Al Jazirah NewsPaper Friday  02/11/2007 G Issue 12818
عزيزتـي الجزيرة
الجمعة 22 شوال 1428   العدد  12818

القديم والجديد في الأدب والأسلوب

 

قرأت في جريدة (الجزيرة) عدداً من المقالات، وكان من آخرها مقال: (الأديبة.. والمنهج) للكاتب محمد الدبيسي في العدد رقم 12774، ومقال: (ورفعت طاقيتي) للكاتب ماجد الفهد، في العدد نفسه، ومقال: (المجنون) للكاتب أحمد حمود في العدد 12776، ومقال: (انسجام أزلي) للكاتبة ابتسام عبدالله، ومقال (ثكلى) للكاتبة سهام الغامدي في العدد نفسه، الصادر في 9 من رمضان 1428هـ.. والمقال الأخير كتب تحته: شعر: سهام الغامدي!! ولم أجد فيه شيئاً من مقومات الشعر العربي سوى أنه طبع على شكل الشعر؛ أي كل سطر شطرين، ولن أقف عند المضمون لكل واحد من المقالات الخمسة.. ولكني سأقف مع الشكل وبخاصة عند محمد الدبيسي.

التجديد مطلب نبيل والماء الراكد يأْسنْ ودوام الحال من المحال، لكن ما القديم الذي ينبغي أو يجوز تركه، وما الجديد الذي يجوز أو ينبغي أخذه؟!

بالنسبة إلى أسلوب الكتابة: فما يعرفه دارسو اللغة العربية: أن المبتدأ مرفوع وكذلك الفاعل وكل اسم سبقه حرف جر يكون مجروراً.. فهل تقبل هذه الموضوعات النحوية وما شابهها التجديد؟! وقد أكد لنا (ابن قتيبة) و(أبوهلال العسكري) و(الجاحظ) وغيرهم أن الشعر شيء مختلف عن النثر ولا مجال للخلط بينهما.

والمقالات الخمسة التي أوردت عناوينها في بداية هذا المقال تحمل خلطاً بين الشعر والنثر، وإن كان من أطلق لفظ (شعر) واحد منها فقط - والخلط يظهر في شكل الإخراج للمقال؛ ففي بعض الأسطر كلمة واحدة وفي بعضها كلمتان، وبعضهم يأتي بمبتدأ دون الخبر، وتأتي صلة الموصول في السطر الثاني وما قبله فيه كلمتان فقط.. وحرف الجر في بداية سطر وبعده فراغ طويل، ثم يأتي الاسم المجرور في بداية السطر الثاني!!

إننا بأمس الحاجة إلى الاتفاق على ثوابت في اللغة والثقافة والحياة العملية، كما أننا بحاجة إلى تحرير مصطلح التجديد بما يتفق مع تعاليم ديننا وأسس استقلالنا وعزتنا وكرامتنا.. فنحن -وبكل فخر- أمة رائدة، وأمة وسط، وخير أمة.. فهل نعمل على ترسيخ هذه الأوصاف الثلاثة إذ نشهد الأمم من حولنا تحافظ على قيمها وتتمسك بمبادئها، بل وتفرض: لغتها وأنظمتها وقوانينها حتى على غير المتفقين معها في الدين والمبادئ، إذ نرى ونشهد ذلك فكيف يليق بنا أن ندعو إلى تقليدهم، ونبذ ما لدينا وتناسي ماضينا بكل ما فيه وحذف مناهجنا.. والتنازل عن مسلماتنا.

واللغة والأدب قاعدتان من قواعد ثقافتنا وعمودان من أعمدة البناء الشاهق الذي بنته سواعد الولين.. أوليس من العقل والحكمة أن نحافظ على البناء ونحمي الحصون ونسقي الشجر كي يثمر لا أن نمنع عنه الماء ونكون كما قال الشاعر:

كتاركة بيضها بالعراء

وملبسة بيض أخرى جناحا

والأخ محمد الدبيسي يقول عن مقررات اللغة العربية والنصوص الأدبية إنها:

- (لا تعبّر عن حقيقة الحركة الأدبية في بلادنا).

- (مجموعة منتخبات.. تتشكل من نصوص قليلة جداً لشعراء حقيقيين تتقي بهم الملامة أو المساءلة).

- (نصوص لقضاة ووعاظ ووجهاء وغيرهم).

- نزر يسير جداً من نصوص لشعراء افتراضيين).

وبالرجوع إلى المقررات التي يشير إليها الكاتب وجدت الآتي:

1- أن مقررات الأدب قسمت على السنوات الدراسية حسب العصور، ففي الأولى الثانوية يدرسون العصر الجاهلي (ما قبل الإسلام)، ويدرسون فيه الشعر والنثر ويحفظون مقاطع من غرر الشعر في ذلك العصر ومنها: نصوص في الوصف والفخر والحكمة والحماسة والاعتذار للشعراء: امرئ القيس والأعشى وزهير وعنترة والنابغة الذيباني.

ثم يدرسون في السنة نفسها نماذج من النثر في ذلك العصر.. ومنها: خطب لقس بن ساعدة، وأكثم بن صيفي وزهير وغيرهم.

وفي الثانية الثانوية يدرس الطلاب الأدب في العصر العباسي شعره ونثره وخصائص كل منهما.. ثم يدرسون نماذج من ذلك الأدب ومنها نماذج في الوصف والمدح والرثاء والزهد للشعراء: بشار بن برد والمتنبي وأبي العلاء المعري وأبي العتاهية.

أما الأدب السعودي فيدرس في السنة الثالثة الثانوية، ويدرس الطلاب الأدب شعره ونثره مع التفصيل في ذكر خصائص الأدب ومقومات قوته والتجديد والأغراض والأساليب، وفي المنهج نماذج رائعة من ذلك الأدب.. وبنظرة سريعة نجد النصوص التالية:

العز والمجد وهي القصيدة البائية لمحمد بن عثيمين ومطلعها:

العز والمجد في الهندية القضب

لا في الرسائل والتنميق في الخطب

ومنها:

ذاك الإمام الذي كادت عزائمه

تسمو به فوق هام النسر والقطب

عبدالعزيز الذي ذلت لسطوته

شوس الجبابر من عجم ومن عرب

ليث الليوث أخو الهيجاء مضرمها

السيد المنجب ابن السادة النجب

كما نجد نصاً آخر لمحمد بن علي السنوسي ومنه:

أذن الفجر يا فؤادي ولاحت

قسمات الضياء فاسمع وعاين

وتأمل رؤى تشف ودنيا

تتجلى سرائر وعلائن

أشرقت فامّحى الظلام وزالت

كسفٌ من سحائب ودجائن

فالتمس من خزائن الله ما شئ

ت نوالاً فليس لله خازن

أما الشيخ عبدالله بن إدريس فله نص جميل في المقرر ومنه قوله:

هي أمتي والمجد بعض خصالها

وسنا الخلود يشع من ربواتها

هي أمتي وسدى المحبة نسجها

والخير للإنسان رمز صفاتها

هي أمتي أكرم بها من أمة

يتنور الثقلان من صفحاتها

عربٌ من الصحراء كانوا قلةً

متناحرين على نثار نباتها

فإذا هم بالحق أعظم أمةٍ

كل الشعوب ترسمت خطواتها

وعن مكة ومكانتها العالمية واعتزاز كل سعودي بها يقول محمد حسن فقي:

مكتي أنت لاجلال على الأر

ض يداني جلالها أو يفوق

ما تبالين بالرشاقة والسح

ر فمعناك ساحر ورشيق

سجدت عنده المعاني فما ثم

م جليل سواه أو مرموق

ومن روائع منهج الأدب في السنة الثانية الثانوية نص رائع لأبي العلاء المعري أشرنا إليه ومطلعها -في المقرر الدراسي-:

غير مجد في حلتي واعتقادي

نوح باكٍ ولا ترنُّم شاد

وشبيه صوت النقي إذا قي

س بصوت البشير في كل ناد

أبكت تلكم الحمامة أم غن

نت على فرغ غصنها المباد

وبعد هذه المقدمة الرائعة نقرأ في القصيدة الأفق العالي الذي ناله المعري ورقاه بموهبته الفذة وإبداعه المتميز.. وهذا ما نحتاجه في التربية اللغوية والأدبية لأبنائنا.. وإذا كان بعض الشعراء ومنهم (شعراء معاصرون) لم نجد عندهم من إبداع أو جمال أكثر مما وصل إليه خيال القائل:

كأننا والماء من حولنا

قوم جلوس حولهم ماء

ومما زاد ذلك وعمقه التوجه العارم نحو: الشعر الحر وشعر التفعيلة وغيرهما، أما المعري فإنه يقول:

صاح هذي قبورنا تملأ الرح

ب فأين القبور من عهد عاد

خفق الوطء ما أظن أديم ال

أرض إلا من هذه الأجساد

وقبيح بنا وإن قدم العهـ

د هوان الآباء والأجداد

وحقيقة لم أجد هذا المعنى الرائع عند غير المعري، ولقد أرسل السؤال مدوياً: أين القبور من عهد عاد؟.. وإذا كانت القبور من عهدها وغير معروفة فإن الأرض التي نمشي عليها قد حوت تلك القبور ولربما قبر في القبر الواحد العشرات من الناس على مر القرون فأصبح الأمر كما قال الشاعر:

رُبّ لحدٍ قد صار لحداً مراراً

ضاحك من تزاحم الأضداد

فقبر في القبر رجل بعد امرأة، وغني بعد فقير، ورئيس بعد مرؤوس.. وأعداء في الدنيا قبروا في قبور متجاورة أو قبر بعضهم فوق بعض.. والعبرة التي يريد الشاعر الوصول إليها، ويدعو المغرورين لوعيها والإفادة منها هي التواضع واحترام مشاعر الآخرين:

سرا إن اسطعت في الهواء رويداً

لا اختيالاً على رفاة العباد

أما ما يسميه محمد الدبيسي (أدب المرأة) فإن من المتفق عليه أن النتاج الأدبي للنساء في الأدب العربي لا يعادل نتاج الرجال.. ولربما بلغ إنتاج النساء نسبة ضئيلة جداً إذا قورن بأدب الرجال، ثم إننا مطالبون في المناهج الدراسية أن نقدم لأبنائنا نماذج أدبية تعنى بالكيف لا بالكم، وما يحمل المبادئ التربوية دون النظر إلى من أنتجه وجنسه.

وإذا كان المؤرخون قد عنوا بالأدب (الرجالي) فلم يكن ذلك تهميشاً للمرأة أو تناسياً لها.. وإنما لقلة الإنتاج النسائي وعنايتهم أكثر بجوانب شخصية المرأة الأخرى التي تتميز بها وتفوق بها بعض الرجال.

ثم إنني أقترح أن يعتنى في المناهج الدراسية للبنات بالإنتاج النسائي، وتتم دراسة أبرز من أبدعن في الأدب شعراً ونثراً.

والأخ محمد الدبيسي يدعو إلى نبذ الفكر الإقصائي والرؤى الأحادية، وأنا هنا أوافقه تماماً وأشد على يديه وألح في الدعوة إلى أن لا يوجد للإقصائيين مكان في ثقافتنا وإعلامنا ومناهجنا، ليكون الرأي الجماعي الموحد واحترام الرأي وتقدير الكفاءات وأصحاب الخبرة والتجارب هو المنهج الصحيح الذي نسلكه لا في المناهج الرئيسية وإنما في كل الجوانب الثقافية والتعليمية.

ولقد أحسن الدبيسي حينما ختم مقاله بالدعاء المأثور (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه). وأقول آمين.

ولعل الأخ الدبيسي يدرك أنه لا معنى في أن نرى الحق حقاً ثم لا نتبعه. وللكاتب ولجريدة (الجزيرة) مني كل تقدير واحترام.

عبدالعزيز بن صالح العسكر

الدلم


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد