سبب رفض المطيرية سالفة الذكر الشرب منها وتفضيل ماء جبل النضادية.

حمود بن متعب بن عفيصان- رئيس مركز القاعية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد