الحديث عن الغربة والاغتراب حديث ذو شجون.
|
فقد جاء ذكر الغربة في كثير من النصوص، ومنها على سبيل المثال: قول النبي صلى الله عليه وسلم عن غربة الإسلام في آخر الزمان: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء). وإن كانت غربة الإسلام نسبية أي: مكان دون مكان وزمان دون زمان.
|
وقد جاء في معلقة زهير بن أبي سلمى:
|
ومن يغترب يحسب عدواً صديقه |
ومن لا يُكرِّم نفسه لا يُكرَّم |
فلقد أصاب حكيم العرب في قوله، فالإنسان يحتاج في غربته إلى من يؤنسه في وحشة الغربة، وقد يقع في خطأ جسيم فيصادق إنساناً مخالفاً له في كل شيء وهو لا يعلم ولا يميز الصالح من الطالح ممن يحيطون به.
|
كذلك فالمغترب إذا لم يراع عادات وتقاليد من يعيش بينهم فإنه لن يُحترَم والشافعي - رحمه الله تعالى - له نظرة أدق وأعمق تصويراً للغريب في غربته فنراه يقول:
|
إن الغريب له مخافة سارق |
وخضوع مديون وذلة موثق |
فإذا تذكر أهله وبلاده |
ففؤاده كجناح طير خافق |
لقد استمعت إلى كثير من قصص آبائنا وأجدادنا ممن قاسوا وعانوا في غربتهم في دول مجاورة قبل سنين طويلة، فكان فيها مخافة السارق وخضوع المديون وذلة الموثق، والحمد لله الذي أبدلهم بعد خوفهم أمناً، وبعد غربتهم استقراراً.
|
وهناك غربة أشد إيلاماً، وأقسى معاناة للمرء وهي غربة الإنسان داخل وطنه، وبين أهله وعشيرته، ويصور ذلك قول الشاعر:
|
عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى |
وصوت إنسان فكدت أطير |
يرى الله أني للأنام لشانئ |
ويبغضهم لي مقلة وضمير |
فما الذي أوصل مثل هذا وغيره إلى أن يغتربوا في أوطانهم وبين أهلهم؟
|
هناك أسباب عديدة قد يطول المقام بذكرها وتفصيلها، ولكن الفقر من أبرزها، ولم لا؟ وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن).
|
أخيراً هناك غربة أو اغتراب يعاني منه المثقف أو واسع المعرفة إذا كان من حوله لا يقيم اعتباراً لما يحمل من علم وثقافة.
|
وقد عبّر الإمام الشافعي - رحمه الله - عن هذا الاغتراب الفكري بقوله:
|
سأكتم علمي عن ذوي الجهل طاقتي |
ولا أنثر الدر النفيس على الغنم |
فإن يسر الله الكريم بفضله |
وصادفت أهلاً للعلوم وللحكم |
بثثت مفيداً واستفدت ودادهم |
وإلا فمخزون لدي ومكتتم |
|