Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/11/2007 G Issue 12817
مقـالات
الخميس 21 شوال 1428   العدد  12817
الفساد مفهومه.. أسباب تفشيه.. أشكاله والآثار المترتبة عليه
د. منصور بن علي البراق

تعد ظاهرة الفساد ظاهرة قديمة قدم المجتمعات الإنسانية لا تقتصر على شعب دون آخر أو دولة أو ثقافة دون أخرى وإن كانت تتفاوت من حيث الحجم والدرجة بين مجتمع وآخر.

وبالرغم من أن الأسباب الرئيسة لظهور الفساد وانتشاره متشابهة في معظم المجتمعات

إلا أنه يمكن ملاحظة التفاوت في تفسير ظاهرة الفساد بين شعب وآخر تبعاً لاختلاف الثقافات والقيم السائدة، كما تختلف النظرة إلى هذه الظاهرة باختلاف الزاوية التي ينظر إليها من خلالها وذلك ما بين رؤية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وهو ما يبرر الاختلاف في تحديد مفهوم الفساد.

إن مكافحة الفساد تستدعي تحديداً لهذا المفهوم كما تستدعي بياناً لأسباب انتشاره في المجتمع وتوضيح أبرز صوره وأشكاله، والآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليه، وسبل مكافحته، وبلورة رأي عام مضاد له وبناء إرادة شاملة لمواجهته، وتبني استراتيجيات لذلك تتناسب وطبيعة كل مجتمع.

أولاً: تحديد مفهوم الفساد

هناك توجهات متنوعة في تعريف الفساد فهناك من يعرفه بأنه خروج عن القانون والنظام (عدم الالتزام بهما أو استغلال غيابهما من أجل تحقيق مصالح خاصة لفرد أو جماعة)، بينما يعرفه آخرون بأنه قيام الموظف العام وبطرق غير سوية بارتكاب ما يعد خرقاً لتعاليم وطبيعة الواجبات الرسمية تطلعاً إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية.

ويوسع البعض مفهوم الفساد بحيث يشمل كل سلوك يجافي المصلحة العامة، وقد حددت منظمة الشفافية الدولية تعريف الفساد بأنه (كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته).

وتتجلى ظاهرة الفساد بمجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة، وبالرغم من التشابه أحياناً والتداخل فيما بينما إلا أنه يمكن إجمالها كما يلي:

- الرشوة (Bribery): أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من أجل تنفيذ عمل أو الامتناع عن تنفيذه مخالفة للأصول.

- المحاباة (Favoritism): أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة.

- الواسطة (Curtsey): أي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بالقرابة رغم عدم كفاءته لهذا المنصب.

- نهب المال العام (Embezzlement): أو الاختلاس أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق تحت مسميات مختلفة.

- الابتزاز (Black mailing): أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد.

ثانياً: أسباب تفشي ظاهرة الفساد

تتعدد الأسباب الكامنة وراء بروز هذه الظاهرة وتفشيها في المجتمعات بالرغم من وجود شبه إجماع على اعتبارها سلوكاً إنسانياً تحركه المصلحة الذاتية، ويمكن إجمال مجموعة من الأسباب العامة لهذه الظاهرة التي تشكل في مجملها ما يسمى بمنظومة الفساد إلا أنه ينبغي الملاحظة بأن هذه الأسباب وإن كانت موجودة بشكل أو بآخر في كل المجتمعات إلا أنها تندرج وتختلف في الأهمية بين مجتمع وآخر فقد يكون لأحد الأسباب الأهمية الأولى في انتشار الفساد بينما يكون في مجتمع آخر سببا ثانويا وبشكل عام يمكن إجمال هذه الأسباب كما يلي:

1- ضعف الوازع الديني ومحاسبة النفس الأمر الذي يؤدي إلى تساوي الحلال والحرام لدى البعض.

2- انتشار الفقر والجهل ونقص المعرفة بالحقوق الفردية، وسيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على النسب والقرابة.

3- ضعف أجهزة الرقابة في الدول وعدم استقلاليتها.

4- ضعف الإرادة لدى الجهة المناط بها مكافحة الفساد في الدول وذلك بعدم اتخاذ أية إجراءات وقائية أو عقابية جادة بحق عناصر الفساد بسبب انغماسها نفسها أو بعض أطرافها في الفساد.

5- ضعف وانحسار المرافق والخدمات والمؤسسات العامة التي تخدم المواطنين، مما يشجع على التنافس بين العامة للحصول عليها ويعزز من استعدادهم لسلوك طرق مستقيمة للحصول عليها ويشجع بعض المتمكنين من ممارسة الواسطة والمحسوبية والمحاباة وتقبل الرشوة.

6- تدني رواتب العاملين في القطاع العام وارتفاع مستوى المعيشة مما يشكل بيئة ملائمة لقيام بعض العاملين بالبحث عن مصادر مالية أخرى حتى لو كان من خلال الرشوة.

7- غياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة ومدونات السلوك للموظفين في قطاعات العمل العام والأهلي والخاص، وهو ما يفتح المجال لممارسة الفساد.

8- الأسباب الخارجية للفساد، وهي تنتج عن وجود مصالح وعلاقات تجارية مع شركاء خارجين أو منتجين من دول أخرى، واستخدام وسائل غير قانونية من قبل شركات خارجية للحصول على امتيازات واحتكارات داخل الدولة، أو قيامها بتصريف بضائع فاسدة.

ثالثاً: أشكال الفساد

تتعدد مظاهر وصور الفساد ولا يمكن حصر هذه الظاهرة بشكل كامل ودقيق إذ يختلف باختلاف الجهة التي تمارسه أو المصلحة التي يسعى لتحقيقها، فقد يمارسه فرد أو جماعة أو مؤسسة خاصة أو مؤسسة رسمية أو أهلية، وقد يهدف لتحقيق منفعة مادية أو مكسب اجتماعي. وقد يمارس الفساد فرد بمبادرة شخصية منه دون تنسيق مع أفراد أو جهات أخرى، وقد تمارسه مجموعة بشكل منظم ومنسق، ويشكل ذلك أخطر أنواع الفساد فهو يتغلغل في كافة بنيات المجتمع.

وينقسم الفساد وفقاً لمرتبة من يمارسه إلى فساد أفقي (فساد محدود Minor Cor

ruption) يشمل قطاع الموظفين العموميين

الصغار بحيث يتطلب إنجاز أية معاملة مهما كانت صغيرة تقديم رشوة للموظف المسؤول، وفساد عمودي (فساد كبير Gross

Corruption) يقوم به كبار المسؤولين ويتعلق

بقضايا أكبر من مجرد معاملات إدارية يومية، كما يهدف إلى تحقيق مكاسب أكبر من مجرد رشوة صغيرة وعلى وجه العموم يمكن تحديد مجموعة من صور الفساد وأشكاله على النحو التالي:

1- استخدام المنصب في الدول للحصول على امتيازات خاصة أو الحصول من آخرين على العمولات مقابل تسهيل حصولهم على هذه الامتيازات دون وجه حق.

2- غياب النزاهة والشفافية في طرح العطاءات الحكومية في الدول، كإحالة عطاءات بطرق غير شرعية على شركات ذات علاقة بالمسؤولين، أو أفراد عائلاتهم، أو إحالة العطاءات الحكومية على شركات معينة دون اتباع الإجراءات القانونية المطلوبة كالإعلان عنها أو فتح المجال للتنافس الحقيقي عليها أو ضمان تكافؤ الفرص للجميع.

3- المحسوبية والمحاباة والوساطة في التعيينات الحكومية، كقيام بعض المسؤولين بتعيين أشخاص في الوظائف العامة على أسس القرابة أو بهدف تعزيز نفوذهم الشخصي، وذلك على حساب الكفاءة والمساواة في الفرص، أو قيام بعض المسؤولين بتوزيع المساعدات العينية أو المبالغ المالية من المال العام على فئات معينة أو مناطق جغرافية محددة على أسس عشائرية أو مناطقية.

4- تبذير المال العام في الدول من خلال منح تراخيص أو إعفاءات ضريبية أو جمركية لأشخاص أو شركات بدون وجه حق بهدف استرضاء بعض الشخصيات في المجتمع أو تحقيق مصالح متبادلة أو مقابل رشوة، مما يؤدي إلى حرمان الخزينة العامة من أهم مواردها.

5- سرقة الأموال أو الممتلكات العامة في الدول كسرقة أموال الضرائب أو من خلال توزيع أموال وخدمات على مؤسسات وهمية.

رابعاً: الآثار المترتبة على الفساد

للفساد في الدول نتائج مكلفة على مختلف نواحي الحياة، ويمكن إجمال أهم هذه النتائج على النحو التالي:

1- أثر الفساد على النواحي الاجتماعية: يؤدي الفساد إلى خلخلة القيم الأخلاقية وإلى الإحباط وانتشار عدم المبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، وبروز التعصب والتطرف في الآراء وانتشار الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص.

كما يؤدي الفساد إلى عدم المهنية وفقدان قيمة العمل والتقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي والرقابي وتراجع الاهتمام بالحق العام. والشعور بالظلم لدى الغالبية مما يؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع وانتشار الفقر وزيادة حجم المجموعات المهمشة والمتضررة وبشكل خاص النساء والأطفال والشباب.

2- تأثير الفساد على التنمية الاقتصادية في الدول: يقود الفساد إلى العديد من النتائج السلبية على التنمية الاقتصادية منها:

- الفشل في جذب الاستثمارات الخارجية وهروب رؤوس الأموال المحلية، فالفساد يتعارض مع وجود بيئة تنافسية حرة والتي تشكل شرطاً أساسياً لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية على حد سواء، وهو ما يؤدي إلى ضعف عام في توفير فرص العمل ويوسع ظاهرة البطالة والفقر.

- هدر الموارد بسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة، والكلفة المادية الكبيرة للفساد على الخزينة العامة كنتيجة لهدر الإيرادات العامة.

- هجرة الكفاءات الاقتصادية نظراً لغياب التقدير وبروز المحسوبية والمحاباة في إشغال المناصب العامة.

وختاماً فإنه يتوجب على كل موظف في أي دولة كبيراً كان أم صغيراً أن يراقب الله في السر والعلن.. ومتى ما تم ذلك فإنه بلا شك ستذوب مظاهر الفساد ولن تجد لها تربة خصبة للنشوء فيها وبذلك يتكون مجتمع آمن خالٍ من الفساد.

والله من وراء القصد،،،



dr_albarraq@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد