Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/11/2007 G Issue 12819
مقـالات
السبت 23 شوال 1428   العدد  12819
بين الفهم والإدراك
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

الإنسان وهو ساري ليل لا يعلم متى نهاره وإن بلغ انتشاره فهو من يسعى لليلٍ كالحٍ سواده يتقلب بتقلبهما فيرى ما يرى ما بين علم وحلم، والعمر قصير وإن طال مداه - ومتى أدرك من الأشياء أي شيء فليس ما يدركه فاهماً له - حيث أدرك أن للحيوان لغة بها يتخاطب.....

.....وكل نوع له لغته فالنمل بالتماس يتفاهم والنحل بالرقص يتخاطب، وللحشرات ثلاثة أنواع من الأغنيات، النوع الأول لجذب الأنثى للذكر، والثاني للحماس حين التنافس في الأنثى بين الذكرين، وآخرها للمتعة والتسلية.

وأدركُ أن الكلاب مصابة بعمى الألوان فلا تميز بين الأسود والأبيض، لكن حاسة الشم لديها تفوق ما عداها. وأدركُ أن نوعاً من الأسماك يحس بشواربه، وأدركُ ثم أدركُ الكثير من الأشياء، ولكن الإدراك لا يعني الفهم، فالإدراك في هذه الحالة رؤية عن قرب لشيء مما خلق الله أو إلحاق به والعلم بوجوده، والفهم يأتي بعد الإدراك فيتم تحليل المكونات، وربط الأشياء بعضها ببعض أو فصلها، وهذا جهد يمهد للفهم، أما الاستيعاب فهو محصلة لهذا الفهم.

وعن الهدهد قال الحق عز وجل: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}(22) سورة النمل. وعن لغة الطيور قال سبحانه: {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ } (16) سورة النمل. وعن النمل: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}(18) سورة النمل.

فما ندركه عن الطيور والنمل في هذه الحالة لا يطاله شك ولا ظن، فهذا ما جاء به الوحي المنزل على صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم، ولكن لسنا بسليمان عليه السلام الذي منَّ الله عليه بفهم قول النمل والطير.

لسنا كذلك، فنحن أدركنا قول الحق عز وجل دون أن نفهم لغة الطير أو النمل ولا بد أن أحدنا وقع ناظراه على أشياء وأشياء فأدركها، وأدرك وجودها لكن فهم ما أدرك يستحيل إلا على باحث يبذل كل ما في وسعه بالتجارب والبحث والتأمل لتكون محصلته جزءاً يسيراً يفهم به القليل مما أدرك.

والإدراك والفهم من مهمات العقل بوسائله من سمع وبصر وحس، فهو من يطلب العلم بالمجهول وليس العلم بالمعلوم، كما أنه القادر على تحليل كل مركب يعترضه، أو يتعرض له بالحاجة والضرورة لحياته، وبهذا تزداد الاكتشافات يوماً بعد آخر بجهد العقل وقدرته التي بها يجرب ويبدل ويعدل حتى يستوي الشيء بين يديه، ومتى أدركه كل الناس بدأ البعض في فهمه، والآخر استهلاك بلا فهم، وذلك لا ضير معه فمعظمنا كذلك، فكم من آلة نستخدمها دون أن نقرأ المنشور عنها فلا نستطيع صيانتها، وإن اختلف الأمر بين الناس.

كما نسمع بالشيء ونقف عند حدوده، والبعض يدركه فيبحث عن حقيقته بالتقصي - وبالذات العلماء - سعياً لفهم أقصى الممكن وتسخيره، والغالبية منا ينضوي هذا الشيء مع الوقت للكثير من الأشياء الشديد وضوحها، فنألفه ونتكيف مع وجوده، ولكن فئة العلماء يختلف أمرهم فالواضح لدينا غامض لديهم حتى يتكشف لهم بالبحث العلمي وإن طال به الطريق، فالخلف من السلف يواصل ما انتهت إليه رحلة البحث فيدرك من حولهم انبثاق الجديد، وهكذا تعمر الأرض وبين الإدراك والفهم يتخلق بالخيال الموضوعي صور وأبعاد تمهد للفهم والتجاوز به إلى إدراك جديد حيث الإنسان من يكتشف الرموز التي بها يعمر الأرض لصالح بقائه أو فنائه حتى يشاء الله ما قضى وقدر.

1- مادة درك - أدرك الشيء - لحقه - الإدراك اللحاق (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ) يونس 90

{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} يس 40

2- مادة فهم - أي فهم غيره (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) الأنبياء 79

المراجع - معجم ألفاظ القرآن الكريم

القاموس المحيط



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد