Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/11/2007 G Issue 12820
مقـالات
الأحد 24 شوال 1428   العدد  12820

في رمضان افتقدوه
محمد أبو حمرا

 

تعودت في هذه الزاوية أن أشيد بفاعلي الخير وأذكر محاسنهم، لا لسبب إلا لإشاعة الحث على فعل الخير في مجتمعنا الذي عرف عنه التكاتف والتراحم فيما بينهم.

أما باجد بن سيف المغيري فقد توفي - رحمه الله - قبل شهر رمضان المبارك، وهو رجل عرك الفقر والعوز في شبابه؛ لكنه كافح حتى بنى أسرته وكوّن ثروة طائلة استفاد منها حياً، وقدم لنفسه بعد موته الشيء الذي نرجو من الله أن يتقبله.

عرف الشيخ باجد حياة الفقراء والمعوزين الذين يتعففون عن السؤال فوقف معهم، ولكن دون أن يشعروا به، بل كان أباً وأخاً رحيماً بهم للكل.

كان عاقل التصرف ودمث الأخلاق، وبعيداً عن نعرة وكبرياء بعض أصحاب الملايين الذين يستفز الشيطان بعضهم، ويجلب عليه بخيله وجنده؛ فالذي عرفه يرى رجلاً أقل من عادي في تعامله، ومع ذلك فهو محصلة للرجولة والوفاء والخير.

وكان همه أن يؤسس لنفسه رصيداً يجده أمامه يوم لا ينفع مال ولا بنون، فقد انتهج نهجاً غريباً وجميلاً في التعامل مع المحتاجين، إذ كان يقوم بملء شاحنة كبيرة مما لذ وطاب من مؤونة الحياة كالأرز والتمر والقهوة والشاي وغيرها من حاجيات الغذاء اليومي؛ فيرسل عماله إلى هجرته التي نشأ فيها ويتبعهم من بعيد بسيارته، وهم يقومون بالتوزيع دون أن يعرف المستحق ممن هذه الأرزاق، وقد أوصى العمال أن يقولوا عند السؤال عن مصدر تلك الأرزاق: هي من محسن. فقط لا يزيدون على هذه العبارة، وإذا ما ألح أحد على معرفة اسمه يقول العمال: لا نعرف اسمه.

بنى الشيخ - رحمه الله - كثيراً من المساجد، وأصبح مقصداً لكثيرين من الذين عليهم ديون تثقلهم، حتى إن إمام أحد المساجد بعد أن علم عن وفاته قال للمصلين في المسجد الذي بناه رحمه الله: لقد مات كافل الأيتام والفقراء في حينا وباني هذا المسجد، مات باجد المغيري العتيبي، فادعوا له فلما سمع المصلون الذين يعرفونه اتجهوا للمسجد للصلاة عليه، وقد حضر جنازته الجمع الغفير من الناس. كان صاحب هدف تنموي واجتماعي، فقد كان إذا رأى شاباً يحاول أن يبني نفسه يستدعيه ويعطيه رأسمال ويقول له: اعمل به فإذا بنيت نفسك أعد إلي رأس المال. وقصده أن يحث الشاب على العمل والإنتاجية، لذا تجد كثيراً من أقاربه قد سلك طريق التجارة بفضل الله ثم توجيه الشيخ باجد له.

كان يحرص أيضاً على أن يقف مع من يريد الزواج من معارفه وأقاربه، فكان يمدهم بالمال الذي ينفّس كربات كثيرة عنهم؛ كأن يستأجر للعريس شقة لمدة سنتين يدفع إيجارها مقدماً، أو يشتري له سيارة مناسبة أو نحوه من العطاء الجزل الذي يليق به رحمه الله. وحينما سأله أحد الأشخاص قبيل وفاته قائلاً له: أنت تعطي أناساً لا يشكرون إذا ما اغتنوا. قال بكل هدوء وثقة: نحن نعطي لوجه الله ونساعد على الخير دون أن ننتظر شكراً.

وحينما أورد اسم باجد المغيري، فهناك كثيرون في هذا البلد المعطاء من الرجال الذين لهم وقفات مشرفة مع الآخرين، أولئك الرجال الذين يقفون مع المعوزين والفقراء ولكن دون ضجيج، وبلادنا - ولله المنة والحمد - تزخر بأعداد هائلة من الأثرياء الذين تقوم عليهم أسر تفتقدهم بعد وفاتهم، وهم قبل الوفاة لهم مساعدون وداعمون لوجوه المتعففين وكرامتهم.

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

تقبّل الله من كل محسن وأجزل له المثوبة؛ ولو كان الشيخ حياً ما كتبت هذا؛ والله المستعان.

فاكس 2372911

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7257 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد