Al Jazirah NewsPaper Wednesday  31/10/2007 G Issue 12816
الثقافية
الاربعاء 20 شوال 1428   العدد  12816

العيد يلهم أجمل القصائد
عبدالله بن حمد الحقيل

 

إن قراءة لشعرنا العربي تبرز بما للشعراء من عناية فائقة بالعيد وما يرتبط به من تجليات الحزن والفرح حسبما يعتريهم من مواقف وأحداث كابن المعتز الذي ربط بين الهلال وعيد الفطر:

أهلا بفطر قد أناف هلاله

فالآن فاغد على الصحاب وكبر

وانظر إليه كزورق من فضة

قد أثقلته حمولة من عنبر

كذلك ابن الرومي القائل:

ولما انقضى شهر الصيام بفضله

تحلى هلال العيد من جانب الغرب

واقترن العيد بعادات اجتماعية كثيرة كالتهاني فاقترن العيد بمادة ثرة من عيون الشعر كقول البحتري للمتوكل:

فانعم بعيد الفطر عيداً إنه

يوم أعز من الزمان وأشهر

وكذلك شاعر الحكمة المتبني فله قصائد أزجاها لممدوحيه مهنئاً بالعيد كقوله يمدح سيف الدولة:

الصوم والفطر والأعياد

منيرة بك حتى الشمس والقمر

وقوله:

لكل امرئ من دهره ما تعودا

وعادات سيف الدولة الطعن في العدا

هنيئاً لك العيد الذي أنت أهله

وعيد لمن سمى وضحى وعيدا

والمعتمد بن عباد يقول:

فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً

فجاءك العيد في أغمات مأسورا

والمتبني متأرجح في إحساسه بالعيد وإذا كان مسروراً خلد بقصائده ممدوحه ولقد جسد عمق مأساته وأحرق أوراق المتفائلين بالمناسبات الطيبة بقوله:

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم لأمر فيك تجديد

فهو من أجرأ من نقد العيد وجاهر بعدم سعادته.

وتذكر في هذا المقام قصة المعتمد بن عباد الشهيرة الملك العظيم الذي عاش مترفاً كأحسن ما يمكن أن يعاش وذاق ألذ ما عساه أن يذاق من المتع، وقال عنه الشاعر ابن اللبانة: ملك المعتمد من الحصون مائتي حصن وولد 173 ولداً، لمطبخه في اليوم ثمانية قناطير من اللحم أي قرابة ثلاثمائة وخمسين كيلو جراماً.

وقد عاش ابن عباد في أيام ملوك الطوائف، وهم ملوك تقاسموا الدولة الأموية في الأندلس وحكم كل واحد منهم جزءاً أو دويلة حتى بلغ مجموع تلك الدويلات إحدى وعشرين دولة، لكل دولة منها عرش وملك وقد انتهى أمر المعتمد - رحمه الله - أن وقع في قبضة ابن تاشفين فحبسه في سجن أغمات في تونس فقيراً مجرداً من ماله، وأظله عيد وهو في السجن فقدمت إليه، بناته فرأين سوء حاله في السجن والقيد، فقال رحمه الله يصف هذا المشهد الذي يقطع نياط القلوب ويفتت صم الصخر:

فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً

فجاءك العيد في أغمات ماسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة

يغزلن للناس ما يملكن قطميرا

برزن نحوك للتسليم خاشعة

أبصارهن حسيرات مكاسيرا

يطان في التراب والأقدام حافية

كأنها لم تطمأ مسكاً وكافورا

من بات بعدك في ملك يسر به

فإنما بات بالأحلام مغرورا

وللشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري - رحمه الله - أبيات في العيد:

ما العيد والقدس في الأغلال رازحة

والمسلمات سبيات لفساق

وأستجير برب البيت في قلق

على (المدينة) من فتك وإزهاق

وأرسل الدعوة الحرى على ثقة

بالله في صبر قذ العزم عملاق

فالنصر في قدر الله الحكيم على

وعد مع الصبر في إيمان سباق

وللشاعر (المبدع) الدكتور عبدالرحمن العشماوي أبيات كتبها بمداد من ألم وحرقة حيث يقول في قصيدته (عندما يحزن العيد) راثياً حال الأمة الإسلامية بما يشاهده من معاناتها:

أقبلت يا عيد والأحزان نائمة

على فراشي وطرف الشوق سهران

من أين نفرح يا عيد الجراح وفي

قلوبنا من صنوف الهم ألوان؟

من أين نفرح والأحداث عاصفة

وللدمى مقل ترنو وآذان؟

ويقول أحد الشعراء:

أتانا العيد فازدهر الشعور

وفي آفاقنا لاح البشير

وعمت فرحة في كل قلب

وفاح الزهر، وانتشر العبير

وطابت في خواطرنا الأماني

وهلّ السعد، وابتسمت ثغور

وفاضت حولنا أسمى التهاني

ونفح العود جسده البخور

ألا يا عيد قد أقبلت فينا

سعيداً، والهنا في القلب نور

أتيت لنا مع الأشواق زاه

فوافانا بمقدمك السرور

وهكذا يتجلى العيد في وجدان الشعراء فله أصداء متعددة وشجون متنوعة وذكريات تثير الأسى.

ولقد دخل أشجع السلمي على الخليفة هارون الرشيد في عيد الفطر فأنشد قائلاً:

استقبل العيد بعمر جديد

مدت لك الأيام حبل الخلود

تمضي لك الأيام ذا غبطة

إذا أتى عيد طوى عمر عيد

وعن العيد قال علي الجارم:

تبلج بالبشرى ولاحت مواكبه

ورّفت بأنفاس النسيم سبائبه

أطل صباح العيد جذلان ضاحكاً

يمازح وسنان الرحى ويلاعبه

وكيف ينام الليل في صحوة المنى

وقد سهرت شوقاً إليها كواكبه

وما أكثر ما جادت به قرائح الشعراء في العيد من أشجان وأحزان ونقول:

وعد يا عيد فينا كل عام

بإشراق وحب في القلوب

وكل عام وعيد ووطنا الغالي في عز وقوة وازدهار.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد