للعيون في الشعر العربي حيز ومكانة راسخة عبر الأجيال وقد أبدع الشعراء قديماً وحديثاً وتغنوا بالعيون باعتبارها من أهم ملامح الجمال ولذا حظيت بالتمجيد في مختلف الآداب الإنسانية قديماً وحديثاً ووصفت بأوصاف شعرية رائعة نقرؤها ونسمعها فتثير فينا شيئاً من المتعة والإعجاب والشعر العربي على امتداد مسيرته الفنية والتاريخية أولى العيون مكانة سامية حيث اتجه عدد من الشعراء إلى نعتها بأبلغ الأوصاف وأجملها وأبدعها وخلدوا ذلك في نصوص شعرية بليغة ومؤثرة وهي نصوص كثيرة مبثوثة في دواوين الشعراء مفعمة بروعة التصوير ودقة الأداء وجمال التعبير وحين نستعرض ذلك تقفز أبيات الشاعر جرير، حيث صور لنا العيون إذ تقتل وتصرع كما يقتل الأبطال ويصرع الصناديد خصومهم في قوله:
|
ان العيون التي في طرفها حور |
قتلننا ثم لم يحيينا قتلانا |
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به |
وهن أضعف خلق الله إنسانا |
كما صور لنا صريع الغواني مسلم بن الوليد ذلك في قوله:
|
هل العيش إلا أن أروح مع الصبا |
وأغدو صريع الراح والأعين النجل |
ويقولون إن العين تفضح الأسرار وتبثث الأخبار كما يرى سبط بن التعاويذي في قوله:
|
عيني وقلبي في الهوى |
عون علي فمن يلوم |
|
وعينان قال الله كونا فكانتا |
فعولان بالألباب ما تفعل الخمر |
لقد فاض الشعراء في أقوالهم وقصائدهم ورسموا صورة حية للغة العيون وأطنبوا في وصفها وقوتها وتأثيرها ورقتها وعطفها، والعين مرآة تجسد الغنى والفقر والشبع والجوع ووضعوا لها أسماء متعددة كدعجاء ونجلاء يقول أحد الحكماء ما أجملها إن طربت وما أقساها إن غضبت وما أحلاها إن نعست فهي الجنة بنسيمها والجحيم بشررها كم بطل صنديد جندلت فالدمعة سلاحها والأهداب سهامها ويقول أحد الشعراء:
|
فانظر بعقلك إن العين كاذبة |
واسمع بقلبك إن السمع خوان |
ولا تقل كل ذي عين له نظر |
إن الرعاة ترى ما لا يرى الضان |
أما بشار بن برد الشاعر العباسي الأعمى فله رأي في العين حيث يرى أن المحب لا يرى بالعين وإنما يبصر بالقلب فسلطان الهوى ينظر بالقلب لأنه مصدر الإحساس والتعبير عن المشاعر والعواطف إذ يقول:
|
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى |
فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب |
فما تبصر العينان في موضع الهوى |
ولا تسمع الاذنان إلا من القلب |
وما الحسن إلا كل حسن دعا الصبا |
وألف بين العشق والعاشق الصب |
ويرى أن الأذن تعشق قبل العين حيث يقول:
|
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة |
والأذن تعشق قبل العين أحياناً |
أما البحتري شاعر الطبيعة والوصف فإننا نراه يهرب من سحر العيون وجمالها حيث قال:
|
من عذيري من الضباء الغيد |
ومجيري من ظلمهن العتيد |
إن سحر العيون ضلل لبي |
وحماني الرقاد ورد الخدود |
أتراها دامت على الوصل أم |
من عادة الغانيات نقض العهود |
أما العباس بن الأحنف شاعر الحب والعاطفة فيقول:
|
ظلمت عيناك عيني إنها |
بادلتها بالرقاد الأرقا |
إنها صورة شعرية أخذت من عينيه النوم والراحة وأعطته السهر والأرق، لقد أعجب الشعراء بالعيون فوصفوها بأشعارهم وخيالهم لما للعين من أثر على النفوس حيث نرى ابن زيدون - الشاعر الأندلسي يقول:
|
ما للمدام تديرها عيناك |
فيمل في سكر الصبا عطفاك |
هلا فرجت لعاشقيك سلافها |
ببرود ظلمك أو بعذب لماك |
أما الشاعر قيس بن ذريح فقد سئل عن سبب علته فقال:
|
عِيدَ قيس من حب لبنى ولبنى |
داء قيس والحب داء شديد |
وإذا عادني العوائد يوما |
قالت العين لا أرى من أريد |
أما الشريف الرضي فقد قال:
|
وتلفتت عيني فمذ خفيت |
عنها الطلول تلفت القلب |
ويروى عن ابن حجر العسقلاني في قوله:
|
أظهر جمالك للعيون وأبده |
وصل الوداد لمن رضاك بوده |
وكم تعبر العين عما بداخلها ولسان حالها يقول:
|
إنا لننطق والأفواه صامتة |
حتى ترى من صميم القلب تبيانا |
وبعد: فإن القول في هذا المجال ذو سعة ولكن المقام يدعو إلى الاقتضاب حيث إن هناك طائفة من أقوال الشعراء والأدباء في وصف العيون وسحرها وجمالها وبهائها وخطرها وشعاعها السحري كما قيل:
|
لدغت عينك قلبي |
إنما عينك عقرب |
وختاماً نسأل الله أن يحفظ لنا العيون ويحفظنا ويقينا من العيون.. هذا وبالله التوفيق..
|
عبدالله بن حمد الحقيل |
|