Al Jazirah NewsPaper Monday  05/11/2007 G Issue 12821
عزيزتـي الجزيرة
الأثنين 25 شوال 1428   العدد  12821

من معالم عاصمتنا الرياض

 

قرأت في عدد سابق من الجزيرة وفي صفحة عزيزتي الجزيرة موضوعاً بعنوان: (برج ملز الرياض ذهب مع الريح) مما أعادني إلى شبابي الذابل فلي مع هذا البرج ذكريات ولو أخبرني كاتب المقال الأخ الحربي لذهبت معه وبكينا معاً على أطلاله فأنا لم أره مهدوماً.

وقبل الخوض فيما أريد، أكتب بالمناسبة كلمة عن الأطلال: والأطلال في اللغة جمع طلل وهو ما بقي من آثار الدور (وهي خيام تبنى وتهدم).

وكان شعراء الجاهلية يبدءون قصائدهم بالبكاء على الأطلال حيث يقف واحدهم - حقيقة أو تخيُّلاً - على منازل المحبوبة بعد أن رحلت هي وأهلها وتركوا أوتاداً وحبالاً ورماداً وقالوا إن امرأ القيس أول من بكى على الأطلال فقال:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلِ

بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ

فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها

لما نسجتها مع جنوب وشمأل

(من البحر الطويل)

ويقول زهير بن أبي سلمى في مطلع معلقته:

أمن أم أوفى دمنة لم تكلَّمِ

بحومانة الدراج فالمتثلمِ

وحبيبته أم أوفى والدمنة الأطلال (من البحر الطويل أيضاً).

ومعلقة طرفة بن العبد:

لخولة أطلال ببرقة ثهمدِ

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ

وخولة حبيبته والبقية أسماء الأماكن التي رحلت منها خولة.

وهي من البحر الطويل أيضاً.

ومعلقة لبيد بن ربيعة مطلعها:

عفت الديار محلها فمقامها

بمنى تأبد غولها فرجامها

(من البحر الكامل)

ومعلقة الأعشى ومطلعها:

ودع هريرة إن الركب مرتحلٌ

وهل تطيق وداعاً أيها الرجل

(من البحر البسيط)

ومعلقة الحارث بن حلزة اليشكري ومطلعها:

آذنتنا ببينها أسماءُ

رب ثاوٍ يمل منه الثواءُ

(من البحر الخفيف)

(والثواء الإقامة- ليست إقامة الوافدين-

أما عنترة فقد مل من الوقوف على الأطلال فقال في مطلع معلقته:

هل غادر الشعراء من متردمِ

أم هل عرفت الدار بعد توهُم

(من البحر الكامل)

وجاء أبو نواس لينعي على الباكين على الأطلال:

لا جف دمع الذي يبكي على حجرٍ

ولا صفا قلب من يصبو إلى وتدِ

(من البحر البسيط)

ويكفي هذا وعودة إلى برج الملز وهو غير برج مياه الرياض الشهير:

ونحن لم نكن نسميه برج الرياض بل نُسميه عمارة البرميل ومن ذكرياتي معها: أنني كنت أزورها كل خميس حيث كان أحد أقربائي مديراً لأحد المكاتب هناك فكنت أزوره فيها لكن الأهم أن الدور الأرضي كان مخصصاً لمطعم جميل بقيادة (أبو حمْيده - باللبناني- أبو حماده) وكان مطعماً راقياً وله ساحات مزروعة وموقعه - موقع العمارة- وأنت تأتي من البطحاء إلى شارع الجامعة فهو على الملف (طبعاً في الرياض).. كنا نأكل فيه أطيب المأكولات وبأسعار معقولة.

وكان (لأبي حمادة) أيضا مطعم شعبي في شارع الوزير نؤمه للغداء والعشاء ولشدة الزحمة عليه كتب لوحة في صدر المطعم (بدّك تطوّل بالك) وكان من الأطباق المشهورة عنده طبق (هيئة الأمم بالفرن) وهو خضار مشكلة مع اللحم (صينية بالفرن).

وبمناسبة مطعم أبو حمادة فلا بأس من ذكر طرائف عن الأكل اللبناني:

فقد دخلت في بيروت مطعماً في وسط المدينة، وجاء الجرسون (النادل) فقلت له أين اللستة (القائمة list) فقال لي: أنا اللستة: فاصوليا باميا بطاطا باذنجان لوبيا خضراء - فقلت له أعطني صحن لوبيا خضراء، فأحضر لي فاصوليا خضراء، قلت يا سيدي هذه فاصوليا. قال: يا عمي لوبيا قلت، بل فاصوليا فقال: لا إله إلا الله وذهب وأحضر لي فاصوليا بيضاء (حب) فقلت له دع الاثنين.

وفي لبنان يسمون البرتقال ليمون: غنت صباح:

جنينة حبيبي ملياني (ملآنة)

تفاح وعنب لبناني

جنينة حبيبي يا حبيبي

ليمونا (ليمونها) يافاوي وليبي

وقصتي معها آه عجيبي (عجيبة)

عن وصفا (وصفها) يعجز لساني

منجة مصرية بلَوْنَيْنْ

مُشْمُشْ شامي يخزي العَيْنِ

فستق حلبي وسوداني

جنينة حبيبي عَ العيْن

على بابا (بابها) واقف سبعَيْن

فيها الزنبق ع الصفّيْن

فيها التين العّماني

جنينة حبيبي على طلبي

زينتا(زينتها) زينت العتبي( العتبة)

من لولو الخليج العربي

وورد الجوري الوهراني

(من البحر المتدارك)

وتقصد بالليمون: البرتقال ومعروفة شهرة يافا في فلسطين (ردها الله علينا) بالبرتقال حتى إن الذاهب إلى يافا يستروح البرتقال قبل وصولها بمسافة بعيدة. أما الليمون الحامض فيسمونه (الحامض)، ونحن في نابلس نقول (حامض) وعندنا ليمون حلو يشبه المندلينا (اليوسف أفندي) بقشر أخضر أو أصفر.

وعرضاً أقول إن السميد الناعم يسميه الشيف رمزي (فرخة) ويسمي القرع الأصفر (لقطين) بتفخيم اللام بقدر ما تستطيع ولعلها تحريف ليقطين.

ولا بأس بذكر عمارة كانت مَعْلَماً في مدينة الرياض وهي عمارة الأمير فهد (خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمه الله- (وكانت عبارة عن ثلاثة أسياب كل سيب (بلوك) من طابقين وكان فيها بلوك للعوائل وبلوكان للعزاب أكثر سكانهما من المدرسين وكانت عند مواقف الباصات الآن وتشرف على شارع الغرابي وامتداد البطحاء) وسكنت فيها أنا سنوات (أعزب) وقد أزيلت نهائياً منذ زمن.

ومن العمارات التي كانت من معالم الرياض: عمارة الأمير محمد بن سعود وهي على تقاطع شارع الوزير (الملك فيصل) والشميسي الجديد (الإمام تركي بن عبدالله) وهي من سبعة أدوار سكنت أنا في شقة في الدور السادس تطل على شارع الوزير (مع مجموعة من المدرسين العزاب بقيادة شيخنا الأستاذ نعيم حسن الحنبلي - رحمه الله-) وأذكر أن بعثة مجلة العربي الكويتية صورت العمارة عام (60م-80هـ) وأخذت العدد الذي فيه تحقيق عن عاصمتنا الحبيبة الرياض وأريت صورة العمارة وحتى الشقة التي أسكنها لأهلي في نابلس.

ومن العمارات التي كانت معالم للرياض عمارة الراديو وهي على ركن شارع الوزير مع شارع القِري (خالد بن الوليد) وكانت تشبه الراديو وكانت الخطوط السعودية بجلالة قدرها تسكن الطابق الأول وأذكر أنني كدت أموت وأنا خارج منها: فقد كانت وزارة المعارف -آنذاك- تمنحنا قيمة التذاكر (أقصد المدرسين) لنسافر كيف نشاء وفي أول سنة دخلت طائرة البوينج للخدمة ذهبت لأشتري التذكرة (كانت الخطوط تمنح المدرسين خصم 20% تشجيعاً) فلما أخذت التذكرة خرجت طائراً فرحاً فكادت -لولا لطف الله- (سيارة مسرعة) أن تأخذ أجلي - وبالمناسبة فقد سكنت العمارة هذه مع أسرتي - في الدور الثالث-.

ومن معالم الرياض قديماً عمارة الباخرة في شارع الخزان (الإمام تركي بن فيصل) وكنت أزورها حيث كان لي صديق طبيب -زميلي في الثانوية- هو الدكتور ناجح الصاحب.

ذكريات داعبت فكري وظني

لست أدري أيها أقرب مني

هي في سمعي على طول المدى

نغم ينساب في لحنٍ أغني

(من البحر الرمل)

بين شدو وحنين وبكاءٍ وأنين

كيف أنسى ذكرياتي

وهي أحلام حياتي

إنها صورة أيامي

على مرآة ذاتي

عشت فيها بيقيني

وهي قربٌ ووصال

ثم عاشت في ظنوني

وهي وهم وخيال

-مجزوء الرمل-

نزار رفيق بشير- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد